ماذا تحتاج الدول العربية لتوفير مزيد من فرص العمل لمواطنيها؟
تعد المنطقة العربية موطنا لأعلى معدلات البطالة بين صفوف الشباب في العالم، وهي بحاجة إلى توفير أكثر من 33.3 مليون فرصة عمل بحلول عام 2030.
ميدل ايست نيوز: تعد المنطقة العربية موطنا لأعلى معدلات البطالة بين صفوف الشباب في العالم، وهي بحاجة إلى توفير أكثر من 33.3 مليون فرصة عمل بحلول عام 2030، كي تكون قادرة على استيعاب العدد الكبير من الشباب الذين يدخلون سوق العمل كل عام.
ولتحقيق ذلك، تحتاج الدول العربية لتغيير جذري في أنظمة التعليم والمناهج التعليمية الحالية التي لا تنسجم مع سوق العمل المتطور وطبيعته المتغيرة.
ويشمل ذلك تعزيز أنظمة التعليم، بما في ذلك التعليم والتدريب على المهارات والتعليم الفني والمهني، وتعزيز الروابط بين التعلم وسوق العمل، وتعزيز السياسات واستكشاف الفرص مع القطاع الخاص لخلق فرص العمل ودعم ريادة الأعمال لدى الشباب، حسب ما ذكرت منظمة اليونيسيف التي أكدت أن مناهج التعليم الحالية في المنطقة العربية لا تزود الشباب بالمهارات الكافية لتحقيق النجاح في اقتصاد اليوم.
ويبلغ معدل بطالة الشباب في المنطقة ضعف المعدل العالمي تقريبا، وقد نما بمعدل 2.5 مرة أسرع من المتوسط العالمي. وحسب استطلاع للأمم المتحدة، سجلت المنطقة العربية معدل بطالة بنسبة 12% عام 2022، وهو الأعلى في العالم.
واستمرت مستويات البطالة في الارتفاع منذ ظهور جائحة كوفيد-19، خاصة بين الشباب العربي، ومن المرجح أن تواجه مصر والأردن ولبنان والسودان وتونس تحديات ناشئة عن الاقتصاد العالمي الهزيل.
ويعني المظهر الديمغرافي للشباب في المنطقة العربية أن مزيدا من الشباب يدخلون سوق العمل كل عام مع ضعف فرص العمل بشكل متزايد، وفق الباحثة بسمة المومني في تقرير لها نشرته مؤسسة كارنيغي.
وعلى أرض الواقع، تظهر استطلاعات رأي أن الشباب العربي من بين أكثر الفئات إحباطا إزاء الأوضاع السياسية والاقتصادية في بلدانهم، وغالبا ما يفكرون في هجرة أوطانهم بحثا عن فرص أفضل، وحياة كريمة عجزت بلدانهم عن توفيرها لهم.
وتسهم عوامل عدة في ارتفاع معدلات البطالة في الدول العربية.
أنظمة تعليم لا تنسجم مع سوق العمل
لا تتوافق أنظمة التعليم الموجودة حاليا في معظم الدول العربية مع سوق العمل المتطور وطبيعته المتغيرة، فهي لا تزود الشباب بالمهارات الكافية التي تعتبر بالغة الأهمية لتحقيق النجاح في اقتصاد اليوم الذي هو اقتصاد معرفي بالدرجة الأولى، حسب ما ذكر مركز كارنيغي للشرق الأوسط في ورقة بحثية له شارك بها عدد من المختصين.
وأشارت الدراسة إلى أن “الحكومات العربية لا تزال تنظر إلى إصلاح التعليم باعتباره جهدا من أعلى إلى أسفل يستمر في إدامة علاقات القوة والتفكير الاستبدادي، مما يؤدي إلى تهميش التفكير النقدي والإبداعي بين الطلاب”.
وتشمل المهارات الجديدة المطلوبة: التواصل، والإبداع، والتفكير النقدي، وحل المشكلات، والتعاون، والقدرة على التعامل مع متطلبات الأتمتة الجارية على قدم وساق في العالم وتحدياتها المختلفة. فحسب دراسة للمنتدى الاقتصادي العالمي، سيرتفع معدل الاعتماد على الآلات في كافة أنواع الوظائف إلى 52% بحلول عام 2025.
ووجدت الدراسة أن العمال الذين سيحتفظون بأدوارهم في السنوات الخمس القادمة سيتعين على نصفهم تعلم مهارات جديدة، مشيرة إلى أنه بحلول عام 2025 سيقسم أصحاب العمل أعمالهم بالتساوي بين البشر والآلات.
وسيزداد الطلب على العمال الذين يستطيعون شغل الوظائف المرتبطة بالاقتصاد الصديق للبيئة، ووظائف البيانات المتطورة، والذكاء الاصطناعي، وشغل أدوار جديدة في الهندسة والحوسبة السحابية، وتطوير المنتج وإدارته.
وتشير الدراسة إلى قصور كبير في المدارس والجامعات العربية في تبني وتدريس هذه التخصصات الجديدة، وتزويد الطلاب بالمهارات الأساسية والمتقدمة التي يحتاجها سوق العمل العالمي.
معضلة الفساد
أصدرت الهيئة الدولية لمراقبة الفساد مؤشر مدركات الفساد لعام 2022، الذي يراجع سجل الأداء في الشفافية ومكافحة الفساد في 180 دولة حول العالم.
وتراجعت غالبية الدول العربية في ترتيبها، إذ انخفض متوسط المنطقة إلى مستوى جديد بلغ 38 من أصل 100 على مقياس تشير فيه درجة الصفر إلى دولة شديدة الفساد.
واحتلت سوريا المركز الأول عربيا ضمن ترتيب الدول الأكثر فسادا في المنطقة، تلتها اليمن، وليبيا والعراق ولبنان ومصر والجزائر والمغرب وتونس والكويت وسلطنة عمان والبحرين والأردن على التوالي، في حين سجلت دول الإمارات وقطر والسعودية أفضل المعدلات في مكافحة الفساد ضمن دول المنطقة، حسب ما ذكر موقع “المونيتور”.
وتدرك الدول العربية أن الفساد يشكل أكبر عقبة أمام تحقيق التنمية، وهو أشبه بالوباء الذي يكلف اقتصادها مليارات الدولارات سنويا في غياب إرادة سياسية جادة للتغيير والإصلاح، ومشاركة فاعلة من المجتمع المدني ووسائل الإعلام، مما يفاقم عدم الاستقرار السياسي في المنطقة ويعوق تنميتها الاجتماعية والاقتصادية، حسب ما ذكرت الجزيرة نت في تقرير سابق لها.
ورغم ذلك لم تتغير حال عديد من الدول العربية طيلة عقود من الزمن، وبقي عنوان مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين شعارا ترفعه الحكومات المتعاقبة، من دون أن تنجح في إرساء آليات فعالة تحول دون استشراء الفساد في عديد من القطاعات.
اقتصاديات مركزية
تبنت معظم الدول العربية مسارا تنمويا تقوده الدولة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين، أصبحت الحكومات العربية جهة توظيف رئيسية للقوى العاملة، وهو ما أدى في النهاية إلى خلق أجهزة حكومية مترهلة، مع غياب قدرتها على استيعاب الأعداد الكبيرة من الشباب التي تدخل السوق كل عام.
وأدى هذا المسار إلى ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وانخفاض المهارات، وزيادة أوقات الانتظار الطويلة بين التخرج والحصول على أول وظيفة في القطاع العام.
كما أدى هذا النهج إلى قلة مرونة سوق العمل الذي يعتمد على الدولة بوصفها جهة توظيف مركزية، وانخفاض الدور الذي يلعبه القطاع الخاص في مكافحة البطالة، وهو ما أدى إلى تفاقم المشكلة.
وتحتاج الدول العربية غير النفطية إلى زيادة فرص العمل لاستيعاب العاطلين والوافدين الجدد إلى سوق القوى العاملة، وتشير حقيقة أن البطالة بين الشباب ظلت مرتفعة لفترة طويلة إلى أن المشكلة هيكلية إلى حد كبير، ويحتاج حلها إلى نمو مرتفع ومستدام قادر على خلق فرص العمل، بدعم من بيئة اقتصادية سليمة بعيدة عن الفساد والسيطرة المركزية للدولة، وتحفيز القطاع الخاص، كما يحتاج تحقيق هذا الهدف إلى إعادة نظر شاملة بمناهج وأساليب التعليم المتبعة، وإدخال تخصصات مواكبة بروح الثورة الصناعية الرابعة، وتأخذ بعين الاعتبار التحديات الجديدة التي تطرحها.