هل يدخل مضيق هرمز على معادلة حرب غزة بعد باب المندب؟

أعلن قائد بحرية الحرس الثوري الأدميرال علي رضا تنكسيري أن قواته انتهت من إعداد قوات تعبئة بحرية خاصة للعمل في مياه الخليج.

ميدل ايست نيوز: لم يمض أسبوع على تحذير وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني في 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري من أن الولايات المتحدة ستواجه مشكلات كبيرة إذا أرادت تشكيل قوة دولية في البحر الأحمر، إلا وأعلن قائد بحرية الحرس الثوري الأدميرال علي رضا تنكسيري أن قواته انتهت من إعداد قوات تعبئة بحرية خاصة للعمل في مياه الخليج.

وبحسب تنكسيري فإن تعداد هذه القوة يبلغ 55 ألف عسكري، وستضم 33 ألف قطعة بحرية للعمل في مياه الخليج وصولا إلى سواحل تنزانيا في شرق أفريقيا، وهو ما يتيح لتلك القوات الانخراط في معارك بقوارب سريعة، وحراسة المنصات النفطية والغازية البحرية الإيرانية.

كما أشار تنكسيري إلى تجهيز عوامات بحرية مسلحة بقذائف صاروخية في القرى الإيرانية المطلة على الخليج لاستخدامها عند اللزوم.

جاءت تصريحات الأدميرال تنكسيري بعد 3 أيام فقط من إعلان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن عن مبادرة “حارس الازدهار” الخاصة بتشكيل قوة دولية بحرية من 19 دولة من بينهم 10 دول وافقت على الإعلان عن أسمائها، وذلك لردع هجمات الحوثيين ضد السفن وتأمين حركة الملاحة بالبحر الأحمر.

وحظي الإعلان عن القوة بدعم من الاتحاد الأوروبي على لسان مسؤول السياسة الخارجية جوزيب بوريل الذي أكد على أن الدول الأعضاء في اللجنة السياسية والأمنية بالاتحاد ستشرع في دعم المبادرة الأميركية بالمعلومات الاستخبارية والسفن.

وتشير تلك التطورات إلى أن نطاق الصراع في البحر الأحمر ومضيق باب المندب قابل للاتساع ليصل إلى مضيق هرمز والخليج وذلك على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهو ما قد يؤثر سلبا على حركة الملاحة في المنطقة، ويثير المخاوف من اتساع الحرب إقليميا.

إن ما كشفه قائد بحرية الحرس الثوري يندرج ضمن نظرية الحرب البحرية الإيرانية غير المتكافئة، والتي اعتمدتها طهران بناء على دروسها المستفادة من حربها مع العراق لمدة 8 سنوات، والتي تخللتها اشتباكات مع البحرية الأميركية في مياه الخليج.

فقد استهدفت البحرية الإيرانية -في ذلك الوقت- ناقلة نفط كويتية ترفع علما أميركيا، كما أصابت السفينة الحربية الأميركية “صمويل روبرت” بلغم بحري إيراني، وهو ما دفع واشنطن للرد بعملية موسعة أدت في عامي 1987 و1988 إلى تدمير منصات نفط إيرانية ونحو نصف الأسطول الحربي الإيراني.

ومن أبرز الدروس التي خرجت بها طهران من تلك الحرب، هو أهمية زيادة عمقها الدفاعي الإستراتيجي عبر دعم شبكة من التنظيمات والجماعات الحليفة في المحيط الإقليمي للحماية لنقل المواجهة مع الخصوم إلى خارج الأراضي الإيرانية ضمن إستراتيجية “الدفاع الأمامي”.

كما انتبهت طهران إلى ضرورة معالجة ضعف قدراتها العسكرية التقليدية في ظل العقوبات المفروضة على تسليحها، وذلك عبر الاستثمار في بناء قدرات عسكرية غير متكافئة، وهو ما تجلى في انخراط طهران في مشاريع لتطوير قدراتها الصاروخية وصناعة الطائرات المسيّرة وصولا إلى بناء منظومة دفاعية بحرية تعتمد على نشر آلاف الزوارق السريعة المسلحة في مياه الخليج لمهاجمة السفن المعادية بواسطة القذائف الصاروخية والقوارب المفخخة والألغام البحرية.

إن نظرية الحرب غير المتكافئة الإيرانية تستند إلى الأهمية الإستراتيجية لمضيق هرمز حيث تُنقل عبره يوميا أكثر من 30% من صادرات النفط الدولية وهو ما يجعل التعرض لها ووقف الملاحة فيه مؤثرا على الاقتصاد العالمي.

كذلك تعتمد النظرية المذكورة على الطبيعة الجغرافية للخليج الذي يبلغ طوله نحو 900 كيلو متر ويتراوح عرضه من 65 إلى 338 كيلو متر، فعلى ضفافه توجد العديد من الجزر والخلجان الصغيرة المتاح استخدامها كمرافئ لإطلاق قوارب صغيرة مسلحة في أنحاء المنطقة.

الفلسفة والتطبيق العملي

لقد عبر الأدميرال مرتضى صفاري قائد بحرية الحرس الثوري السابق عن فلسفة نظرية الحرب البحرية الإيرانية أثناء مناورة “النبي الأعظم” في عام 2008 قائلا “الدفاع البحري غير المتماثل هو النمط الأفضل للاستفادة من نقاط ضعف العدو ونقاط قوتنا”.

لذا فإن أبرز نقاط القوة الإيرانية تتمثل في الاستعداد لقبول خسائر بشرية مقابل حساسية البحرية الأميركية للخسائر، وهي نقطة تلعب فيها قوات المتطوعين “البسيج” التابعة للحرس الثوري دورا بارزا.

فهذه القوات تعمل ضمن هيكل قوة خفيف الحركة يتكون من سفن صغيرة وقوارب مسلحة بالصواريخ، ومعدة للعمل بشكل لا مركزي في حال تضرر شبكة القيادة والسيطرة وقت الحرب، وهو ما يتيح تحويل أي حرب بحرية خاطفة وفق تكتيكات الخصم إلى حرب استنزاف طويلة.

وللعمل بسلاسة قدر الإمكان بنى الحرس الثوري شبكة من الأنفاق والمخابئ المموهة على طول ساحل إيران المطل على الخليج لإطلاق القوارب منها بشكل سريع ومرن بدون الحاجة لنقلها عبر مسارات مكشوفة، ولحمايتها من القصف الجوي الاستباقي.

كما وزع العديد من القوارب في القرى الساحلية بين قوارب الصيد لزيادة صعوبة التعرف عليها، مع تخصيص قطاع عمليات بحري لكل مجموعة قوارب للعمل فيه بشكل فوري ومستقل في حالة اندلاع قتال، مع مراعاة أن تبقى تحت السيطرة العملياتية لقيادة الحرس الثوري، وذلك ضمن إستراتيجية “الدفاع الفسيفسائي”.

تتيح تلك التكتيكات المدعومة ببطاريات صواريخ مضادة للسفن منتشرة على طول الساحل الإيراني، تعويق التفوق الجوي الأميركي، وعرقلة إبحار السفن الأميركية في الخليج وقت الحرب، بما يسمح بالتحكم في فتح وغلق مضيق هرمز أمام الملاحة، وهو ما يزعزع الاقتصاد العالمي المعتمد على النفط والغاز.

إن نهج الحرب البحرية غير المتماثلة أقل في تكلفته المالية من الاعتماد على الحرب البحرية التقليدية الذي يتطلب استثمارات ضخمة في بناء سفن كبيرة تكون عرضة للإغراق على يد السفن الأميركية المجهزة بصواريخ باليستية دقيقة فضلا عن سهولة استهدافها بواسطة الطائرات المتطورة.

لماذا تحدّث تنكسيري الآن؟

إن طهران تدرك أن استخدام قوات البسيج البحرية التي أعلنت عنها لفرض قيود على حركة المرور البحري عبر مضيق هرمز لن يكون بالسهولة التي قد يبدو عليها، وأنه قد يدفع الولايات المتحدة وحلفاءها إلى ردود تعرض البنية التحتية لتصدير النفط الإيراني بأكملها لخطر الانتقام، مثلما حدث سابقا في ثمانينات القرن الـ20، ولذا فإن ما كشفه تنكسيري يأتي في سياق تعزيز الردع.

فخلال الأيام الأخيرة كثرت التسريبات الأميركية عن إعداد البنتاغون أهدافا أولية في اليمن لضربها في حالة أمرت إدارة الرئيس جو بايدن بشن ضربات انتقامية ضد الحوثيين.

كما تزايدت الاتهامات للحرس الثوري بأنه يزود الحوثيين بمعلومات استخباراتية عن السفن الإسرائيلية بواسطة 3 سفن إيرانية تبحر حاليا في البحر الأحمر للرصد والمراقبة، وفي مقدمتهم السفينة “بيهشاد” التي حلت محل السفينة سافير التي سبق للإسرائيليين استهدافها بلغم بحري في عام 2021 بالبحر الأحمر.

الخلاصة

تهدف طهران لإرسال رسالة إلى واشنطن بأن تنفيذ عمليات عسكرية ضد الحوثيين، أو استهداف السفن الإيرانية في البحر الأحمر سيكون مكلفا، وأن لديها خيارات متعددة للرد.

ومن بين هذه الخيارات بدء استخدام قوات البسيج البحرية، والتي يمكن التنصل من المسؤولية عن أفعالها لأنها تتكون من متطوعين، ولذا جاء التلويح باتساع نطاق عملياتها من الخليج إلى ساحل تنزانيا، وهو ما يشمل بحر العرب ومضيق باب المندب.

ووفق مراقبين فلن تسمح إيران بتقليم أظافر الحوثيين بالتزامن مع الحرب على غزة التي ترفع شعار تدمير حركة المقاومة الإسلامية حماس، لأن حدوث ذلك سيعني أن الخطوة التالية هي تطويق إيران والإضرار بها بشكل مباشر انتقاما من دورها في دعم المقاومة الفلسطينية بالخبرات والسلاح والتدريب.

وتحرص طهران على التأكيد بأنها قوة مهيمنة في مياه الخليج، وطرف حاضر في البحر الأحمر وبحر العرب، وأنها قادرة على إلحاق أضرار بمصالح خصومها في حال تعرض مصالحها للضرر.

وهي تلعب على وتر الحرص الأميركي على تجنب اتساع نطاق الحرب إقليميا، وذلك لضبط إيقاع الصراع بما لا يضرها.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان + خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى