قائد الأركان الإيراني في موسكو لبحث أفغانستان وسوريا وشراء أسلحة وتطورات القوقاز
وصل رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، إلى موسكو حيث سيبحث ملف أفغانستان وشراء أسلحة روسية والتعاون في سوريا.
ميدل ايست نيوز: وصل رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، الجنرال محمد باقري، مساء الأحد، إلى روسيا في زيارة مثقلة بالملفات في توقيت حساس على وقع جملة تطورات إقليمية ودولية ساخنة مرتبطة بإيران، سواء في جنوب القوقاز بسبب توتراتها مع أذربيجان، أو بشأن الملف النووي إثر تصاعد خلافاتها مع الغرب، والتطورات في سورية وأفغانستان.
وتأتي زيارة باقري إلى روسيا على رأس وفد عسكري رفيع المستوى، تلبية لدعوة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، لإجراء مباحثات معه حول العلاقات الثنائية وملفات إقليمية ودولية. واستقبل نائب رئيس الأركان الروسية سيرغي اييستراكوف، الجنرال باقري في مطار موسكو.
وكان الملحق العسكري الإيراني، العقيد البحري رضا خسروي مقدم في السفارة الإيرانية في موسكو، قد كشف، الجمعة الماضي، عن زيارة مرتقبة لرئيس الأركان الإيرانية إلى روسيا مطلع هذا الأسبوع، قائلاً إنه سيجري مباحثات حول تطوير التعاون والعلاقات الدفاعية والعسكرية و”مكافحة الإرهاب”، وبحث التطورات الإقليمية والدولية.
زيارة باقري لروسيا تأتي بعد يوم من انتهاء زيارة مماثلة إلى الجارة الباكستانية، استمرت لأربعة أيام، التقى فيها مع رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، وقائد الجيش الجنرال قمر جاويد باجوا.
وزار باقري باكستان، في ضوء امتعاض إيراني غير معلن رسميا من مشاركة باكستان في مناورات “الإخوة الثلاثة ـ 2021” العسكرية المشتركة مع تركيا وأذربيجان على أراضي أذربيجان خلال سبتمبر/أيلول الماضي، جاءت في ظل توترات بين إيران وأذربيجان.
التوجه شرقا
أما زيارة رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية إلى روسيا، فتأتي أيضا في خمسة سياقات؛ السياق الأول في إطار استراتيجية التوجه نحو الشرق، التي تتبعها الحكومة الإيرانية الجديدة في ظل التوترات مع الغرب، وإخفاق الاتفاق النووي المترنح في أن يكون مدخلا لإنهاء هذه التوترات المستمرة منذ أربعة عقود.
وتسعى إيران من خلال التوجه شرقا إلى تنويع خياراتها في السياسة الخارجية في مواجهة الضغوط الأميركية والأوروبية، وهذا يستدعي تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات مع الصين وروسيا، التي تؤكد طهران أن علاقاتها معهما “استراتيجية”.
وفي السياق، تهدف زيارة باقري إلى تطوير العلاقات الدفاعية والأمنية والعسكرية مع روسيا، إذ قال بُعيد وصوله إلى موسكو، في تصريح للتلفزيون الإيراني، إن “التعاون العسكري بين إيران وروسيا سيزداد في ظل التوجه نحو الشرق، الذي تتبعه الحكومة الإيرانية الـ13”.
وأضاف باقري أن بلاده “تتعاون مع روسيا في جميع الأبعاد العسكرية”، مؤكداً أن التعاون بين القوات المسلحة الإيرانية والروسية “سيتعزز حتما”.
أما السياق الآخر لزيارة باقري إلى روسيا، المكمل للسياق الأول، فهو استغلال إيران فرصة انتهاء الحظر التسليحي عليها دوليا، بعدما انتهى هذا الحظر اعتبارا من 18 أكتوبر/تشرين الأول 2020 بموجب القرار 2231 المكمل للاتفاق النووي المبرم عام 2015، لكن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أصدر بعد ذلك أمرا تنفيذيا بمواصلة الحظر التسليحي على إيران، محذرا الدول الأخرى بعقوبات حال انتهاك هذا الحظر، وهو ما يشكل تحديا أمام الصفقات العسكرية الإيرانية مع الدول الأخرى.
وفي السياق، أكد رئيس الأركان الإيرانية من موسكو للتلفزيون الإيراني، بُعيد وصوله إليها، أن أحد أهداف زيارته هو متابعة صفقات شراء الأسلحة من روسيا بعد انتهاء الحظر التسليحي.
إلى ذلك، كشف السفير الروسي لدى طهران، لوان جاغريان، خلال أغسطس/آب الماضي، عن مفاوضات إيرانية روسية حول بيع أسلحة لطهران، قائلا إن البلدين يجريان حاليا مفاوضات حول “طيف واسع من الأسلحة” بعد انتهاء الحظر التسليحي الأممي على إيران. وأضاف السفير الروسي أن “التعاون العسكري التقني بين روسيا وإيران له تاريخ طويل يتجاوز 50 عاما”.
ويعود تاريخ صدور الحظر الأممي لبيع وشراء الأسلحة على إيران، إلى قبل 13 عاما، عندما زاد التركيز الإعلامي الغربي على الأنشطة النووية الإيرانية من العام 2002، حساسية القوى الغربية تجاه هذه الأنشطة، فكان القرار رقم 1747 الصادر يوم 24 مارس/ آذار 2007، فرض حظرا تسليحيا أمميا على طهران بدافع القلق من طبيعة برنامجها النووي. وشمل هذا الحظر بيع وشراء أي نوع من الأسلحة التقليدية، قبل أن ينتهي الحظر خلال أكتوبر/تشرين الأول 2020.
وفي السياق، ترغب طهران وفق مراقبين في شراء مقاتلات روسية وصينية متطورة، أمثال مقاتلات ميغ ـ 29، وإف سي ـ 1، وجي ـ 6 ميغ ـ 19، وسوخوي ـ 30، وجي ـ 7 ميغ ـ 21، وجي 10 ـ سي، فضلا عن أسلحة أخرى، مثل سفن الهجوم السريع “تايب ـ 02” ودبابات “تي 90″، والغواصات من فئة “يوان”، ومنظومات الدفاع الجوي “أتش كيوـ10″ الصينية و”إس 400” الروسية.
كما أن إيران لديها تجربة مريرة مع روسيا في هذا المجال، بعدما رفضت الأخيرة تسليم منظومة “إس 300” للدفاع الجوي لطهران تنفيذا لصفقة بهذا الشأن أبرمت عام 2008، بذريعة الحظر الدولي عليها، ما دفع الحكومة الإيرانية إلى رفع شكوى ضد موسكو في الأوساط الدولية، قبل أن ينفذ الكرملين الصفقة عام 2016 بعد التوصل إلى الاتفاق النووي، وبعد الاستئذان من مجلس الأمن الدولي حينها لوجود الحظر التسليحي الدولي.
تطورات أفغانستان وسورية
والسياق الثالث لزيارة أرفع مسؤول عسكري إيراني إلى روسيا هو مناقشة التطورات السورية والأفغانية، فقال باقري من موسكو إنه سيبحث “التعاون لتأمين الأمن الكامل في سورية” خلال الزيارة.
وعن أفغانستان، أكد أن الجانبين سيركزان أيضا على الملف الأفغاني، قائلاً إن “تطورات أفغانستان تنعكس على دول المنطقة، بما فيها الجمهورية الإسلامية الإيرانية وروسيا”.
ويأتي الاهتمام الإيراني الروسي المتزايد بالشأن الأفغاني بعد سيطرة حركة “طالبان” على البلد منذ شهرين تقريبا، فتربط إيران وروسيا علاقات مع الحركة التي أوفدت خلال السنوات الأخيرة وفدها إلى عاصمتي البلدين.
وفي السياق، يسعى كل من البلدين إلى استضافة مؤتمر حول أفغانستان، حيث كشف وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، أخيرا، من موسكو، عن اعتزام طهران استضافة اجتماع لوزراء خارجية الدول الجارة لأفغانستان قريباً، وقال إنّ روسيا ستشارك في الاجتماع، كما أوضح أنّ إيران ستشارك في اجتماع “صيغة موسكو” حول أفغانستان، والذي ستعقده روسيا خلال المرحلة المقبلة.
إلى ذلك، عيّن الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، اليوم الأحد، الدبلوماسي الإيراني، حسن كاظمي قمي، مبعوثه الخاص للشأن الأفغاني. وعمل كاظمي قمي سفيراً لإيران في العراق، وقنصلها في أفغانستان.
وأكد الرئيس الإيراني، اليوم الأحد، خلال جلسة الحكومة بعد الإعلان عن تعيين كاظمي قمي في منصبه الجديد، أن “ارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية في أفغانستان يأتي في سياق استراتيجية أميركية لضرب استقرارها”، داعياً السلطات الأفغانية إلى “العمل بمسؤولياتها في توفير الأمن للشعب الأفغاني”. وأعلن رئيسي عن استعداد بلاده لدعم أفغانستان، و”التعاون الشامل لإيجاد الاستقرار والأمن المستدام للشعب الأفغاني”.
أما السياق الرابع للزيارة، فهو مرتبط بالتطورات في جنوب القوقاز، على خلفية التوترات بين إيران وجمهورية أذربيجان، إذ تشهد المنطقة تحركات ومحاولات لافتة، وسط صمت روسي لافت.
وخلال زيارته مطلع الشهر الجاري لموسكو، أكد وزير الخارجية الإيراني، حسين أميرعبداللهيان أن بلاده تتوقع من روسيا أن “تبدي حساسية تجاه التغيير المحتمل للحدود في المنطقة وتجاه حضور الإرهابيين وتحركات الكيان الصهيوني في المنطقة، والتي تشكل تهديدا للسلام والاستقرار والأمن فيها”.
وتتهم السلطات الإيرانية أذربيجان بالتخطيط لإحداث تغيير جيوسياسي في الحدود بين طهران ويريفان بدعم تركي، واستقدام القوات الإسرائيلية إلى منطقة القوقاز، غير أن باكو تنفي هذه الاتهامات وتصفها بأنها “باطلة”.
وإلى ذلك، عرقلت أذربيجان عبور الشاحنات الإيرانية المتجهة إلى أرمينيا من أراضيها وقامت باعتقال سائقين إيرانيين، مع وصف العبور بأنه “غير قانوني”، فضلاً عن مناورات عدة مع تركيا في كارباخ ونخجوان، وإيران أيضا من جهتها، أجرت عدة مناورات على الحدود مع أذربيجان خلال الشهر الماضي، مع استقدام معدات عسكرية إلى الحدود.
والسياق الخامس لزيارة باقري إلى موسكو، أنها تأتي على وقع دخول الملف النووي الإيراني مرحلة حساسة، بعد توقف مباحثات فيينا النووية لإحياء الاتفاق النووي منذ 20 يونيو/حزيران الماضي، والمراوغة الإيرانية في تحديد موعد لعودتها إلى طاولة التفاوض، رغم تأكيدات طهران المستمرة أنها ستعود قريبا، وحديثها اليوم الأحد عن استكمال المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي في بروكسل من الخميس المقبل بشأن الملف النووي.
وفيما ليس واضحا بعد موعد استئناف مفاوضات فيينا، تصاعدت أخيراً التحذيرات الأميركية من تأخير استئنافها، مشفوعة بالتلويح بالتوجه نحو “خيارات أخرى”، مع التأكيد أنها لن تنتظر طويلاً لتتخذ طهران قراراً بالعودة إلى مفاوضات فيينا.
إلى ذلك أيضا، تصاعدت التهديدات الإسرائيلية ضد البرنامج النووي، وسط تلميحات باحتمال توجيه ضربات للمنشآت النووية الإيرانية، وهو ما استدعى قيام القوات العسكرية الإيرانية بإجراء أضخم مناورات للدفاع الجوي الأسبوع المقبل، لإجراء تمرينات للدفاع عن المنشآت الحساسة.
واليوم الأحد، ظهر تباين في الموقفين الإيراني والروسي بشأن المفاوضات، فلم تمض ساعات على إعلان وزير الخارجية الإيراني، حسين أميرعبداللهيان، استكمال المباحثات مع الاتحاد الأوروبي في بروكسل، حتى غرّد مندوب روسيا في مفاوضات فيينا، ميخائيل أوليانوف، قائلا إن “المباحثات في بروكسل لا يمكن أن تكون بديلا عن مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي. فإذا كان الجانب الإيراني بحاجة إلى هذه المباحثات، يمكن أن تكون تمهيدا لاستئناف مفاوضات حقيقية في فيينا”.