قطع الإنترنت في إيران يكبّد الاقتصاد الوطني خسائر مفجعة

تكبّد الاقتصاد العالمي في الآونة الأخيرة خسائر فادحة وصلت إلى مليارات الدولارات سنوياً جراء سياسات بعض الحكومات في فرض قيود وانقطاعات متعمدة على شبكة الإنترنت.

ميدل ايست نيوز: تكبّد الاقتصاد العالمي في الآونة الأخيرة خسائر فادحة وصلت إلى مليارات الدولارات سنوياً جراء سياسات بعض الحكومات في فرض قيود وانقطاعات متعمدة على شبكة الإنترنت، متجاهلةً إلى حد كبير الصدمات التي تلحقها باقتصاد بلدانها نتيجة هذه القيود.

تعد إيران واحدة من الدول التي تفرض حدودًا صارمة على الإنترنت، حيث تقوم الحكومة بمراقبة ورصد كل نشاط يتم على الإنترنت، وذلك للحفاظ على الأمن القومي والتنبؤ بأنشطة الجماعات المعارضة لها وتحركاتها ضدها.

وباتت التصفية وكاسر الحجب وخدمات VPN وغيرها من المسميات الأكثر تداولاً لدى الأوساط الإيرانية لسنوات، ورغم قلة حروف هذه المسميات إلا أن الأضرار والخسائر المفزعة التي ألحقتها بالاقتصاد الإيراني من شركات كبرى وصغرى وناشئة إلى الأفراد والقوى العاملة وصناع المحتوى على وسائل التواصل فاقت التوقعات والتحليلات.

المظاهرات، أعمال الشغب، الانتخابات، الامتحانات الوطنية والعديد من الأسباب الأخرى تدفع دول العالم لقطع الإنترنت عن مواطنيها ناهيك عن أسباب ثانوية بات يعلمها الصغير والكبير وهي التجسس ومراقبة الشعوب ومنعها من ممارسة أعمالها على الفضاء الافتراضي بحرية تامة.

في غضون ذلك، تدّعي الحكومات بأن هذه الإجراءات تصب في مصلحة المواطن وأمن البلاد، وذلك من خلال التنبؤ بالأعمال الإرهابية والأنشطة غير القانونية كالسرقة وعمليات السطو على البنوك وغيرها.

ففي العراق مثلاً، قامت الحكومة بفرض نطاق واسع من القيود على وسائل التواصل الاجتماعي في فبراير الماضي استمرت لمدة 64 ساعة حتى انتهاء الامتحان الوطني في البلاد. وهذا بالطبع أدى إلى انفجار كبير في مشتريات خدمات كاسر الحجب في الأسواق العراقية واحتكار هذه الساعات من قبل التجار الذين أدروا ملايين الدولارات في فترة وجيزة.

وتظهر الاستطلاعات والأبحاث المختلفة في هذا الوسط أن فرض القيود وتعمد إضعاف الإنترنت الثابت والهاتف المحمول من قبل السلطات الحكومية له علاقة مباشرة ووطيدة بنمو مستويات “الطلب على شراء خدمات كاسر الحجب (VPN) بشتى أنواعها”.

وتفرض إيران حظراً على “جميع” مواقع التواصل الاجتماعي “غير المحلية” مثل فيسبوك وتويتر وإنستغرام وواتساب وتلغرام، بالإضافة إلى مئات المواقع الأخرى التي تحظى بشعبية في جميع أنحاء العالم. كما يتم حجب المحتوى غير الملائم أو المخالف للقانون، مثل المحتوى الإباحي أو المحتوى الذي لا يتوافق مع سياسة البلاد وتوجهاتها والعديد من المواد الأخرى (الحض على العنف والكراهية وإثارة النعرات الطائفية والكثير).

جائحة القيود

وتحتل إيران المرتبة العاشرة عالمياً من ناحية الأضرار التي يتكبّدها اقتصاد البلاد جراء القيود المفروضة على الإنترنت وفقاً لما أكدت عليه تحقيقات “VPN10TOP”، وهو موقع تابع لمنظمة “NET BLOCKS” يتعقب الدول التي تفرض مثل هذه القيود وتعمد قطع الإنترنت أو إضعافه. يقول هذا الموقع “منذ عام 2019 حتى يومنا الحالي، بلغت التكلفة العالمية لقطع النت عمداً من قبل الحكومات العالمية أكثر من 44 مليار دولار”.

ويتتبع مؤشر التكلفة العالمية لانقطاع الإنترنت تأثير كل انقطاع متعمد للإنترنت إلى جانب القيود على مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم. حيث تعد هذه السياسية في الواقع من أشد أشكال الرقابة على الإنترنت، والتي لا تنتهك الحقوق الرقمية للمواطنين فحسب، بل تتسبب أيضًا في خسائر اقتصادية ضخمة.

ولعلّ أهم غرض من تسليط الضوء على قضية انقطاع الإنترنت هو لفت انتباه الرأي العام إلى الضرر الاجتماعي والاقتصادي الذي يمكن أن تسببه مثل هذه الإجراءات.

وأشارت أحدث إحصائيات موقع “سبيد تيست” العالمي لشهر مايو 2023، إلى زيادة معدل سرعة الإنترنت الثابت في إيران، وتراجع سرعة الإنترنت عبر الهاتف المحمول بمعدلات طفيفة.

وانخفضت سرعة الإنترنت عبر الهاتف المحمول في إيران من 36.01 ميغابايت في الثانية في أبريل إلى 35.68 ميغابايت. حيث أدى هذا التغيير إلى تراجع ترتيب إيران في قائمة سبيد تيست بمركزين علماً أن البلاد حالياً في المركز 64 عالمياً.

وزادت سرعة الإنترنت الثابت في إيران خلال مايو بمعدل طفيف بلغ 12.60 ميغابايت في الثانية بعد أن كان 11.97 ميغابايت في التقرير السابق، إلا أن البلاد لا زالت في المرتبة 146 في قائمة هذا الموقع العالمي.

هذا، ولا تزال القيود وإن جاز التعبير الحظر قائمًا رغم محاولات المستخدمين الإيرانيين الحثيثة على استخدام خدمات VPN للولوج إلى هذه المواقع.

وأدى حجب منصات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع في إيران، إلى امتلاك كل مستخدم في البلاد ما لا يقل عن كاسر أو كاسرين للحجب (VPN) على هاتفه المحمول. وإن عدم كفاءة هذه القيود على تقليص عدد المستخدمين الإيرانيين على منصات السوشيال ميديا، يثبت أن العديد من الأشخاص قد استثمروا موضوع “الحجب والقيود” لصالحهم وكسبوا أموالاً ضائلة من بيع خدمات vpn.

سوق حرة لبيع خدمات كاسر الحجب

ومع مرور أكثر من 8 أشهر على فرض قيود على الإنترنت وحظر التطبيقات الأجنبية في إيران، وصلت مستويات الأسعار في أسواق بيع خدمات كاسر الحجب (VPN) إلى أرقام قياسية لم تشهدها البلاد من قبل.

ووفقًا لقانون الجرائم المدعومة، يعتبر بيع وشراء خدمات الـ VPN جريمة في إيران. ومع ذلك، تشير المعطيات الميدانية إلى أن الوحدات التجارية، على الرغم من عدم تمتعها بالحق في بيع هذه الخدمات، إلا أنها تفعل ذلك سراً.

وفي أكتوبر من العام الماضي، قال عيسى زارع بور، وزير الاتصالات في إيران، رداً على عدم تجريم شراء وبيع خدمات كاسر الحجب: تُبذل جهود لجعل استخدام VPN ليس غير قانوني فحسب، بل مجرّمًا أيضًا.

وفي ديسمبر، قال زارع بور في برنامج تلفزيوني ردًا على قضية انقطاع الإنترنت: “هذه المسألة غير صحيحة وبطء الإنترنت يرجع إلى استخدام خدمات كاسر الحجب من قبل المستخدمين”.

وفي مارس، قدرت صحيفة فرهيختجان الإيرانية في تقرير لها أن حجم سوق خدمات VPN النقدية في إيران يبلغ حوالي “16 ألف مليار تومان” سنوياً. ربح يبلغ ضعفين إلى ثلاثة أضعاف الدخل التشغيلي لشركة الاتصالات الإيرانية، والذي يصل إلى أيدي جماعات ضخمة من الوسطاء والناشطين في مجال خدمات كاسر الحجب.

ووفقًا للتقرير الذي نشرته شركة Statista الألمانية باستخدام معلومات مجموعة Top10VPN، فقد نما استخدام كواسر الحجب وخدمات الـ VPN بنحو 3 آلاف بالمائة في الشهر الأول من بدء الحظر في إيران (أكتوبر من العام الماضي)؛ بطريقة تخبرنا بها بعض الإحصائيات عن أرباح 1000 مليار تومان من السماسرة من بيع هذه الخدمات في إيران.

وبحسب آخر البيانات المنشورة لعام 2023، تأتي إيران في مصاف ميانمار وتركمانستان والإمارات من حيث الوصول إلى الإنترنت. بالطبع، إيران لديها وضع أكثر ملاءمة من الصين وكوريا الشمالية، والسبب هو أن الحكومة الإيرانية لم تمنع بالكامل حتى الآن الوصول إلى خدمات كاسر الحجب، وهو موضوع يثير التساؤلات بالرغم من القيود الشديدة.

ومع ازدياد الحاجة للوصول إلى خدمات الإنترنت تلبية للأمور الحياتية سواء كانت دراسية أو مكتبية أو للتسلية لا تزال فجوة القيود على منصات التواصل والمواقع الإلكترونية تتسع يوم بعد يوم في إيران وتنذر بمستقبل متشائم يهدد البلاد على كافة الأصعدة ولعلّ أهمها الاقتصاد.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى