احتدام الجدل في إيران بشأن المحادثات المباشرة مع الولايات المتحدة
كان وزير الخارجية الإيراني قد أعلن الاثنين الماضي أن طهران لا تستبعد تواصلاً مباشراً مع واشنطن خلال المباحثات النووية في فيينا، بحال كان ذلك ضرورياً.
ميدل ايست نيوز: أبدى وزير خارجية إيران، حسين أمير عبد اللهيان، “ليونة دبلوماسية” بشأن التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة الأميركية، ليفجر بذلك مفاجأة غير مسبوقة، أثارت ضجة كبيرة في المعسكر المتشدد الذي ينتمي إليه، فتعرض لانتقادات حادة من قبل رفاقه الأصوليين الذي دعوا البرلمان إلى مواجهته بشكل “ثوري”.
وكان وزير الخارجية الإيراني قد أعلن الاثنين الماضي أن طهران لا تستبعد تواصلاً مباشراً مع واشنطن خلال المباحثات النووية في فيينا، بحال كان ذلك ضرورياً لإبرام تفاهم “جيد” بشأن إحياء الاتفاق النووي.
ونفى عبداللهيان التقارير التي تفيد بأن إيران والولايات المتحدة تتفاوضان مباشرةً، لكنه أضاف: “حالياً إيران لا تتحدث مباشرة إلى الولايات المتحدة. لكن إذا بلغنا خلال المفاوضات نقطة يحتاج فيها إبرام اتفاق جيد مع ضمانات قوية، إلى مستوى معين من المباحثات مع الولايات المتحدة، لن نتجاهل ذلك في جدول عملنا”.
تعليقاً على هذه التصريحات، أصدرت مجموعة من رجال الدين في الحوزة الدينية في مدينة قم بياناً يوم الأربعاء 26 يناير قالت فيه إنه يتعين على عبداللهيان أن يصحح “هذه الأقوال غير الملائمة واللاعقلانية.. حتى لا تتكرر نفس السذاجة والخطأ، اللذين وقعت فيهما حكومة (الرئيس الإيراني السابق حسن) روحاني و(وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد) ظريف”.
وقال رجال الدين إنهم فوجئوا بأن أعضاء البرلمان “لم يتخذوا موقفاً ضد تصريحات وزير الخارجية غير اللائقة”، وأضافوا: “من الضروري أن يتدخل البرلمان الثوري في هذا الشأن”.
من جهته، غرّد سكرتير مجلس الأمن القومي الأعلى الإيراني علي شمخاني قائلاً: “حتى الآن، يتم الاتصال بالوفد الأميركي في فيينا من خلال التراسل غير الرسمي، ولم تكن هناك حاجة للمزيد. لا يمكن استبدال طريقة الاتصال هذه بطرق أخرى إلا عند توفر اتفاق جيد”.
في المقابل، رحبت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بإمكانية إجراء محادثات مباشرة بين البلدين، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين الثلاثاء: “نحن مستعدون لحوار مباشر، لقد أصررنا دائماً على أن التفاوض المباشر مع إيران بشأن الاتفاق النووي وقضايا أخرى، سيكون بناء للغاية”.
بدورهم، رحّب بعض الأصوليين في إيران بالمحادثات مع الولايات المتحدة، حيث كتب عبد الله غنجي، رئيس تحرير صحيفة “همشهري” في تغريدة على “تويتر”: “المحادثات المباشرة مجرد احتمال”، معتبراً أنه عندما كانت هكذا محادثات ضرورية، “أي عندما لم يكن يتم التفاوض فقط من أجل التفاوض”، فقد “اهتم النظام الإيراني بهاً”.
ويبدو أن هناك خلافات بين الأصوليين في إيران بشأن المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة، حيث انتقد حسين شريعتمداري، المدير الإداري لصحيفة “كيهان” بشدة حكومة إبراهيم رئيسي.
وكتب يقول: “السؤال المطروح على أمير عبداللهيان وعلي شمخاني هو: لماذا ووفقاً لأي تحليل منطقي تتحدثان عن احتمال التفاوض مع الولايات المتحدة؟”، ودعاهما إلى “تصحيح تصريحاتهما غير المدروسة في أسرع وقت ممكن”، حسب وصفه.
وفي رد على هذا المقال، نفى أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني اليوم تأييده فكرة المفاوضات المباشرة بين إيران والولايات المتحدة.
وقالت صحيفة كيهان في تقرير لها يوم الخميس إنه بعد أن وجهت انتقادات لشمخاني ولوزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان بسبب إثارة موضوع المفاوضات المباشرة مع واشنطن، اتصل بها شمخاني ليؤكد أن التغريدة التي نشرهها عبر “تويتر” مؤخرا، “لم تعني الموافقة على المفاوضات المباشرة”.
وأضاف شمخاني، حسب “كيهان”، أن إيران تجري محادثات فيينا بـ”اقتدار”، وأن مطالبها “قانونية ومنطقية وشفافة، وأنه “إذا كانت هناك حاجة للتبادل مع الفريق الأمريكي، فسيكون هذا التبادل من خلال المذكرات غير الرسمية”.
من جانب آخر، أكد إبراهيم عزيزي نائب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، أن فريق التفاوض الإيراني في فيينا مخول بالتفاوض مع الوفد الأمريكي إن اقتضى الأمر.
وقال عزيزي إن وزير الخارجية أكد للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية أن أي حوار مباشر لم ينعقد مع الطرف الأمريكي.
واضاف: “إيران مستمرة بالتفاوض بناء على المبادئ الثلاثة – العزة والحكمة والمصلحة، ومع التأكيد على رفع العقوبات والحصول على ضمانات والتحقق من رفع العقوبات.. وإن اقتضى الأمر أن يتم التفاوض مع الطرف الأمريكي مباشرة، فإن فريق التفاوض الإيراني لديه الصلاحيات اللازمة لذلك”.
وفي الوقت الذي يرفض المتشددون التفاوض مع الولايات المتحدة فقد أظهر المرشد الأعلى الإيراني في 9 يناير الحالي موقفاً أكثر ليونة إلى حد ما في هذا الصدد، فقال إنه في مرحلة ما يمكن التفاوض والتعامل مع “العدو”، لكن هذا “لا يعني الاستسلام له”.
وهذه التصريحات للمرشد يبدو بأنها شكلت الضوء الأخضر لتصريحات عبد اللهيان وشمخاني بخصوص احتمال التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة الأميركية.
يذكر أن العلاقات الدبلوماسية بين طهران وواشنطن انقطعت في 1980 منذ احتلال السفارة الأميركية في طهران بواسطة مجموعة طلابية أطلقت على نفسها اسم “الطلاب السائرون على نهج الإمام خميني”.
ورفضت إيران خلال العقود الماضية التفاوض العلني المباشر مع الولايات المتحدة حول مختلف القضايا بما في ذلك المباحثات لإحياء الاتفاق النووي. وتجري المحادثات بين ممثلي البلدين في فيينا بشكل غير مباشر من خلال ممثلي روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأوروبا.