مؤشرات إقليمية تحمل تحذيرات اقتصادية خطيرة لإيران
أظهرت القضايا السياسية آثارها الملموسة في قفزات صرف العملة الأجنية وتأثيرها السلبي على الصادرات والواردات والنظام المصرفي في البلاد.
ميدل ايست نيوز: واجه الاقتصاد الإيراني العديد من التحديات والصعوبات بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية. وتنامت التحديات إلى حد كبير في الضغوط السياسية والتي آلت فيما بعد إلى فرض عقوبات اقتصادية. وعليه، أدرك الساسة في البلاد في السنوات الأولى للثورة بأن للقضايا السياسية وزن حاسم للغاية في الإشارة إلى المتغيرات المهمة للاقتصاد الإيراني.
وبحسب موقع فرارو، القضايا هذه، أظهرت أثارها الملموسة في قفزات صرف العملة الأجنية وتأثيرها السلبي على الصادرات والواردات والنظام المصرفي في البلاد. وفي مطلع عام 2011، ومع فرض عقوبات على البنك المركزي الإيراني، دخلت البنية الواسعة والشاملة للعقوبات حيز التنفيذ، وبلغت ذروتها خلال رئاسة ترامب وازدادت الضغوط الاقتصادية والسياسية الأمريكية على البلاد.
وفي أعقاب التطورات المتعلقة باندلاع الحرب في أوكرانيا والادعاءات المختلفة حول تورط إيران في هذه الحرب ونشوب احتجاجات في البلاد، شهدنا أن طبيعة وشدة العقوبات الغربية ضد إيران أصبحت أكثر خطورة واتساعًا. فيما حدثت تطورات جديدة أيضاً لا بد من الالتفات إليها.
وأظهر تطوران إقليميان ودوليان رئيسيان مؤخرًا إشارات يمكن أن تحمل رسائل تحذيرية للاقتصاد الإيراني في المستقبل وتزيد فعليًا من مستوى الضغوط الاقتصادية بشكل كبير. قضية يعتبر التخطيط لها مسألة مهمة وأساسية للبلاد وآليات الحكم.
طهران تفقد زبائن الطاقة والتنين الصيني يتحكم بمستقبل النفط الإيراني
استهداف المنفس الاقتصادي الإيراني في المنطقة
في الآونة الأخيرة، أعلن كبار المسؤولين في إدارة بايدن، الذين أقاموا غرفة عمليات مركزية ضد إيران في وزارة الخزانة الأمريكية، عن رغبة واشنطن في التعامل مع أنشطة إيران وعلاقاتها الاقتصادية على المستوى الإقليمي وتحديداً في العراق.
وذكرت صحيفة لوفيغارو (Le Figaro) الفرنسية، أن المعلومات التي نُشِرَت مؤخرا حول عزم الولايات المتحدة لفرض عقوبات حاسمة على بنوك عراقية تهدف بالأساس للتضييق على إيران، معتبرة أن المعلومات مرت دون أن يلاحظها كثيرون.
وأضافت أن هناك معلومات صحفية عراقية تحديدا، بيّنت أن عقوبات أميركية صارمة وشيكة ضد أكثر من 15 مصرفا عراقيا خاصا تتبع في أغلبها لمؤسسات تابعة لأحزاب سياسية تدعمها شخصيات معروفة، مشيرة إلى أن هذه البنوك تُهرب أكثر من 100 مليون دولار أسبوعيا إلى 4 دول مجاورة، أبرزها إيران إلى جانب كل من سوريا والأردن وتركيا.
وذكر الصحيفة الفرنسية أن الولايات المتحدة، التي كانت تهدد منذ سنوات بفرض مثل هذه العقوبات، عازمة على قطع منبع التدفقات التي سمحت للحرس الثوري الإيراني (المدرج على قائمة المنظمات الإرهابية من قبل واشنطن)، بتمويل نفسه من الجار العراقي “حيث تتمتع طهران بنفوذ واسع”.
وفي هذا السياق، شهدنا في الأيام القليلة الماضية أن المسؤولين الغربيين وخاصة الأمريكيين أكدوا أنهم سيبذلون قصارى جهدهم لتقليل اعتماد العراق على صادرات إيران من الغاز والكهرباء.
وكان إقليم كرستان العراق وهو من المناطق الأخرى المهمة وذات الدور الحيوي في المنطقة، والذي تربطه علاقات اقتصادية بإيران، هدفًا لوكالات المخابرات الأمريكية، حيث حاولوا اعتراض وتدمير وحدات إيران الاقتصادية فيه والحد من وجودها في هذه المنطقة.
وفي البال، تسببت علاقات إيران المتوترة والمتقلبة مع جمهورية أذربيجان وأفغانستان وتركمانستان (قضية تصدير الغاز) والسعودية وحتى باكستان في مواجهة البلاد العديد من التحديات والضغوط غير المعهودة، على الأقل في البعد الإقليمي وفي البيئة المحيطة بإيران، وتبين أن هذه التحديات يمكن أن تلحق أضرارًا جسيمة بالاقتصاد الإيراني في عملية تدريجية وتسلب منه الكثير من الفرص.
النشاط الغامض والهش للصين وروسيا
لا يخفى على أحد أن الصين وروسيا كانتا من أهم الشركاء الاقتصاديين والمتعاونين مع إيران في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، فقد اتخذ كلا البلدين المذكورين مؤخرًا مسيراً خاصاً من النشاط فيما يتعلق بإيران.
ومن ناحية أخرى، خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى السعودية وتبني بعض المواقف ضد إيران. وجنبا إلى جنب مع الدول العربية في المنطقة، نقل الرئيس الصيني رسالة إلى طهران مفادها أنه في ظل البيئة التي تعيشها إيران من عقوبات اقتصادية وعقبات تعلو طابعها على الساحة الدولية، فإنه لن ينتظر إلى الأبد تطور العلاقات مع هذا البلد، أي إيران، وسيبحث عن شركاء جدد مثل السعوديين وغيرهم.
ولم يقف الحال هنا، فقد أظهرت روسيا، خاصة منذ بداية الحرب الأوكرانية، تنسيقًا وتعاوناً قياسياً مع السعودية، وحتى العلاقات بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين أصبحت شخصية ووثيقة جدًا.
وعلى ضوء هذا، أظهر لنا المشهد الدولي أن محمد بن سلمان، من خلال التعاون مع بوتين والتنسيق معه في خفض إنتاج مليوني برميل من النفط السعودي، قد حاول إرسال إشارة واضحة إلى حكومة الولايات المتحدة، الصديق التقليدي والحليف للسعوديين، بأن السعودية لم تعد بعد الآن تنصاع للطلبات والأوامر الأمريكية كما كان الحال في الماضي.
جدير بالذكر أن السعودية قامت بعزيز استثماراتها في مختلف القطاعات ضمن الأراضي الروسية، والتي تم القيام بها عن “قصد” في السنوات الماضية محاولةً الحد من دور إيران في المنطقة وإضعاف موقفها، وهذا بالفعل ما نشهده اليوم، فموسكو وبكين لم تعودا تستفاد كالسابق كثيرًا من علاقاتهما الاقتصادية مع إيران، بينما يمكنهما جذب فوائد كبيرة من علاقاتهما الاقتصادية مع السعوديين.
وبيت القصيد، إن التحجيم التدريجي لإيران في نظام السياسة الخارجية والاقتصادية للدول التي أشرنا إليها، والذي تم تنفيذه في شكل خطة هادفة خطوة خطوة وعلى فترات، دليل واضح على أن المنافسين الإقليميين لإيران يُضعفون بالفعل أذرع القوة الإيرانية في هذا النطاق.