استعادة الاتفاق النووي مع إيران.. حرب غزة فرصة لم يستغلها بايدن
لم يكن الاتفاق مرشحا لحل جميع المشاكل بين واشنطن وطهران، لكن استعادته كان كفيلا بإزالة مصدر رئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
ميدل ايست نيوز: سلط الخبير في السياسة الخارجية، إلدار محمدوف، الضوء على موقف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، من إحياء الاتفاق النووي مع إيران، مشيرا إلى أن الرئيس الديمقراطي سبق أن وعد، إبان ترشحه للرئاسة، بسياسات معاكسة لسلفه، دونالد ترامب، في السياسة الخارجية، والتوجه بشكل عام نحو المزيد من ضبط النفس والدبلوماسية، وتقليل التهديد والنزعة العسكرية، وتمثل حرب غزة فرصة لتحقيق ذلك، لكنه لم يفعل.
وذكر محمدوف، في تحليل نشره بموقع “ريسبونسبل ستيتكرافت” أن وعد بايدن شمل استعادة الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، التي انسحب منها ترامب أحاديا في عام 2018، على الرغم من الأدلة، التي شاركها مسؤولو إدارته، على أن الاتفاق كانت يحقق هدفه الأساسي، المتمثل في منع إيران من الوصول إلى السلاح النووي.
يأتي ذلك فيما أعلن كيرت كامبل، المنسق الحالي لمجلس الأمن القومي الأمريكي لشؤون المحيطين الهندي والهادئ، في 7 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أن خطة العمل الشاملة المشتركة “انتهت فعلياً”، مضيفا: “الأمر غير مطروح للمناقشة”.
وفيما بدا أنه استجابة لضغط الجمهوريين الذين أعربوا عن غضبهم إزاء صفقة “المال مقابل الرهائن”، التي أبرمها بايدن، وتمنح طهران بشكل مشروط إمكانية الوصول إلى 6 مليارات دولار من أموالها بالخارج للاستخدام الإنساني البحت مقابل تبادل للأسرى، أشار كامبل إلى أن الولايات المتحدة “يجب أن ترسل جيشاً”، في رسالة مفادها أنه سيتم الرد على الاستفزازات الإيراني بشكل صارم، مضيفا: “يجب أن نعزلهم دبلوماسيا ودوليا”.
ورغم أن احتمالات إحياء الاتفاق النووي كانت قاتمة منذ عام 2022 على الأقل، إلا أن المسؤولين في إدارة بايدن يمتنعون حتى الآن عن استخدام مثل هذه اللغة التهديدية ضد إيران، بحسب محمودف، واصفا التخلي بشكل نهائي عن أي جهد لإحياء الاتفاق بأنه “لا يخدم مصالح الولايات المتحدة ويؤدي في الواقع إلى نتائج عكسية”.
نفق ضيق
وفي كلمته أمام الطلاب في جامعة طهران بعد أيام قليلة من شهادة كامبل في مجلس الشيوخ، قلل وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، من أهمية الاتفاق النووي، قائلا: “كلما مضينا قدما كلما أصبحت خطة العمل الشاملة المشتركة بلا معنى. لن نجبر أنفسنا على البقاء في النفق الضيق للاتفاق النووي إلى الأبد”.
ولذا تجد إدارة بايدن نفسها في موقف حرج، يتمثل في الوصول إلى اتفاق فعال مع طهران، لكن هذه مشكلة تسببت فيها بنفسها من خلال رفضها، لمدة 3 سنوات حتى الآن، التعامل مع منتقديها حول فوائد الاتفاق بالنسبة للولايات المتحدة وعلى صعيد أمن الولايات المتحدة والعالم، حسبما يرى محمدوف.
وبمرور الوقت تحولت الفكرة القائلة بأن خطة العمل الشاملة المشتركة كانت بمثابة نوع من المكافأة لإيران، وليس صفقة تحد بشكل صارم من طموحات طهران النووية، إلى حكمة تقليدية، وكما هو واضح في تصريحات عبد اللهيان، فمن المؤكد أن الإيرانيين اليوم ينظرون إلى الاتفاق النووي على أنه “نفق ضيق” يحد من خياراتهم.
وهنا يشير محمدوف إلى أن إشارات عبد اللهيان إلى “المضي قدمًا” تتعلق بالتقدم في برنامج إيران النووي، لافتا إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التابعة للأمم المتحدة، أعربت، في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، عن قلقها من أن تكون إيران قد جمعت ما يكفي من اليورانيوم المخصب بنسبة نقاء تصل إلى 60% لصنع 3 قنابل ذرية، حتى مع استمرار طهران في منع العديد من مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من القيام بمهامهم، وهي خطوة استنكرتها الوكالة ووصفتها بأنها “متطرفة وغير مبررة”.
ونتيجة للإجراءات الإيرانية في أعقاب خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، تقدر الوكالة الدولية للطاقة الذرية حاليًا أن مخزون طهران من اليورانيوم المخصب أكبر بـ 22 مرة مما كان متوقعا لو ظلت خطة العمل الشاملة المشتركة سارية المفعول.
ويرى محمدوف أنه بات من الواضح أن إيران أصبحت الآن أقرب بكثير إلى القدرة على إنتاج قنبلة نووية في وقت قصير للغاية إذا قررت القيام بذلك.
وإذا كانت هناك آلية من شأنها أن تثبت فعاليتها في منع إيران من الحصول على قنبلة نووية، فهي خطة العمل الشاملة المشتركة، وفي ضوء تصريحات عبد اللهيان، التي تعكس بوضوح الشكوك المتزايدة حول الخطة، فإن “إدارة بايدن، من خلال التنصل العلني من الاتفاق، تعمل على إزالة العقبات التي تحول دون المزيد من التصعيد النووي الإيراني”، حسبما يرى محمدوف.
حرب غزة
وبينما شدد كامبل على أن “البيئة الحالية” عامل يجعل من إحياء الاتفاق النووي أمر غير ممكن، في إشارة إلى الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في غزة، يرى محمدوف أن “مثل هذا الصراع على وجه التحديد هو الذي يجعل إجراء نوع من الحوار المباشر بين واشنطن وطهران حول القضايا النووية والقضايا الأمنية الإقليمية أكثر إلحاحًا، إذ يجب تجنب حرب أوسع نطاقا”.
ويضيف أن استبدال مثل هذا الحوار بالتهديدات العسكرية في الوقت الذي تقدم فيه الولايات المتحدة لإسرائيل دعماً غير مشروط فعلياً، بما في ذلك تجديد مخزونها من الأسلحة ونشر قوات مشاة البحرية وفرقتين من حاملات الطائرات في المنطقة، واستخدام حق النقض (الفيتو) على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يمكن أن يحفز الإيرانيين للسعي إلى الحصول على “رادع نووي” أكثر من أي شيء آخر.
كما يؤكد محمدوف أن التعهدات بعزل إيران “على المستوى الدولي والدبلوماسي” ليس لها ما يبررها، لأن إيران أظهرت حتى الآن قدراً كبيراً من ضبط النفس، على الرغم من دعمها “الخطابي” لحماس.
وفي حين أن العداء الأيديولوجي المتشدد لإسرائيل متأصل في هوية الجمهورية الإسلامية، فإن الموقف الفعلي الذي تبنته طهران تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أكثر دقة بكثير، وأكثر انسجاما مع الإجماع العربي والإسلامي (وفي الواقع الدولي الواسع النطاق) الذي يصر على ضرورة حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وفق حل الدولتين، حسبما يرى محمدوف.
لكن واشنطن تفضل مضاعفة المواجهة مع إيران على ما يبدو، بدلا البناء التحولات الواضحة في سياسة طهران، بحسب محمدوف، الذي علق على ذلك بأن “المفارقة المحزنة هي أنه كان من الممكن تجنب هذا الوضع المتفجر لو كان جو بايدن يتمتع بالشجاعة والحكمة للوفاء بوعد حملته الانتخابية باستعادة الاتفاق النووي مع إيران”.
ولم يكن الاتفاق مرشحا لحل جميع المشاكل بين واشنطن وطهران، لكن استعادته كان كفيلا بإزالة مصدر رئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، بحسب محمدوف.