التقارب العربي الإسرائيلي.. ما موقع إيران من المعادلة؟
بعد اعتراف شتى الدول الإسلامية بإسرائيل، ستكون سياسة “تدمير إسرائيل” أكثر تكلفة بكثير من ذي قبل، وستزداد الضغوط على إيران والجماعات المقربة منها في لبنان وقطاع غزة وسوريا والعراق بشكل غير مسبوق.
ميدل ايست نيوز: ذكرت وسائل الإعلام عن المتحدّث باسم البيت الأبيض قوله إن المفاوضات الرامية إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية تواصل التقدّم، مشيرا إلى التوصل إلى “إطار أساسي” لاتفاق مستقبلي.
وفي دردشة مع صحفيين، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، إن “الطرفين وضعا على ما أعتقد هيكلية أساسية لما يمكن أن نسير باتجاهه”.
وأضاف “على غرار أي اتفاق معقّد، (…) يتعيّن على الجميع تقديم تنازلات”، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
ويدفع الرئيس الأميركي، جو بايدن، وإدارته باتّجاه تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، الأمر الذي من شأنه أن يمنح المملكة خصوصا ضمانات أمنية أميركية مقابل اعترافها بإسرائيل.
يتضح أن السعوديين تراجعوا عن إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية كشرط للاعتراف بإسرائيل وإقامة العلاقات معها. كما تشير تصريحات كيربي عن ضرورة أن يتحلى الطرفان بالمرونة من أجل التوصل إلى اتفاق سلام إلى هذا التراجع.
وتريد السعودية في المرحلة الأولى أن تضمن الولايات المتحدة أمنها ضد أي تهديد خارجي، لتجعل من القضية الفلسطينية أولوية في مراحلها المقبلة.
من هذا المنطلق، يبدو أن السعودية ستوافق على تطبيع علاقتها مع إسرائيل بمجرد حصولها على ضمانة أمنية من البيت الأبيض وبشرط ألا يتم القضاء على خطوة “إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة”.
وبحسب تقارير إعلامية، توصل جو بايدن إلى اتفاق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن هذه القضية. بمعنى أن بايدن طالب نتنياهو بعدم الإقدام على أي خطوة من شأنها القضاء على إمكانية إقامة دولة فلسطينية في مقابل تطبيع العلاقات مع السعودية. وهذا لا يعني سوى امتناع إسرائيل عن ضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية وإيقاف عمليات بناء مستوطنات يهودية جديدة في الضفة الغربية لفترة مؤقتة لا أكثر!.
في الواقع، إن قبول نتنياهو لمثل هذه التعهدات سيقلل من المخاطر والتحديات أمام حكومته اليمينية المتطرفة، إذ يمكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي هذا أن يطلق مزاعم أمام جمهوره بأنه انغمس فقط في فترة من ضبط النفس حيال ملف التوسع الاستيطاني وتوجه عوضاً عنه لتطبيع العلاقات مع السعوديين. فوفقاً لنظريته، فإنه يستطيع إقناع شركائه أنه بمجرد أن تهب الرياح بما تشتهي السفن ويصل الجمهوريون إلى سدة الحكم في أمريكا، فإنه سيستأنف عمليات ابتلاع الضفة الغريبة لصالحه بدعم أمريكي مباشر، ودون أن تستطيع السعودية التدخل بأي شكل من الأشكال.
ويرى نتنياهو أن الأحزاب الدينية الصهيونية والسلطة اليهودية بدون أدنى شك ستوافق على هذه الصفقة وتعطيه الضوء الأخضر للتفاوض مع السعوديين. ولهذا السبب قال إن شركائه المتطرفين في الحكومة يتحدثون كثيراً، لكنهم يتصرفون “بحكمة” عند اتخاذ القرارات.
لكن، تبقى إمكانية توصل شركاء نتنياهو المتطرفون في نهاية المطاف إلى اتفاق محتمل موضع شك، لا سيما وأن الولايات المتحدة تخشى من أن تضع الفضل في تطبيع العلاقات مع السعودية في سلة حكومة نتنياهو المكروهة والمعزولة. رغم كل ذلك، انطلق قطار تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وقد يضطر نتنياهو على إثرها إلى تغيير تشكيلة الحكومة أو إجراء انتخابات مبكرة.
بيت القصيد، إن تطبيع السعودية العلاقات مع إسرائيل سيعني تمهيد الطريق لتطبيع نحو 50 دولة عربية وإسلامية مع إسرائيل، وهذه هي النقطة التي تجعل هذا الأمر في غاية الأهمية.
وبعد اعتراف شتى الدول الإسلامية بإسرائيل، ستكون سياسة “تدمير إسرائيل” أكثر تكلفة بكثير من ذي قبل، وستزداد الضغوط على إيران والجماعات المقربة منها في لبنان وقطاع غزة وسوريا والعراق بشكل غير مسبوق.
بمعنى أوضح، إذا أرادت الجمهورية الإسلامية الحؤول دون تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية عبر الطرق العسكرية والتهديدات الأمنية، فلن تتعرض علاقاتها التي تم استئنافها مع السعوديين للخطر فحسب، بل ستواجه أيضا غضب الدول الإسلامية الأخرى. لذلك، قد يكون لصالح طهران، نظراً لنفوذها في لبنان ودول أخرى في المنطقة، أن تأخذ زمام المبادرة الدبلوماسية لإقامة الدولة الفلسطينية.
بطبيعة الحال، إن مثل هذه المبادرات تتطلب إعادة النظر في السياسة الخارجية التقليدية لطهران، غير أنها ستؤدي إلى تحسن غير مسبوق في وضع إيران في المنطقة والعالم. في الواقع، قد تكون إيران هي الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك الأدوات والتسهيلات اللازمة للمضي قدماً في إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
لكن في حال لم تستغل الجمهورية الإسلامية إمكاناتها الإقليمية ومكانتها في المنطقة في ظل هذه الحقبة التاريخية، فقد تتعرض لثلاثة أمور. أولاً، الوصول إلى اتفاقية تطبيع علاقات بين السعودية والدول العربية والإسلامية الأخرى مع إسرائيل، دون الحصول على أي ضمانة حقيقية لإقامة دولة فلسطينية. ثانياً، تشكيل جبهة موحدة لإسرائيل ودول المنطقة الأخرى ضد إيران بعد استكمال عملية التطبيع. ثالثاً، تقليص مضاعف لأدوات إيران وإمكاناتها الإقليمية وفعاليتها.
كل هذه الأحداث يمكن تحييدها من خلال مراجعة السياسة الخارجية وتغيير المعادلة بالكامل لصالح إيران.
أحمد زيد آبادي
باحث سياسي وناشط إصلاحي
إقرأ أكثر