هل قلّصت الضربات الإسرائيلية في سوريا الخطر الإيراني على أمنها؟
مقابل استراتيجيات طهران لتطويق مصالح واشنطن وحلفائها في المنطقة، تبنت إسرائيل استراتيجية مضادة لمنع ترسيخ نفوذ إيران المباشر أو عبر الحلفاء.
ميدل ايست نيوز: خلال العقود الأخيرة، نجحت إيران في بناء شبكة من الحلفاء المخلصين لمشروعها والذين يخوضون حروبها بالوكالة في العراق ضد الولايات المتحدة والدول الحليفة لها، وفي لبنان وسوريا ضد إسرائيل، وفي اليمن ضد السعودية.
ورغم العقوبات الأمريكية والأممية والصراعات التي تخوضها على جبهات عدة، حققت إيران إنجازات متقدمة في التصنيع العسكري وتطوير قدراتها الصاروخية بعيدة المدى، والاعتماد على حلفاء لها ضمن مناطق نفوذها التقليدي في سوريا والعراق ولبنان واليمن.
وبذلك استطاعت طهران خلق واقع جديد يهدد الاستراتيجية الأمريكية المعتمدة منذ عقود بحماية أمن إسرائيل وضمان تفوقها العسكري على جميع دول المنطقة.
وتعتقد إيران أنها باتت على أعتاب قدرة متنامية على مواجهة إسرائيل وإلحاق الضرر بها بعد سنوات من تحدي العقوبات الأممية، وتجاوز تبعات عقوبات حملة “الضغط الأقصى” التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2018، والإنجازات التي حققتها القوات الحليفة لها بالعراق.
تلك القوات الحليفة شنت هجمات ناجحة بالصواريخ والطائرات المسيرة على قواعد عراقية تستضيف جنودا أمريكيين خلال العامين الأخيرين، ونقلت هذه التقنيات إلى حلفائها في سوريا ولبنان واليمن.
وفي مقابل الاستراتيجيات الإيرانية لتطويق وتهديد مصالح الولايات المتحدة والدول الحليفة والشريكة لها في المنطقة، تبنت إسرائيل استراتيجية مضادة على مدى العقد الأخير.
تلك الاستراتيجية تهدف إلى منع ترسيخ النفوذ الإيراني المسلح المباشر أو عبر الحلفاء في جغرافيات تعتقد إسرائيل أنها تشكل تهديدا لوجودها وأمنها القومي، في لبنان وسوريا تحديدا بعد أن تحولتا إلى منطقة نفوذ إيراني بعد الثورة السورية عام 2011.
ويعد “حزب الله” اللبناني أحد أهم مصادر التهديد الإيراني لأمن إسرائيل التي تعتقد أن قدراته التسليحية تطورت بدعم إيراني مفتوح، إضافة إلى اتساع مناطق نفوذه من لبنان عبر الحدود إلى اليمن والعراق، وإلى سوريا على الحدود الإسرائيلية في جنوب سوريا بمحافظتي درعا والقنيطرة.
وينطلق قادة “الحرس الثوري” الإيراني في مواجهة إسرائيل من رؤيتهم بعدم قدرة الأخيرة على خوض حرب تقليدية على جبهات متعددة على حدودها الشمالية مع جنوب لبنان وعلى الحدود السورية مع محافظتي درعا والقنيطرة.
ويتزامن القلق الإسرائيلي من التهديدات الإيرانية المحتملة مع فشل سبع جولات من مفاوضات فيينا بين إيران ومجموعة العمل المشتركة حول ملفها النووي وبرنامجها الصاروخي، وتنفيذ إيران مناورات بحرية وجوية تحاكي الحرب مع إسرائيل.
كما يتزامن ذلك مع تصريحات مسؤولين إيرانيين بزيادة وتيرة تخصيب اليورانيوم بسقف أعلى من السقف الذي حددته وكالة الطاقة الذرية، وتوقعات لمسؤولين إسرائيليين باقتراب إيران من إنتاج قنبلتها النووية في غضون أشهر أو عامين وفق أعلى التقديرات.
وتشير تقارير إعلامية نقلا عن مسؤولين إسرائيليين إلى أن الجيش يواصل استعداداته لتسريع شن ضربات على المنشآت النووية الإيرانية ومواقع تخزين وتطوير الصواريخ البالستية في العمق الإيراني، بعد سنوات من استهداف مواقع تابعة للحرس الثوري والميليشيات الحليفة له على الأراضي السورية، وضرب مستودعات تخزين الأسلحة والذخيرة ومواقع تطويرها.
وتحاول إسرائيل من خلال مئات الضربات التي وجهتها لقواعد ومعسكرات في سوريا، منع إيران من توريد أسلحة متطورة بالقرب من حدودها من شأنها “تغيير قواعد اللعبة” وفق تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس.
تصريحات غانتس جاءت بعد ساعات من تداول وسائل إعلام سورية وعالمية أنباء عن تعرض ميناء اللاذقية على الساحل السوري لهجوم صاروخي أسفر عن حرائق في حاويات الشحن استمرت لساعات، قالت مصادر المعارضة السورية إن الهجوم الذي نفذته طائرات إسرائيلية عبر أجواء البحر المتوسط استهدف حاويات شحن أسلحة وذخيرة إيرانية كانت وصلت من طهران قبل ساعات من الهجوم.
لم تعترف إسرائيل بمسؤوليتها عن هذا الهجوم أو مئات الهجمات الأخرى، لكن وزير الدفاع الإسرائيلي دعا النظام السوري إلى منع إيران من العمل على الأراضي السورية، وحذر من أن الجيش الإسرائيلي سيواصل العمل لإحباط الأنشطة الإيرانية ومنع تهديدات إيران والقوات الحليفة لها، في إشارة إلى أن بلاده هي المسؤولة عن هذا الهجوم.
واتهم مسؤولون سوريون إسرائيل بتنفيذ الهجوم بصواريخ أطلقت من غرب اللاذقية وأشعلت النيران في جزء كبير من ساحة تفريغ البضائع في ميناء اللاذقية.
ويعد هذا الهجوم الصاروخي هو الثاني من نوعه خلال شهر بعد هجوم 7 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قال عنه المرصد السوري لحقوق الإنسان، إنه أصاب شحنات أسلحة إيرانية كانت ستتجه من ميناء اللاذقية إلى قوات مدعومة من إيران في سوريا.
وتعتقد إسرائيل أن المزيد من الهجمات على مواقع على صلة بنشاطات إيران في سوريا، يمكن لها أن تنجح في تعطيل شحنات الأسلحة والذخيرة ومنع تطوير الأسلحة في مواقع على الأراضي السورية.
وفي تقييم لأداء الجيش الإسرائيلي خلال عام 2021، أكد الجيش أنه قام بتوجيه ضربات لعشرات الأهداف في سوريا، وثلاثة أهداف في لبنان، وأكثر من مئة عملية للبحرية الإسرائيلية في البحرين المتوسط والأحمر.
وفي إطار استعداداتها لضرب أهداف في العمق الإيراني، نشرت صحف أمريكية أنباء عن طلب إسرائيل تسريع إدارة جو بايدن تسليم طائرتي تزود بالوقود كانت إسرائيل قد وقعت عقدا لشرائها، وهي عامل حاسم يلبي حاجة إسرائيل في حال قررت توجيه ضربات جوية لمنشآت نووية إيرانية في ظل تقارير عن رفض الإمارات والسعودية السماح للطائرات الإسرائيلية بالهبوط في قواعدهما للتزود بالوقود.
ويعتقد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أن جهود بلاده في استهداف المواقع الإيرانية أو مواقع القوات الحليفة لها في سوريا، ساهمت إلى حد بعيد في خفض مستوى عمليات نقل الأسلحة والذخيرة والمعدات القتالية من إيران إلى سوريا ولبنان، حيث شنت إسرائيل عشرات الضربات الجوية خلال عام 2021 بزيادة عن عدد الضربات في العام الذي سبقه ونحو ضعف عدد الضربات عام 2019.
وتتخوف إسرائيل من أن ضربة محدودة للمفاعلات النووية الإيرانية قد تؤدي إلى تعطيل البرنامج مؤقتا، لكنها لن تؤدي إلى إنهاء تهديداته لإسرائيل مع مخاوف أخرى من رد مباشر بالصواريخ البالستية انطلاقا من الأراضي الإيرانية ومن قوات حليفة مثل حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في غزة و”حزب الله” في لبنان وسوريا و”الحشد الشعبي” العراقي وعشرات المجموعات الشيعية المسلحة في العراق وسوريا.
وكذلك تتخوف من استهداف مصالح الولايات المتحدة والدول الحليفة لها في المنطقة بما فيها تهديد أمن وسلامة حركة مرور الشحن الدولي عبر مضيق باب المندب من قبل جماعة الحوثي في اليمن أو مضيق هرمز من قبل بحرية الحرس الثوري الإيراني.