كيف كشف اغتيال العالم الإيراني ازدواجية معايير “الغضب الأمريكي”؟

إيران لا تمتلك أي قنابل نووية، في حين يظن كثيرون أن إسرائيلي تمتلك 90 رأساً حربياً نووياً بلوتونياً، وأنها أنتجت من البلوتونيوم ما يكفي لمئة إلى مئتي سلاحٍ نووي آخر.

ميدل ايست نيوز: إنه يوم جديد، واغتيال إسرائيلي جديد مر بسلاسة لعالمٍ نووي إيراني في وضح النهار خارج طهران. وصرخ عنوان صحيفة كيهان التابعة للمحافظين في إيران يوم السبت التالي: “العين بالعين: فليجهز الصهاينة أنفسهم”، وذلك بعد يومٍ من إمطار السيارة التي كان يستقلها محسن فخري زادة وزوجته بالرصاص.

ومثل العديد من الهجمات الأخرى الموجهة التي نفذها جهاز الموساد الإسرائيلي مستهدفاً علماء إيرانيين على مدار الأعوام العشرة الأخيرة (وكان فخري زادة هو خامسهم)، كانت الهجمات أشبه بفيلم جاسوسي مثير.

ونقلت وكالة أنباء فارس أن ثلاث رصاصات أصابت فخري زادة في جانبه وظهره، وحين جاء حارسه الشخصي ليحميه بجسده تلقى عدداً من الرصاصات أيضاً. وبعدها انفجرت الشاحنة المهاجِمة، وانتهت العملية الخاضعة للتحكم عن بعد في أقل من ثلاث دقائق، كما تقول بعض الروايات الإيرانية.

وشهِدت عمليات اغتيال سابقة لعلماء إيرانيين على يد الاستخبارات الإسرائيلية (التي امتنعت عن تأكيد أو نفي هذه الهجمات بالطبع) تفجير العلماء النوويين بوضع عبوات ناسفة أسفل سياراتهم. وفي 2012، تعرض عالم الفيزياء النووية داريوش رضائي نجاد لخمس طلقات نارية أطلقها مسلحون يركبون دراجة بخارية أمام منزله بعد اصطحابه ابنته من الحضانة.

لكن أفلام نتفليكس المستوحاة من عمليات الموساد، ربما تلقت اهتماماً من الرأي العام أكثر من الهجمات في طهران.

يقول الموقع الأمريكي إن الحوار العام حول هذه العمليات الإرهابية المدعومة من الدول لطالما كان غائباً: فالتحالف بين واشنطن وتل أبيب ومشاركة المعلومات الاستخباراتية عن إيران مستمران منذ زمن بعيد، لدرجة أن عمليات القتل الموجهة لا تمر فقط دون التشكيك فيها وطرح التساؤلات عنها، بل يقول الصحفي الإسرائيلي غيديون ليفاي إن مجرد طرح الأسئلة يُعتبر “خيانة”.

يتساءل ليفاي في صحيفة هآرتس: هل كان مشروعاً قتل ثابت أحمد ثابت، زعيم ميداني كبير بحركة فتح، في ديسمبر/كانون الأول 2000؟ “هل كان من المُباح قتل خليل الوزير (المعروف بأبوجهاد) في سريره أمام زوجته وأطفاله في تونس في 1988؟ هذه الأسئلة مضحكة للمهووسين بالأمن في إسرائيل. بالطبع كان هذا مسموحاً. لإسرائيل، كل شيءٍ مباح”.

لكن القواعد تختلف بالنسبة للفلسطينيين. انظر إلى الأحكام بالمؤبد على من خططوا لقتل وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي في 2001. يقول الصحفي الإسرائيلي: “صار قتلة أبوجهاد وزراء وأبطالاً في إسرائيل، لكن زئيفي أراق دماء الأبرياء أكثر بكثير من أبو جهاد في حياته كلها”.

والسؤال: لماذا تفلت إسرائيل دائماً بفعلتها؟ بعد مقتل فخري زادة، غردت أغنيس كالامارد، مقرر خاص بالأمم المتحدة ومديرة مركز حرية التعبير العالمية بجامعة كولومبيا، إن الاغتيال “خرقٌ لقوانين حقوق الإنسان الدولية التي تحظر الحرمان العشوائي من الحق في الحياة وخرق لميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر استعمال العنف خارج أراضي الدولة في وقت السلم”.

لكن العالم يستمر في اعتبار إيران تهديداً عالمياً. هذا برغم حقيقة أن المنظمة الدولية للطاقة الذرية، التابعة للأمم المتحدة، أكدت مراراً في 2018 أن إيران ملتزمة ببنود الاتفاقية النووية لعام 2015، وهذه الاتفاقية الآن تحتضر (وفقاً لضباط استخباراتيين أمريكيين وإسرائيليين أيضاً.

وصحيحٌ أن الوكالة أعلنت مؤخراً أن إيران لديها الآن 10 أضعاف كمية اليورانيوم المخصب المسموح بها بموجب الاتفاقية النووية، لكنها حركة انتقامية جاءت رداً على إعادة ترامب فرض العقوبات على طهران. وما زال لا يوجد دليل مؤكد من الوكالة على أن إيران تسعى نحو تسليح برنامجها النووي.

ببساطة، إيران لا تمتلك أي قنابل نووية، في حين يظن كثيرون أن إسرائيلي تمتلك 90 رأساً حربياً نووياً بلوتونياً، وأنها أنتجت من البلوتونيوم ما يكفي لمئة إلى مئتي سلاحٍ نووي آخر، وفقً لوكالة تحديد الأسلحة ونزع السلاح الأمريكية.

وقالت طهران من جانبها إنها سترد على عملية الاغتيال الإسرائيلية الأخيرة بـ”صبر إستراتيجي”، وهو منهج يُعطي الحكومة مساحة ووقتاً للتعامل مع الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، الذي يقول إنه سينضم مرة أخرى إلى الاتفاقية النووية. لكن الصبر يتوقف على الخطوات القادمة من جانب الرئيس الأمريكي غريب الأطوار ترامب، وتتزايد المخاوف من أن ترامب قد يصب غضبه على إيران قبل انتهاء مدته الرئاسية في 20 يناير/كانون الثاني.

وفي تحرك يعكس ارتفاع التوترات الإقليمية، يُقال إن طهران أجرت اتصالاً هاتفياً مباشراً مع ولي عهد أبوظبي، الأمر محمد بن زايد، يوم الأحد التالي على اغتيال فخري زاده، قالت فيها إن إيران ستُهاجم الإمارات في حال شن هجوم أمريكي على إيران.

إن الإيرانيين غاضبون، ولأسباب وجيهة. ففي عام الجائحة، يتعاملون ليس فقط مع العقوبات الأمريكية الخانقة ومع فشل الجهاز الأمني في حماية العلماء النوويين المرموقين، بل أيضاً مع رقابة هادئة مفروض عليهم من النخب واسعة النفوذ في سليكون فالي (إضافةً إلى أشكال أخرى أقل خفاءً من الرقابة التي تفرضها الحكومة الإيرانية عليهم).

وبالفعل، منذ اغتيال فخري زادة، أبلغ الكثير من الإيرانيين عن حذف منشوراتهم على إنستغرام عن مقتل فخري زادة (ولم يمكن بها أي محتوى عنيف)، بعد أن جمعت آلاف الإعجابات ومرات إعادة النشر. ولا مفاجأة هنا، لأن إنستغرام وشركتها الأم فيسبوك صرحتا لشبكة سي إن إن في بداية العام بأنهما ستحذفان المنشورات المتعاطفة مع القائد الإيراني المقتول قاسم سليماني، التزاماً بالعقوبات الأمريكية.

لكن هذا أيضاً يُشير إلى غياب حوارٍ عامٍ عن العلاقة القوية غير المتنازع عليها بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وكذلك إلى ازدواجية المعايير في تطبيق قيمة من أرفع القيم: حرية التعبير. ومن الواضح أن الحق في حرية التعبير مكفولٌ فقط لمن تتفق آراؤهم مع آراء الجالسين في السلطة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
عربي بست
المصدر
Responsible Statecraft

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى