العراق.. هل تكسر ذي قار طوق الزراعة التقليدية؟
أنشأت منظمة الأغذية العالمية مزرعة مائية لكي تكون عينة للمزارعين في الفترات المقبلة لمواجهة التغيرات المناخية التي بدت آثارها واضحة على واقع الزراعة.

ميدل ايست نيوز: أيام قليلة تفصل محافظة ذي قار عن إطلاق أول مزرعة حقلية مختلفة تماما عن الطريقة التقليدية للإنبات، حيث أنشأت منظمة الأغذية العالمية مزرعة مائية لكي تكون عينة للمزارعين في الفترات المقبلة لمواجهة التغيرات المناخية التي بدت آثارها واضحة على واقع الزراعة والنزوح الحاصل في المناطق الريفية وخصوصا في جنوب العراق، فيما يرى مختصون أن ثقافة الفلاحين وما اعتادوا عليه يشكل عائقا أمام اعتماد هذه الطريقة.
المزرعة الحقلية لن تكون نموذجا للزراعة فقط بل هي فكرة جديدة لاستزراع الأسماك إذ يتم الاستفادة من المياه بطريقة التدوير عبر الأحواض مستخدمين الطاقة الشمسية كعنصر مهم في تغذية المزرعة بالكهرباء لديمومة عملها.
ويقول مدير زراعة ذي قار فاقد عبد الأمير، إن “المباحثات السابقة والمراسلات مع منظمة الأغذية العالمية جاءت بنتائج جيدة عبر الموافقة على إنشاء مدرسة حقلية للزراعة المائية داخل المديرية وعلى مساحة واسعة لتكون بذلك انتقالة جديدة في المجال الزراعي ومواجهة التغيرات المناخية وشح المياه التي نعاني منها والانقطاعات الحاصلة في التيار الكهربائي”.
ويضيف “هذا النوع من الزراعة التي تكون داخل أقفاص محكمة يعتمد بشكل أساسي على المياه دون التربة من خلال أنابيب تحتضن البذور المراد زراعتها يتم تغذيتها عبر مصادر مائية محددة بالأحواض ويجري تدوير المياه بشكل مستمر وإذا تطلب إضافة كمية مائية فتكون محدودة وإضافة العناصر الغذائية الرئيسة للمياه التي يحتاجها النبات”.
ويلفت عبد الأمير إلى أن “أولى إيجابيات هذا المشروع هو عدم استهلاك المياه كما هو الحال في الطرق السيحية المعتمدة باستخدام التربة، والحد من تعرض النباتات للفطريات والحشرات التي تأتي من التربة، وأيضا لا يستخدم فيها المبيدات كما هو المعتاد، وبالتالي ستكون زراعة صديقة للبيئة، وكذلك يمكن إنتاج أي نوع من المحاصيل في أي وقت مع استخدام الخلايا الشمسية لتوفير الطاقة الكهربائية”.
ويتابع أن “الأمر لم يقتصر على الزراعة فقط بل يمكن الاستفادة من هذه المياه لتربية الأسماك في أحواض مجاورة إلى جانب هذه النباتات المستزرعة عبر تدوير المياه إلى النباتات وهكذا، كما أن كمية المياه المستهلكة محدودة وليس كميات كبيرة كما هو الحال في زراعة التربة، وأولى النباتات التي سيتم استخدامها هي الباميا والباذنجان والبطاطا، لذا تكون وسيلة عملية أمام جميع فلاحي المحافظة لملاحظة كيفية استخدام الزراعة المائية وتوظيفها بالشكل الصحيح”.
يشار إلى أن هذا المشروع سبقه آخر مشابه تم افتتاحه في جامعة البصرة العام الماضي للزراعة المائية وتربية الروبيان، ويصنف على أنه من البرامج الزراعة المستدامة.
وبهذا الصدد، يوضح المختص في مجال الزراعة صالح هادي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الزراعة المائية تستخدم في أماكن لا تتوفر فيها التربة الصالحة للزراعة، أو في أسطح المنازل، وفي أقفاص معينة ويستخدمها المصريون كنوع من تشجير المنازل وزيادة الغطاء النباتي وذات مردود جيد للعوائل أو مناطق معينة”.
ويلفت إلى أن “هذا النوع من الزراعة لا يمكنه معالجة شح المياه، إذ أن المستخدم بها هو المياه ومحاليل معينة وفق نظام مغلق، ولكن ممكن أن يعوض هذا النوع من الزراعة بعض الأراضي الهامشية غير المستخدمة، حيث تتحول إلى محميات”.
يذكر أن بحوثا علمية أكدت أن الزراعة التقليدية باتت تواجه مشاكل في سد الحاجة الغذائية نتيجة التغيرات المناخية وتلوث المياه وتدهور التربة، لذا برزت الحاجة إلى إعادة النظر في الطرق المستخدمة بالزراعة وإيجاد بدائل تتجاوز هذه المشاكل وكيف من الممكن الاستغناء عن التربة في الزراعة، لذا تم اللجوء إلى الزراعة المائية والتي يمكن من خلالها استزراع النباتات في مساحة صغيرة ومياه أقل تصل إلى 90 بالمئة من المستخدمة في الزراعة التقليدية.
كما أن الزراعة المائية أسرع بالإنبات بنسبة 25 بالمئة مما هي عليه في التربة لبقاء جذورها فترة أطول مغمورة بالمياه وتوفر العناصر الغذائية المطلوبة والحفاظ على كمية مياه محددة.
وترى المختصة في مجال الجغرافية البيئية منار ماجد، أن “هناك عوامل كثيرة لإنجاح هذا النوع من الزراعة، في مقدمتها ثقافة المزارع في المحافظة، وهل يمتلك القناعة الكافية للانتقال إلى هذا النوع من الزراعة والتعامل معها، بالإضافة إلى أن العامل الأساسي في نجاح هذه المشاريع هو نقاوة المياه وأن تكون مثالية وغير ملوثة، مع إضافة الغذاء اللازم الذي يحتاجه النبات من المغنيسيوم والفسفور والبوتاسيوم وغيره وبمقادير معينة، وأيضاً توفر طاقة كهربائية دائمية مع أجواء رطبة فإذا ما توفرت هذه الأمور ستنجح بلا شك”.
وتبين أن “هذه المشاريع يمكن أن تكون بديلا مهما في إنتاج محاصيل معينة لسد الحاجة المحلية للمحافظات وبعض المدن والاستفادة من كمية المياه الأخرى في إنتاج المحاصيل الإستراتيجية الرئيسية، ولم تثبت الدراسات أنه يمكن تطبيق هذا النوع من الزراعة على المحاصيل الرئيسية كالقمح إذ تحتاج إلى مساحات كبيرة واهتمام واسع وهذا لا يمكن حصره في مساحة محددة”.
وكانت الأمم المتحدة قد ذكرت في تقرير لها أن العراق يخسر سنويا ما يقارب 25 ألف هكتارا زراعيا بسبب تدهور وضع التربة، و39 بالمئة من الأراضي الصالحة للزراعة أصابها التصحر، كما أن 54 بالمئة من الأراضي الزراعية المتبقية مهددة بسبب التغير المناخي.
بدوره يؤكد المزارع أبو حسين في ذي قار، الذي يمتلك نحو 15 دونما يزرع نصفها فقط، أنه “ليس لدي أي فكرة عن الزراعة المائية والطرق المستخدمة بها، ولكن إذا كان لها مردود إيجابي يمكن التحول إليها”.
ويشترط “لكن يجب على الدولة أن تقدم لنا الدعم مثل توفير قروض مالية من دون فوائد، أو تكون بفوائد مخفضة، وهذا سيشجع مئات الفلاحين على التحول إلى هذا النوع من الزراعة”.
ووفقا للعلماء والمختصين فإن الزراعة المائية طريقة حديثة لا تنمو فيها النباتات في التربة، ولكن مباشرة في الماء بمكونات معدنية خارج التربة، ولها فوائد عديدة منها زيادة الإنتاج بشكل كبير مقارنة بالطرق الزراعية التقليدية، كما أن النباتات تعاني من مشاكل أقل مع
الفطريات والحشرات والأمراض، إضافة إلى انخفاض كمية المعادن الثقيلة أو المبيدات الحشرية التي تتراكم في أنسجة النبات التي تزرع في التربة.
وأكد علماء وباحثون شاركوا في مؤتمر “التكنولوجيا الخضراء 2021” الذي عقد بمدينة أمستردام الهولندية في نهاية أيلول سبتمبر 2021 على أن المستقبل هو للزراعة المائية.



