قاعدة إيران الجوية تحت الأرض.. هل بات الأسطول الأمريكي الخامس مهددا؟

كشفت إيران عن قاعدة "عقاب-44" الجوية التكتيكية الهجينة، التي تقع على بُعد 120 كيلومترا، شمال غرب بندر عباس، في منطقة نائية من محافظة هرمزجان.

ميدل ايست نيوز: في 7 فبراير/شباط الجاري، الذي صادف الذكرى الرسمية لانضمام ضباط سلاح الجو الإيراني إلى الثورة الإسلامية عام 1979، كشفت إيران عن قاعدة “عقاب-44” الجوية التكتيكية الهجينة، التي تقع على بُعد 120 كيلومترا، شمال غرب بندر عباس، في منطقة نائية من محافظة هرمزجان.

ورغم بناء هذه المنشأة غير المكتملة في موقع بعيد جداً عن الشاطئ، لكنها تطل بشكل أساسي على طرق الشحن الاستراتيجية في مضيق هرمز.

وتصف القوات الجوية للجمهورية الإسلامية الإيرانية هذه القاعدة بأنها “هجينة” لأنها تهدف إلى استيعاب كلٍ من الأصول الجوية المأهولة وغير المأهولة.

والسؤال الذي يَطرح نفسه هنا هو: ما هو نوع تلك الأصول؟ وما هو التهديد الذي قد تشكله على الأهداف التابعة للولايات المتحدة وحلفائها؟ سؤالان يجيب عنهما الخبير في الشؤون الإيرانية فرزين نديمي، في تحليل نشره بموقع “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”.

ويذكر نديمي أن اسم القاعدة الجديدة يشير إلى كلٍ من الكلمة الفارسية التي تعني “عقاب” والذكرى الرابعة والأربعين للثورة، وغالباً ما تُعلن إيران عن إنجازاتها في مجال الطيران في هذه الذكرى، لكن الكشف عن قاعدة “عقاب” اعتُبر مميزاً لأن بإمكانه أن “يغيّر قواعد اللعبة” في زمن الحرب، ويُجبر “العدو” على إعادة النظر في حساباته العسكرية، على حد تعبير العميد في الحرس الثوري الإسلامي “غلام رضا جلالي”.

ويُفترَض أن الضجة التي أُثيرت كانت تهدف إلى مواجهة مناورات “جونيبر أوك” العسكرية الأخيرة، وهي أكبر مجموعة من التدريبات أجراها الجيش الإسرائيلي على الإطلاق، إلى جانب القيادة الإقليمية المشتركة للولايات المتحدة.

وفي هذا الإطار، قال رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، إن القواعد الجوية المبنية تحت الأرض، مثل قاعدة “عقاب”، ستوسّع قوة الردع التي تتمتع بها إيران لتتجاوز قدراتها المعروفة، من خلال إعادة طرح القوة الجوية كجزء من المعادلة.

ففي ظل غياب نظام قواعد قابل للبقاء، كان أمل إيران ضئيلاً في الحفاظ على استمرارية قوتها الجوية عند خوض الحرب مع قوة عسكرية كبرى، كما كانت القوات الجوية للجمهورية الإسلامية تعاني من نقص التمويل بشكل ملحوظ مقارنةً بالحرس الثوري الإسلامي، وحتى الفروع الأخرى من القوات المسلحة.

مدينة للطائرات والصواريخ تحت الأرض.. ما هي قاعدة “عقاب 44” الجوية الجديدة في إيران؟

تدعيم نقاط الضعف

ووفقاً لباقري، ستساهم القاعدة المحصنة الجديدة في دعم نقاط الضعف هذه، من خلال استيعاب طائرات مقاتلة جديدة وحمايتها من قنابل العدو وصواريخه في حال نشوب صراع. ومع ذلك، هل تُحقق قاعدة “عقاب” هذا الادعاء؟

في معرض الإجابة، يشير نديمي إلى أن هذا المجمّع الكبير تم حفره تحت الأرض، وله 4 مداخل مواجِهة للشمال ومتصلة بمدرج سطحي مكشوف طوله 3 كيلومترات، وبدأ بناؤه في مايو/أيار 2021.

وستتمكن الطائرات من الوصول إلى المدرج عبر ممرين مغطيين جزئياً يمتدان بطول 1.4 و1.8 كيلومتر، ويصفهما نديمي بأنهما “نفقَان يُستخدمان كمنطقتَي تنبيه”.

