هل تنجح أنقرة وباكو بإنشاء ممر زنغزور رغم معارضة طهران؟

ظهرت أخيراً أزمة انشاء ممر زنغزور الذي يربط بين أراضي أذربيجان وإقليمها نخجوان (ناختشيفان بالأرمينية) الذي تفصله عنها الأراضي الأرمينية.

ميدل ايست نيوز: في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، انتهت حرب إقليم ناغورنو كاراباخ بين أذربيجان وأرمينيا قرب الحدود الإيرانية، التي اندلعت في 27 سبتمبر/أيلول من العام نفسه. غير أن تفاعلاتها وتداعياتها لم تنتهِ، إذ ظهرت أخيراً أزمة انشاء ممر زنغزور الذي يربط بين أراضي أذربيجان وإقليمها نخجوان (ناختشيفان بالأرمينية) الذي تفصله عنها الأراضي الأرمينية.

ومن شأن إنشاء الممر أن يفتح المجال لتركيا، المتاخمة لنخجوان، للاتصال البري بدول آسيا الوسطى، لكن رفض إيران المشروع دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لانتقادها بشدة، وبدء الحديث عن أزمة سياسية جديدة. وإقليم نخجوان هو أكبر إقليم ذاتي الحكم في العالم، وتحيط به تركيا وأرمينيا وإيران.

يقع ممر زنغزور ضمن المناطق التي مُنحت إلى أرمينيا في الحقبة السوفييتية، تحديداً في مقاطعة سيونيك الأرمينية. ويُنظر لهذه المقاطعة كحاجز يفصل بين أذربيجان ونخجوان. وتُعدّ سيونيك المنفذ الوحيد بين يريفان وحليفتها طهران.

ومع خروج أذربيجان منتصرة في حرب ناغورنو كاراباخ في عام 2020، وقعت يريفان وباكو، برعاية موسكو، اتفاقاً لوقف إطلاق النار. ومن بين البنود التي تضمنها الاتفاق، فتح المعابر التي تصل بين أذربيجان ونخجوان، وبين أرمينيا وناغورنو كاراباخ، وفقاً للمادة التاسعة من الاتفاق، غير أن باكو ويريفان مختلفتان على آلية تطبيق هذه المادة.

تضييق الخناق على إيران… ماذا يخفي مشروع ممر زنغزور الذي تعده أذربيجان؟

أهمية ممر زنغزور

يحظى ممر زنغزور بأهمية كبيرة بالنسبة لتركيا على عدة أصعدة. أولها أنه سيخلق حدوداً مشتركة سهلة بين باكو وأنقرة وطريقاً برياً يمتد من أذربيجان إلى تركيا مباشرة عبر نخجوان. ثانيها، يعني الممر وصل تركيا بأذربيجان براً مباشرة، ووصول تركيا إلى “العالم التركي” في آسيا الوسطى، من خلال أذربيجان وبحر قزوين، وفتح منافذ تجارية واقتصادية جديدة تعود على أذربيجان وتركيا بالفائدة.

كما يُترجم عمل الممر الأهمية الجيوسياسية للمنطقة بالنسبة لتركيا وارتباط ذلك بالاستراتيجية القومية التي قامت عليها فكرة تأسيس “عالم تركي” يجمع بين البلدان الناطقة بالتركية تحت منظمة واحدة.

وثالثها، أن إنشاء مثل هذا الممر يتيح لتركيا أن تكون نقطة عبور بين آسيا الوسطى، بما في ذلك الصين، نحو أوروبا عبر طريق بري أقصر وأسرع مما هو عليه الآن، لأن دول المنطقة تضطر في الوقت الحالي للوصول إلى تركيا، إما عبر إيران جنوباً أو روسيا ثم جورجيا شمالاً، لكن ممراً مثل زنغزور يتيح الوصول لتركيا عبر أذربيجان مباشرة، ما يعتبر مكسباً اقتصادياً بالنسبة لأنقرة.

وعن أسباب تمسك أنقرة بدعم باكو في مشروع ممر زنغزور، ذكر الباحث التركي في كلية الإعلام بجامعة مرسين نورالدين أنفر لـ”العربي الجديد” أن إنشاء الممر، يعد ضرورياً لمشروع الطريق التجاري الذي تتبناه تركيا، ويعد أقصر طريق بين شرق آسيا وأوروبا.

وهو ما عبّر عنه أردوغان في يونيو/حزيران الماضي خلال زيارته لأذربيجان بوصف الممر بأنه “طريق بكين ـ لندن”، إذ يمكن من خلال زنغزور نقل الأفراد والبضائع من الصين إلى أوروبا عبر تركيا.

ويمتدّ طريق “بكين ـ لندن” أساساً من الصين مروراً بكازاخستان وقرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان في آسيا الوسطى، ثم يعبر بحر قزوين وصولاً إلى أذربيجان، ومنها إلى جورجيا قبل أن يتصل بأوروبا حتى لندن عبر السكك الحديدية والموانئ التركية.

وقال أنفر: “إضافة لنظرة تركيا إلى الممر المفترض كبوابة نحو العالم التركي، فإن إنشاء ممر بري مع أذربيجان يمثل استراتيجية قومية لتركيا بالدرجة الأولى، لاسيما في ظل الهوية اليمينية القومية المتصاعدة لدى غالبية الأتراك”.

ولفت إلى أن ممر زنغزور سينهي حالة الاضطرار إلى المرور بإيران ودفع رسوم عبور لها، كما ستتقلص المسافة بين أذربيجان وتركيا، إذ سيكون الخط الجديد أقصر من خط سكة الحديد الممتد من مدينة قارص التركية مروراً بالعاصمة الجورجية تبليسي، وصولاً للعاصمة الأذربيجانية باكو.

من الصحافة الإيرانية: أنقرة تسعى لتطويق إيران على الصعيد الجيوسياسي

أزمة بين إيران وتركيا بسبب زنغزور

لا شك أن الموقف الإيراني المعقد حيال ملف ممر زنغزور يلقي بظلاله على العلاقة الهادئة الحذرة بين طهران وأنقرة، ودفع هذا الوضع أردوغان للتصريح بشكل مباشر بأن “إيران مشكلة وعائق” أمام تحقيق المشروع، أكثر من أرمينيا ذاتها التي ستكون منطقة يعبر منها الممر. لكن السؤال هل يمكن أن يدفع ذلك إلى أزمة جديدة بين أنقرة وطهران؟

برأي الباحث التركي في العلاقات الدولية محمد طاهر أوغلو، فإن الأزمة حتمية، في حال إصرار الطرفين على موقفيهما من جهة، وتوتر العلاقات بين باكو وطهران من جهة أخرى، لذلك فإن مواصلة هذا الإصرار من دون تسوية في ظل توتر العلاقات بين إيران وأذربيجان، يعني أننا أمام حلقة مفرغة ستزيد من تعقيد الحوار وتصعيب الوصول إلى حلول واقعية ترضي الأطراف.

وقال طاهر أوغلو لـ”العربي الجديد”، إن تصعيد الخلاف بين أنقرة وطهران يعتمد على مستوى درجة التوتر بين باكو وطهران بشكل مطرد، لكن هذا لا يعني أن تركيا مستعدة لفتح الباب أمام أزمة سياسية أو دبلوماسية من العيار الثقيل مع جارة مهمة إقليمياً مثل إيران.

ورجح أن تركز أنقرة على تنشيط القنوات الدبلوماسية مع طهران، ومحاولة إجراء تسوية بوساطة روسية، بعيداً عن تصعيد الأمور إلى خارج نطاق السيطرة.

ورأى طاهر أوغلو أن فرص نجاح إنشاء الممر كبيرة نظراً إلى التجاوب الأرميني أخيراً، وموافقة روسيا ضمنياً وبشكل موازٍ الموافقة الغربية، وكل ذلك بدوره يعني أن معظم المؤشرات تتجه إلى قبول الأطروحة التركية ـ الأذربيجانية بصيغة ترضي الجميع.

واعتبر أن المشروع مفيد لمختلف الأطراف ويسهّل من عملية التفاهم بناء على تحقيق المصالح المشتركة بينها باستثناء إيران، وبسبب الموقف الإيراني فإن تلك الفرص تبقى رهن الوقت المناسب، وهذا يعني أننا سنشهد محادثات بين أنقرة وطهران وبرعاية روسية، من أجل التوصل إلى حل.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة + اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى