الجفاف يضرب إيران.. لماذا تعاني 97% من مناطقها شُحّاً خطيراً بالمياه؟
تقدر هيئة الأرصاد الجوية الإيرانية أن حالة الجفاف التي تضرب البلاد، تمتد إلى ما يزيد على 97% من مساحة البلاد.
ميدل ايست نيوز: على مدار الأسبوعين الماضيين، تصاعدت الاحتجاجات على شح المياه في مدينة أصفهان بوسط إيران، ويبدو أن الحكومة تسامحت مع ذلك، لكن بعد أن امتدت الاحتجاجات إلى مناطق أخرى؛ حيث يقول خبراء الطقس إن 97% من البلاد تشكو ندرة المياه، قامت الحكومة الإيرانية يوم الجمعة 31 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بقمعها بشكل عنيف، الأمر الذي أدى لوقوع عشرات الإصابات والاعتقالات. فما الذي حصل؟ وما قصة أزمة شُحّ المياه في إيران، وكيف تنعكس على مستقبل البلاد؟
تواجه إيران قضايا ندرة المياه المتزايدة بسبب سنوات من سوء الإدارة. في حالة أصفهان التي كانت مركز الاحتجاجات الأخيرة وهي ليست الأولى خلال السنوات العشر الأخيرة، تم تحويل المياه عبر أنابيب تحت الأرض بعيداً عن الأراضي الزراعية باتجاه المجمعات الصناعية في محافظة يزد الصحراوية ولمياه الشرب إلى مدينة قم الدينية، كما يقول تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية التي تحدثت مع بعض السكان المحتجين.
ويقول تقرير إن الجفاف في البلاد ناجم عن عقود من سوء الإدارة والزراعة كثيفة الاستهلاك للمياه وتغير المناخ. فيما تواجه الحكومة الإيرانية صعوبة في إصلاح مثل هذه المشكلات أثناء خضوعها لعقوبات تحد من الوصول إلى التكنولوجيا الأجنبية والعملة الصعبة.
وتقدر هيئة الأرصاد الجوية الإيرانية أن حالة الجفاف التي تضرب البلاد، تمتد إلى ما يزيد على 97% من مساحة البلاد. وحذر وزير الطاقة السابق في البلاد في مايو/أيار من أن إيران تواجه صيفاً جافاً هو الأشد منذ 50 عاماً، وأن درجات الحرارة التي تقترب من 50 درجة مئوية ستؤدي إلى انقطاع الكهرباء ونقص المياه.
تقول هيئة الأرصاد إن البلاد أمام حالة “جفاف غير مسبوق”، بسبب استمرار تراجع نسب هطول الأمطار، وخلال العام 2021، كانت نسبة الأمطار أقل بكثير من المتوسطات طويلة الأجل.
وكانت كمية هطول الأمطار في أحواض الأنهار الرئيسية بإيران بين سبتمبر/أيلول 2020 ويوليو/تموز 2021، في معظم الأماكن، أقل بشكل كبير مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفقًا لبيانات موقع وزارة الطاقة الإيرانية على الإنترنت.
وبحسب موقع BBC البريطاني، جمع باحثون في الولايات المتحدة البيانات باستخدام صور الأقمار الصناعية تؤكد هذه المؤشرات، والتي أظهرت أن عام 2021 كان الأكثر جفافاً منذ نحو 40 عاماً، في حين كشفت الصور عن جفاف الأنهار والبحيرات المختلفة في البلاد.
تعتمد إيران بشكل كبير على إمدادات المياه المتناقصة مثل المياه الجوفية. وهي باتت تعاني من حالات جفاف متكررة وتواجه احتمالية ظروف أكثر قسوة ناجمة عن تغير المناخ.
وينعكس الطقس الأكثر حرارة وجفافاً بتأثير أكبر على توليد الطاقة الكهرومائية، الأمر الذي أدى بالفعل إلى اضطرابات شديدة في مناطق عدة من البلاد بسبب انقطاع التيار الكهربائي هذا الصيف في إيران.
حيث اندلعت احتجاجات ضد انقطاع التيار الكهربائي المتكرر في العاصمة طهران ومدن أخرى، وهو ما أدى إلى تعطيل الاتصالات وإغلاق إشارات المرور. كما ساهم الطلب المتزايد على تكييف الهواء لمواجهة الحرارة الخانقة في الضغط على شبكات الطاقة.
في الوقت نفسه، تم إلقاء اللوم أيضاً على المقدار الهائل من خوادم الطاقة الكهربائية المستخدمة في تعدين العملات المشفرة لاستنفاد إمدادات الطاقة في البلاد.
يقول المزارعون والسكان الذين احتشدوا على مجرى نهر زيانده رود في أصفهان بعد جفافه، إن قوات الأمن طالبت المزارعين في حملة القمع يوم الخميس 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بإصدار بيان يعلنون فيه انتهاء اعتصامهم على الرغم من عدم التوصل إلى حل وعدم اتخاذ الحكومة خطوات لمعالجة مخاوفهم.
يوم الجمعة، مع تجمع الناس للاحتجاج واتساع رقعة الغضب، وامتدت الاشتباكات من مجرى النهر الجاف إلى شوارع وسط مدينة أصفهان.
خلف الجفاف في إيران بيئة مليئة بالتحديات، إلا أن أسباب أزمة المياه في إيران أعمق كما يقول خبراء. ففي عام 2015، حذر خبير بيئي إيراني من احتمال حدوث نزوح جماعي للملايين إذا لم تجد إيران حلاً لأزمة المياه. كما دعت مؤخراً رئيسة دائرة البيئة الإيرانية معصومة ابتكار إلى “ثورة” في الزراعة لجعلها أكثر كفاءة.
في السياق، تعد المياه الجوفية الموجودة في طبقات تحت سطح الأرض مصدراً رئيسياً للمياه في إيران، لكنها تعاني من أحد أسوأ معدلات النضوب في العالم؛ حيث أدى الضغط من أجل الاعتماد الوطني على الذات في الغذاء إلى استخدام المزارعين لكميات أكبر من المياه الجوفية طوال العقود الماضية.
بالتالي، يمكن أن يؤدي ضخ المياه الجوفية بمعدل أسرع مما يتم تجديده إلى زيادة مستويات الملح في التربة، مما قد يؤثر بدوره على خصوبة التربة في المناطق المنتجة للغذاء كأصفهان وغيرها من المناطق التي خرج مزارعوها للاحتجاج.
وأظهرت دراسة نُشرت مؤخراً في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences الأمريكية للدراسات الأكاديمية، أن هناك “مخاطر ملوّحة عالية جداً” على مياه الري في العديد من المناطق؛ حيث يؤدي الحفر إلى أعماق أكبر بحثاً عن المياه الجوفية إلى خطر الهبوط- غرق المدن حرفياً. هناك أيضاً مخاوف بشأن جفاف مناطق الأراضي الرطبة والأنهار، مما قد يؤدي إلى حدوث عواصف ترابية خطيرة.