واعتمد اختيار الموقع جزئياً على فكرة أن تضاريسه الفريدة ستجعل القاعدة أقل عرضةً للهجمات الجوية والصاروخية، حيث توفر التلال الجبلية الحماية من الشمال والجنوب.

ومع ذلك، لن تكون هذه العقبات هائلة بما يكفي للتأثير على الذخائر عالية الدقة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والتي يمكن أن ينشرها أعداء إيران في المستقبل القريب.

كما أن الأبواب الثقيلة المقاوِمة للانفجارات، والتي تهدف إلى حماية مداخل القاعدة، لا يبدو أنها تتمتع بدرجة عالية من الفعالية ضد التفجيرات النووية التكتيكية مثل المنشآت المماثلة في مواقع أخرى من العالم.

ورغم وجود الطائرات في مخابئ محصنة، فإنها ستظل بحاجة إلى الإقلاع والهبوط عبر الممرين والمدرج الأكثر انكشافاً، حيث تبقى عرضة للذخائر الثقيلة عالية الحركة.

كما أن شبكة الأنفاق تحت الأرض قد تطرح بعض المشكلات بالنسبة للقاعدة، فعلى الرغم من أنها تبدو قادرة على استيعاب عدة طائرات مع معدات الدعم الخاصة بها، ومستودعات الوقود، ومساحات الصيانة/التسليح، فإنها تبدو أيضاً مفتقرة إلى التهوية المناسبة وأنابيب مكافحة الحرائق، لذا قد يتبين أن مواصلة العمليات هناك ستكون خطيرة للغاية.

وهنا يشير نديمي إلى أن عملية بناء القاعدة لم تُكتمل بعد، ولا يزال العمل جارياً فيها تحت إشراف “مقر خاتم الأنبياء المركزي”، الذي تتمثل مهمته الرئيسية في الإشراف على جهوزية عمليات جيش الجمهورية الإسلامية في إيران، والحرس الثوري الإسلامي. واستغرق إنجاز القواعد الجوية المشابهة تحت الأرض في تايوان ويوجوسلافيا السابقة والسويد نحو 8 سنوات، وبتكلفة لا تقل عن مليار دولار لكلٍ منها.

وفي حالة قاعدة “عقاب”، تُظهر صور القمر الصناعي “سينتينيل 2” إجراء حفريات مهمة في المنطقة على مدار السنوات الماضية.

أسطول المقاتلات الإيراني

غير أن افتتاح “عقاب 44” وغيرها من القواعد الجوية المحصنة يدل على أن إيران قد تستأنف اندفاعها نحو حيازة المزيد من القوة الجوية الحديثة.

فعلى سبيل المثال، تشير التقارير الأخيرة إلى أن إيران قد تتسلم 24 مقاتلة روسية متعددة المهام من طراز “سو-35 إس” مقابل تزويد موسكو بطائرات مسيرة انتحارية وأسلحة أخرى.

وكان إنتاج مجموعة المقاتلات المعنية مخصصاً في الأصل لمصر لكن هذه الدفعة لم تُسلَّم بعد، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى الضغط السياسي الأمريكي وعدم رضا القاهرة عن الطائرات.

ومع ذلك، حتى في حال وجود صفقة قيد التنفيذ مع إيران، لا يبدو تسلم الطائرات الروسية وشيكاً، فهناك القليل من المؤشرات التي تدل على الاستعدادات التي تسبق تنفيذ مثل هذه الصفقات العسكرية الكبرى، ومنها تدريب الطاقم الجوي والأرضي في أي من البلدين.

وربما قصدت موسكو أن يكون هذا الخبر بمثابة تحذير للحكومات الغربية، مفاده أنه إذا أرسلت هذه الحكومات طائرات “إف-16” أو غيرها من الطائرات المقاتلة الحديثة إلى أوكرانيا، فستمنح روسيا طهران طائرات “سو-35 إس”.

كما أنه لا يُحتمَل وضع طائرات “سو-35 إس” في قاعدة “عقاب-44″، إذ تم تصميم أنفاق القاعدة على ما يبدو من أجل السماح بحركة طائرات “إف-4 فانتوم” و”إف-14 توم كات” و”سو-24 فينسر”، التي يتراوح طول أجنحتها من 10.3 إلى 11.8 متر؛ لكن الموقع غير مناسب على الأرجح لطائرة “سو-35” الأكبر حجماً، إذ يبلغ طول جناحيها 15.3 متراً.

لكن على الرغم من الإسراع في استغلال حرب أوكرانيا عبر تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع روسيا واحتمال الحصول على طائرات مقاتلة جديدة وأسلحة متطورة أخرى، لا تزال الدعامة الأساسية الخاصة بالقوات الجوية الإيرانية هي أسطول طائرات “إف-4 فانتوم” الذي تم شراؤه من الولايات المتحدة قبل الثورة.

فباستطاعة طائرة “إف-4 إي” أن تحمل حمولة قتالية كاملة قدرها 2700 كيلوجرام إلى مدى يبلغ 840 كيلومترا، أو صاروخين مضادين للسفن أو صاروخ من نوع كروز لمسافة تصل إلى 1000 كم قبل إطلاقهما. وفي الحالة الأخيرة، يمكن أن يصل مدى صاروخ “نصر” الإيراني المضاد للسفن إلى 70 كيلومترا.

كما يمكن أن تحمل طائرة “فانتوم” صواريخ أخرى مضادة للسفن يصل مداها إلى 300 كم، أو صواريخ كروز أكبر حجماً، مثل “عاصف” و”حيدر”، قادرة على اجتياز مسافات أبعد بكثير على ارتفاعات منخفضة قبل الوصول إلى أهدافها.

وقد تساعد هذه القدرات في تفسير سبب رغبة إيران في إنفاق الكثير من المال على بناء قاعدة جوية تحت الأرض، في الوقت الذي تمتلك فيه عدداً محدوداً جداً من الطائرات القتالية العاملة، فيما تبدو الطائرات الروسية الحديثة، التي تأمل في شرائها، كبيرة جداً على العمل بقاعد “عقاب 44”.

فمن خلال التسلح بصواريخ مضادة للسفن طويلة المدى وذخائر المواجهة الذكية، يمكن أن يوفر إقلاع الطائرات من “عقاب-44” كماً من القدرة المفاجِئة على توجيه الضربة الأولى، فضلاً عن القدرة على توجيه ضربة ثانية للرد على السفن الحربية الأمريكية الرئيسية، خاصة حاملات الطائرات، والمجموعات البرمائية، والسفن المساعِدة، والقواعد الإقليمية.

هدف القاعدة الرئيسي

وبما أن القاعدة كانت قيد الإنشاء منذ عدة سنوات، فقد كان الغرض منها على الأرجح الأخذ في الاعتبار تحقيق هدف رئيسي وهو: شن هجمات مفاجئة ضد السفن الحربية الأمريكية في جميع أنحاء منطقة الخليج، لا سيما ضد مجموعات حاملات الطائرات الهجومية.

وكانت مجموعة حاملة الطائرات الهجومية “يو إس إس رونالد ريجان” قد أكملت آخر عملية انتشار من هذا القبيل في المنطقة في سبتمبر/أيلول 2021.

وبينما يرى مراقبون أن بعض جوانب قاعدة “عقاب-44” مخصصة لتأدية أدوار خاصة بالدفاع الجوي، مثل استخدام أنفاق الربط كمناطق تنبيه، يرى نديمي أن هذه الرؤية غير دقيقة لأن “هذا الدور أُعطي أساساً بشكل بارز إلى شبكة الدفاع الجوي الأرضية المتوسعة في إيران، مع استخدام عدد قليل جداً من الطائرات المقاتلة”.

ويضيف أن قاعدة “عقاب-44” صممت، على الأرجح، لتكون بمثابة قاعدة عمليات أمامية آمنة تدعم عمليات الاعتراض البحري، وذلك في إطار استراتيجية إيران لحظر الوصول إلى المنطقة، خاصةً عبر استخدام طائراتها الهجومية الصغيرة من طراز “إف-4″ و”سو-24” من القاعدتين الجويتين في بندر عباس وشيراز.

وإذا تسلمت إيران في النهاية طائرات “سو-35” من روسيا، فقد لا تكون القاعدة قادرة على استيعابها، ويرجح “نديمي” أنه “تم تصميمها قبل أن تفكر طهران في شراء طائرات أكبر”.

ومع ذلك، يمكن للقواعد الجوية الجديدة، المبنية تحت الأرض، أن تمنح إيران درجةً ما من القدرة على توجيه الضربة الجوية الأولى ضد الأصول البحرية الأمريكية في الخليج وبحر العرب، وربما يشمل ذلك جهود إغلاق مضيق هرمز أمام حركة الشحن والحركة البحرية.

كما قد يرى نديمي أن بناء مثل هذه القواعد قد يؤدي إلى تحفيز البلدان الأخرى في المنطقة لإضافة منشآت محصنة تحت الأرض إلى قواعدها الجوية الحالية، أو إنشاء قواعد جديدة تتمتع بهذه القدرة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
الخليج الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى