فورين بوليسي: التقارب السعودي الإيراني بلا تقدم واضح

لقد وسعت إيران نفوذها في الشرق الأوسط، وبهذا المعنى فقد انتصرت في الحرب غير التقليدية التي تخوضها.

ميدل ايست نيوز: في الأسبوع الماضي، استضاف العراق قمة إقليمية تهدف إلى تشجيع الخصمين اللدودين، السعودية وإيران، على حل خلافاتهما وتخفيف التوترات في العديد من البلدان في الشرق الأوسط التي أصبحت ساحات معارك بالوكالة.

ويمكن للمصالحة بين الطرفين أن تمهد الطريق للسلام في اليمن، وتنقذ لبنان من الانهيار التام، وتساعد على انتعاش الاقتصاد العراقي، وربما حتى سوريا في الوقت المناسب.

وبالرغم من الإشادة بالعراق لفتحه أبوابه لمناقشة نهاية محتملة للحرب الباردة التي دارت رحاها بين الرياض وطهران من أجل الهيمنة على العالم الإسلامي، إلا أنه لم يتم تحقيق أي تقدم.

واتفق وزيرا الخارجية السعودي والإيراني على مواصلة المحادثات، التي بدأت في أبريل/نيسان الماضي، بعد أيام فقط من بدء إدارة “بايدن” حوارا غير مباشر مع إيران لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، المعروف أيضا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.

تأكيد عراقي لاستمرارها.. هل يؤثر رئيسي على المفاوضات السعودية الإيرانية؟

لكن المحادثات السعودية الإيرانية تعثرت بسبب إصرار إيران على تعزيز مكاسبها، وعدم اليقين بشأن مصير خطة العمل الشاملة المشتركة، وغياب الضمانات الأمنية من الولايات المتحدة التي تعتمد عليها السعودية.

وتحرص الحكومة الإيرانية على استئناف العلاقات الدبلوماسية مع السعوديين، الأمر الذي من شأنه أن يساعدها على ترسيخ شرعيتها الدولية المتنازع عليها حاليا وربما إرساء الأساس لمشاركة إقليمية أكبر، اقتصادية واجتماعية، من شأنها أيضا تعزيز الحكومة محليا.

وتريد إيران أن تظهر لشعبها أنها ليست معزولة تماما، وأن الضيق الاقتصادي الذي تعاني منه ناتج إلى حد كبير عن العداء الأمريكي فحسب.

ويمكن لحكومة الرئيس الإيراني الجديد “إبراهيم رئيسي“، الاعتماد على بعض الدعم المحلي لهذه الرواية، خاصة بعد فوز “رئيسي” في الانتخابات.

وبالطبع يتمتع بالدعم الكامل من المرشد الأعلى والفصائل المتشددة مثل تلك التي تهيمن على الحرس الثوري. لكن من غير المرجح أن يهدئ ذلك الاحتجاجات في إيران التي اشتكت من أن سياساتها مكلفة للغاية بينما يشح المال في الداخل، ولا تؤدي إلا إلى مزيد من العقوبات.

والتعقيد في هذا السيناريو هو أن “رئيسي” لا ينوي الموافقة على تغييرات في الاتفاق النووي.

ويثير تطوير إيران للصواريخ الباليستية طويلة المدى، التي تود الولايات المتحدة تضمينها في محادثات أخرى، تهديدا خاصًا للسعودية.

وطالما أن إيران غير مستعدة للتنازل على هذه الجبهات الرئيسية، فإن السعوديين ببساطة لا يرون احتمال التوصل إلى اتفاق.

ولخص “سيد حسين موسويان” صانع السياسة الإيرانية الذي خدم في فريق الدبلوماسية النووية الإيراني في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي عام 2015، تفكير الرئيس الإيراني، قائلا: “كما أفهم، سيكون نهج رئيسي هو التزام مجموعة “5+1″ وإيران بخطة العمل الشاملة المشتركة كما هي، الامتثال الكامل مقابل الامتثال الكامل”.

ويعني هذا أن القضايا الأوسع التي تعتبرها الولايات المتحدة وحلفاؤها مثل السعودية، ناهيك عن إسرائيل، خطوات تالية مهمة، ليست مطروحة حاليا على الطاولة.

وقال “سايمون هندرسون”، الزميل في معهد “بيكر” ومدير برنامج “برنشتاين” حول الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، إنه يعتقد أن إيران ستستمر في دعم الميليشيات عبر ما يسمى بالهلال الشيعي.

وقال “هندرسون”: “أي تعديل سيكون لأسباب تكتيكية وليست استراتيجية”.

وامتلأ حفل تنصيب “رئيسي” بحشد من قادة الفصائل غير الحكومية التي تدعمها إيران، وقد أمضى العديد منهم أعواما أو عقودا في مجابهة النفوذ السعودي في المنطقة لصالح الوجود الإيراني.

ومن المؤكد أن وجودهم وبروزهم في الحدث لم يعزز الثقة السعودية في المحادثات.

وقال “جوست هيلترمان”، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، إن إيران ترى هؤلاء الشركاء المسلحين على أنهم حاسمون لموقفها في المنطقة المحيطة.

ومع ذلك، أضاف “هيلترمان” أن هذه الميليشيات تتبع أيضا أجندة محلية لا تتوافق دائما تماما مع التصميم الإقليمي لإيران.

وأضاف: “يمكن أن يصبح الأمر أكثر إثارة للاهتمام إذا تجاوزت هذه المجموعات بيئاتها المحلية. ويمكن أن يحدث هذا بشكل خاص في العراق، حيث يمكن أن تتعارض الميليشيات المدعومة من إيران، بالإضافة إلى العديد من الميليشيات الأخرى، مع المشاعر الشعبية عندما تتصرف بشكل خاص بعنف داخل الدولة دون محاسبة، أو حين ينظر إليها على أنها تقاتل نيابة عن إيران بدلا من خدمة المصلحة الوطنية العراقية”.

وفي لبنان أيضا، ازداد النقد الموجه إلى “حزب الله” بالرغم من أن الجماعة لا تزال تتمتع بدعم واسع في معاقلها. ويلقي معظم الناس في لبنان باللوم على النخبة السياسية في تفشي الفساد وتدمير اقتصاد البلاد. لكن الكثيرين يرون أيضا أن حزب الله هو السبب وراء إحجام الولايات المتحدة والسعودية عن إخراج البلاد من أزمتها المالية.

ويبدو أن ومضات المعارضة الإقليمية للمشروع الإيراني، إلى جانب احتمال انهيار محادثات خطة العمل الشاملة المشتركة، أعطت السعوديين الإحساس بأن نفوذهم قد ينمو على إيران.

وقد يأملون حتى في أن يؤدي عناد إيران إلى انهيار محادثات فيينا، ما يترك إيران تحت العقوبات لتكون أقل قدرة على دعم أهدافها الإقليمية الأوسع.

وبدلا من تقديم أي تنازلات لمساعدة إيران، تفضل السعودية إبقائها على مسارها وتعميق عزلتها.

وقال “علي واعظ”، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، إنه إذا لم تتم استعادة الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران، فإن “طهران وواشنطن ستظلان في حالة خنق متبادل، وفي ظل هذه الظروف، فإن وقف التصعيد بين إيران والسعودية غير مرجح، إن لم يكن مستحيلا”.

وأضاف أن أي حل بين الخصمين الإقليميين سيعتمد على تقسيم مناطق النفوذ.

وقال “واعظ: “في نهاية المطاف، سيتعين على البلدين الاتفاق على مجموعة من القواعد لتحديد مناطق النفوذ في المنطقة”.

ويشير المحللون إلى أنه فيما يتعلق بالتنازلات المتبادلة، فإن سوريا هي ثمرة معلقة للسعوديين، واليمن يمثل نفس الأمر للإيرانيين.

ويمكن أن تنضم السعودية إلى الإمارات في الضغط من أجل الاعتراف الدبلوماسي بنظام “الأسد”، بينما يمكن لإيران أن تدفع حلفاءها المحليين الحوثيين إلى صفقة مع “حكومة” اليمن التي تدعمها السعودية.

ويمكن إيجاد حلول وسط لكل من العراق ولبنان.

لكن إيران ترى في مثل هذه الفكرة بمثابة رد فعل غير ضروري؛ فقد قام حلفاء إيران المحليون، بما في ذلك الجيش السوري و”حزب الله”، بدعم روسي بالفعل، بطرد جماعات المعارضة التي يقودها السنة من الأراضي التي يسيطر عليها النظام في سوريا، وينتصر الحوثيون حاليا في الحرب في اليمن.

ولقد وسعت إيران نفوذها في الشرق الأوسط، وبهذا المعنى فقد انتصرت في الحرب غير التقليدية التي تخوضها. لكن العديد من دول المنطقة، بما في ذلك إيران نفسها، بائسة اقتصاديا. فهي إما غارقة في صراعات نشطة، أو تضعفها آثار الحروب والعقوبات، أو تعاني مثل لبنان من أزمات مالية مفروضة عليها.

وليس لدى السعوديون في الوقت الحالي الكثير ليحصلوا عليه من الاعتراف بانتصارات إيران وترسيخها. وإلى أن يتغير ذلك، فإن الإيرانيين، وكذلك مواطني الدول الأخرى العالقين في وسط التنافس السعودي الإيراني، سيستمرون في الخسارة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
الخليج الجديد
المصدر
Foreign Policy

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إحدى عشر + 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى