زيارة وزير الدفاع الصيني إلى إيران: الأهمية ودلالات التوقيت
تُمثِّل زيارة وزير الدفاع الصيني إلى إيران نقطة تحول مهمة في مسار العلاقات الصينية-الإيرانية، بشكل عام، والعلاقات العسكرية بشكل خاص.
ميدل ايست نيوز: في توقيتٍ شديد الحساسية بالنسبة لملفات إقليمية ودولية عدة، في مقدمتها الحرب الروسية-الأوكرانية، والملف النووي الإيراني، الذي لا يزال يشهد مراوحة بسبب رهْن العودة إلى الاتفاق النووي بالحاجة إلى قرار سياسي بشأن عدد من المطالب الإيرانية، وعلى رأسها رفع الحرس الثوري الإيراني من القائمة الأمريكية للتنظيمات الإرهابية، قام وزير الدفاع الصيني، وي فنغ خه، بزيارة مهمة لإيران، بدأت الأربعاء 27 أبريل الجاري (2022)، التقى خلالها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وكلاً مِن وزير الدفاع محمد رضا آشتياني، وقائد هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة اللواء محمد باقري.
وحسب تقرير لمركز الإمارات للسياسات، لا توجد معلومات تفصيلية حول أجندة الزيارة والقضايا التي نوقِشَت، ما يفتح الباب أمام تساؤلات عدة حول توقيت الزيارة، وما الأهداف الصينية، والإيرانية، التي يمكن أن تقف ورائها، وفي أي سياق يمكن أن نضع هذه الزيارة؟
مغزى التوقيت ودلالاته
توقيت الزيارة يمنحها أهمية كبيرة. فمن ناحية، تجري الزيارة في توقيت شديد الحساسية بالنسبة للملف النووي الإيراني، ومستقبل استئناف العمل بالاتفاق النووي الموقع في عام 2015، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في مايو 2018. وعلى الرغم من انتهاء المفاوضات الأخيرة في فيينا إلى حسم معظم القضايا الفنية، لكن ما زالت هناك قضايا معلقة تحتاج إلى قرارات سياسية أمريكية، على رأسها مطلب إيران رفع الحرس الثوري من القائمة الأمريكية للتنظيمات الإرهابية. ولم تستطع الإدارة الأمريكية حسم هذه النقطة إلى الآن.
في المقابل، اتسعت الهوة بين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن أبعاد الملف الإيراني، بدءاً من مسألة العودة إلى اتفاق 2015، وانتهاء بمسألة رفع الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية، ومروراً بقضية رفع العقوبات عن إيران. الإدارة الأمريكية تحاول الترويج لفكرة العودة للاتفاق من خلال التحذير من قرب إيران من تطوير السلاح النووي، وهو ما عكسته تصريحات وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، الثلاثاء الماضي (26 أبريل)، الذي أكد فيها أن طهران سرَّعت وتيرة برنامجها النووي، وأن واشنطن ما زالت تعتقد أن العودة لإحياء الاتفاق النووي هو أفضل سبيل لمواجهة التحدي النووي الإيراني، وأن التوصل لاتفاق مع طهران لن يؤثر على قدرة الولايات المتحدة على التصدي لما وصفه بالأنشطة “الخبيثة الأخرى لإيران”. وسارت في الاتجاه ذاته، تصريحات أخرى للمتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، في اليوم نفسه، أكدت فيها أن البيت الأبيض يشعر بالقلق من إمكانية تطوير إيران سلاح نووي خلال أسابيع.
هذه التصريحات تعكس بشكل واضح سعى إدارة بايدن الديمقراطية إلى الدفاع عن الاتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، من خلال التهديد بقرب إيران من امتلاك سلاح نووي ما لم يتم العودة للاتفاق، وأن مثل هذا الاتفاق لن يقضي على قدرة الولايات المتحدة على التعامل مع السياسات الإيرانية الأخرى في المنطقة. لكن هذا المنحى لا يزال غير كافٍ للتعامل مع الاتجاه الأمريكي الرافض للعودة للاتفاق، والذي يواصل الدفاع عن موقفه هذا بحجج عديدة، مدعوماً بالموقف الإسرائيلي.
في ظل حالة الانقسام الأمريكي هذه، وعدم قدرة الإدارة الأمريكية عن اتخاذ قرار سياسي بشأن الاتفاق النووي مع إيران، فإن زيارة وزير الدفاع الصيني لإيران في هذا التوقيت سيكون لها انعكاساتها على الملف النووي الإيراني من أكثر من زاوية.
فمن ناحية، لا شك أن هذه الزيارة النوعية ستضع المفاوض الإيراني في موقف قوة في مواجهة الإدارة الأمريكية. ومن ناحية أخرى، ستمثل هذه الزيارة عامل ضغط إضافي على الإدارة الأمريكية، إذا افترضنا أن أحد الأهداف الأمريكية من إنهاء مشكلة الاتفاق النووي مع إيران -وما قد يستتبع ذلك من بدء عملية تطبيع بين البلدين- هو إبعاد إيران عن الصين، وهي القضية التي أثارت قلق دوائر أمريكية عدة، خاصة بعد توقيع اتفاق “التعاون الشامل” لمدة 25 عاماً في مارس 2021، والذي يُعطي الصين -حسب التسريبات التي تزامنت مع الإعلان عن الاتفاق- امتيازات اقتصادية وعسكرية ولوجستية كبيرة داخل إيران.
وتُدرك إيران أهمية الورقة الصينية في إدارة خلافاتها مع الولايات المتحدة، وهو ما عكسه البيانان الصادران عن الرئاسة الإيرانية ووزارة الدفاع الإيرانية؛ فقد أكد بيان الرئاسة أن “مواجهة الأحادية وتوفير الاستقرار ليس ممكناً إلا من خلال التعاون بين القوى المستقلة التي تتشارك الأفكار نفسها”، وأن “التطورات الإقليمية والدولية تُظهر، أكثر من أي وقت مضى، قيمة التعاون الاستراتيجي بين إيران والصين”.
كما أكد بيان وزارة الدفاع على ضرورة “مواجهة الهيمنة الأميركية في العالم من خلال تعزيز تعددية الأقطاب”. هذه التصريحات الإيرانية تنطوي على رسالة إيرانية واضحة للإدارة الأمريكية بأنه لا يجب فهم زيارة وزير الدفاع الصيني في سياق العلاقات الصينية-الإيرانية فقط، بقدر ما يجب وضعها أيضا في سياق العلاقات الإيرانية-الأمريكية، والعلاقات الأمريكية-الصينية.
وقد عكست تصريحات وزير الدفاع الصيني خلال الزيارة استعداد الصين لوضع الزيارة في هذا السياق، وهو ما يُفهَم من قوله “إن الصين تساند إيران بقوة في حماية سيادة دولتها وكرامتها الوطنية، وهي على استعداد للتكاتف والتعاون مع إيران للتغلب على مختلف المخاطر والتحديات، وحماية المصالح المشتركة لكلا الجانبين، والحفاظ بشكل مشترك على السلام العالمي والاستقرار في المنطقة وحول العالم”. مؤكداً أن “الجيش الصيني مستعد للحفاظ على التواصل الاستراتيجي مع إيران، والاستخدام الفعال لآليات التعاون، وتعزيز التعاون العملي للارتقاء بالعلاقة بين القوات المسلحة للبلدين إلى مستوى أعلى”.
ولا تقتصر دلالة توقيت الزيارة على الجانب الإيراني، لكنها تمتد بالتأكيد إلى الصين. فالزيارة تمثل رسالة واضحة للولايات المتحدة أن الصين ماضية قُدماً في بناء شراكتها النوعية مع إيران، وعدد من الدول الأخرى ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة للصين، بما في ذلك العلاقات العسكرية والدفاعية، بصرف النظر عن المواقف الأمريكية.
المصالح العسكرية المشتركة
لا يمكن فهم أبعاد هذه الزيارة المهمة بمعزل عن اتفاق التعاون الشامل الموقع في مارس 2021. فقد تضمَّن الاتفاق -بالإضافة إلى الجوانب الاقتصادية، وحسب التسريبات التي تزامنت مع الإعلان عنه- أبعاداً عسكرية عديدة، شملت التنمية المشتركة للصناعات العسكرية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والتدريبات العسكرية. ووفقاً لبعض التقارير فإن الاتفاق يتضمن السماح بوجود خمسة آلاف عنصر أمني صيني لحماية المنشآت والمشروعات الصينية داخل إيران، وإن كانت بعض المصادر الصينية قد نفت ذلك.
وبجانب هذه المجالات، هناك مراهنة صينية على زيادة حجم مبيعاتها من السلاح إلى إيران، في حالة رفع العقوبات المفروضة على الأخيرة. فرغم أن روسيا جاءت في الترتيب الأول لمصادر التسليح الإيرانية خلال العقدين الأخيرين (2000-2020)، لكن الصين جاءت في الترتيب الثاني مباشرة، وقبل كل من أوكرانيا وكوريا الشمالية وبيلاروس، حيث بلغت قيمة واردات السلاح من هذه الدول الخمس خلال هذه الفترة: 2080، و781، و262، و257، و53 مليون دولار على الترتيب، بإجمالي 3433 مليون دولار. ورغم أن واردات السلاح الإيرانية ما زالت محدودة بالمقارنة بمعظم دول الشرق الأوسط، لكنها تمثل سوقاً واعدة. وقد نجحت الصين، بالتعاون مع روسيا، في إفشال تمرير مشروع القرار الأمريكي داخل مجلس الأمن في أغسطس 2020 بتجديد حظر تجارة السلاح المفروض على إيران، حيث أصبح وقف الحظر سارياً منذ منتصف أكتوبر 2020.
ومن المتوقع حدوث منافسة بين الصين وروسيا على سوق السلاح الإيرانية، خاصة في ظل سعي إيران المسبق الحصول على طائرات Su-30، وYak-130، والدبابة T-90، ونظام الدفاع الجوي S-400 الروسية، لكنها لم تستطع تنفيذ هذه الصفقات بسبب العقوبات. كما تزداد فرص تعظيم نصيب الصين من سوق السلاح الإيرانية في ظل تداعيات العقوبات الغربية الراهنة على روسيا.
استنتاجات
تُمثِّل زيارة وزير الدفاع الصيني إلى إيران نقطة تحول مهمة في مسار العلاقات الصينية-الإيرانية، بشكل عام، والعلاقات العسكرية بشكل خاص، ووضع المكون العسكري في الاتفاق الموقع بين البلدين في مارس 2021 على طريق التنفيذ الفعلي. ولا يمكن اختزال تأثيرات هذه الزيارة على مستوى العلاقات الثنائية فقط، إذ ستمتد ارتداداتها على مسار العلاقات الإيرانية-الأمريكية، بشكل عام، وعلى مستقبل الاتفاق النووي مع إيران بشكل خاص، والذي يمرّ حالياً بمفترق طرق.
كما لا يمكن استبعاد ارتداداتها على مسار العلاقات الصينية-الأمريكية، بما تؤكده من استعداد صيني للذهاب إلى مديات أكثر وضوحاً في بناء علاقات عسكرية مع دول غير صديقة للولايات المتحدة، في أقاليم ظلت مجالاً للنفوذ الأمريكي لعقود طويلة. وتجدر الإشارة هنا أن هذه الزيارة مثلت المحطة التالية لوزير الدفاع بعد زيارته لكازخستان التي حذَّر فيها من تدخل “قوى كبرى معينة في آسيا الوسطى لتعطيل، وتقويض الأمن الإقليمي”.
قد يعجبك: