القطاع الخاص الإيراني يحذر من “جفاف شجرة التجارة المثمرة”
الانفتاح في مجال التجارة يظهر في المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والتحسن النسبي لرفاهية الناس بمعدل أسرع من القطاعات الأخرى.

ميدل ايست نيوز: التجارة هي الركيزة الأسرع نمواً وتقدماً في الاقتصاد، وفي حال تم توفير البيئة الخصبة لها، فسوف تؤتي هذه الشجرة أكلها عاجلاً وتكون في متناول أيدي الناس. ولهذا السبب فإن الانفتاح في مجال التجارة يظهر في المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والتحسن النسبي لرفاهية الناس بمعدل أسرع من القطاعات الأخرى.
ولدينا في تجربتنا السابقة في إحياء المفاوضات النووية خير مثال، فمع رفع العقوبات الغربية وتسهيل التبادل التجاري، أصبح معدل النمو الاقتصادي في إيران مزدوج الرقم وسجل ارتفاعاً تاريخياً مقارنة بالسنوات التي سبقته، وانخفض التضخم بشكل كبير وظل في خانة الآحاد لمدة عامين على الأقل، وتحسنت أوضاع الناس وازدهرت الشركات الإيرانية ورافقها استثمار أجنبي لا مثيل له.
حدث كل هذا دون أي إصلاحات تذكر في قطاعات مهمة أخرى من الاقتصاد. وينسب هذا التقدم للتجارة الحرة النشطة آنذاك. لهذا، فمن الواضح أن التغييرات السريعة والمفاجئة التي طرأت تلك الفترة على الاقتصاد لم تستمر بسبب عدم دعم القطاعات الأخرى.
على سبيل المثال، يجب أن يتم التحكم في التضخم من خلال السياسات النقدية، وليس من خلال ربط العملة بصادرات النفط. من ناحية أخرى، فقد أظهرت التجارب أن فرض قيود على التجارة يؤثر سلباً على الاقتصاد ومعيشة الناس.
وفي عام 2018 تسبب انسحاب ترامب من الاتفاق النووي بعودة العقوبات الشديدة، التي رافقها انخفاض في النمو الاقتصادي، وارتفاع سريع في التضخم، وانخفاض دخل الفرد وضرر فادح في رفاهية الإيرانيين.
الاستنتاج الواضح هو أن إحدى الخطوات الأولى التي يمكن أن تتخذها الحكومة لإحداث تغيير ملموس في الظروف الاقتصادية ومعيشة الناس هي تسهيل التبادل التجاري عن طريق إزالة العقوبات وخوض حوار على طاولة المفاوضات.
من المؤسف أننا وصلنا العام الماضي وحتى في النصف الأول من هذا العام إلى أقصى حدود إحياء هذا الاتفاق. لكن في النهاية، انسحبت أطراف الحوار من المفاوضات وعلقت التفاوض.
ومؤخراً، ازدادت الخلافات بين أطراف الحوار بشكل كبير بسبب قضايا أخرى، مثل مزاعم مشاركة طائرات إيرانية بدون طيار في حرب روسيا مع أوكرانيا والتعامل بعنف مع المتظاهرين في الداخل الإيراني.
في غضون ذلك، كان تركيز القطاع الخاص على ضرورة إحياء المفاوضات في أقرب وقت ممكن هو نفسه دائمًا في أي وقت. في حين أدت هذه الإطالة إلى إلحاق أضرار جسيمة بالقطاع الاقتصادي الإيراني (خسارة عدة مئات من المليارات من الدولارات بسبب عدم بيع النفط) وخلق بيئة لنزاعات وأزمات جديدة وهذا بالفعل ما نشهده اليوم.
سقف التجارة في البلاد يوشك على الانهيار بسبب التداعيات السلبية التي خلفتها العقوبات، ومقيدة أيضاً بشروط صعبة مع دول الجوار والبلدان في المنطقة بتكلفة تبادل عالية تجبرنا على البيع بثمن بخس وشراء باهظ الثمن، وحتى لو تحسنت قليلاً مع بعض الاتفاقيات الإقليمية واتفاقيات التعاون، لا يمكن أن تؤدي إلى نمو مستدام.
بالإضافة إلى ذلك، فإن منطقة الشرق الأوسط وجيراننا، (على الأقل الجيران الذين يعتبرون شركاء أعمالنا)، غير مستقرين سياسيًا واقتصاديًا ويواجهون تقلبات مستمرة، مما يحرمنا من إمكانية الاستثمار طويل الأجل في التعاون المشترك.
فيما أدى الحظر الغربي إلى زيادة المخاطر التجارية بشكل كبير بالنسبة للجهات الفاعلة الاقتصادية المحلية والشركاء الأجانب، كما أن الاضطرابات والاحتجاجات الشعبية، بالإضافة إلى تكثيف جو عدم اليقين، قد طغى بطريقة ما على مصداقية مصدّرينا ومستورديننا في الأسواق العالمية.
وكما أن الانخفاض الملحوظ في وزن صادرات وواردات الدولة في العام الحالي مقارنة بنفس إحصائيات العام الماضي يشير إلى أن مؤشر التجارة بلغ فقط 10٪، حيث تكون حصة الواردات أكبر بكثير من الصادرات.
والأهم من ذلك كله، ارتفاع أسعار السلع في الأسواق العالمية بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا وتراجع فادح في سوق الطاقة. حيث يعتمد النمو الاقتصادي المستدام، كما هو متعارف، على تنمية التجارة من خلال تنويع الشركاء التجاريين وتصدير البضائع.
حقيقة الأمر، أنه بصرف النظر عن مادة الصلب، فإن أول 10 عناصر من سلعنا التصديرية هي منتجات بترولية بحصة 42٪ من إجمالي الصادرات، ويرجع ذلك إلى قيود خارجية ومحلية خطيرة جعلت صافي الاستثمار سلبيًا وليس فقط الدافع ولكن أيضًا القدرة على زيادة الإنتاج.
ويعتمد تحسين آفاق التجارة الخارجية للبلاد على إزالة العقوبات الأجنبية والاستقرار السياسي وإصلاح هيكل الاقتصاد المحلي، وإلا فإن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى جفاف شجرة التجارة المثمرة.
وفي الختام، دعونا لا ننسى أن التجارة هي أقصر طريق مختصرة على طريق التنمية والاستدامة وتحقيق حياة مترفة ومميزة بين دول العالم.
مسعود خونساري
رئيس غرفة تجارة طهران