من الصحافة الإيرانية: إيران ودول الجوار.. حالة استثنائية

رغم كون إيران مسلمة على غرار جيرانها، إلا أنها تتمتع بحضارة لحقب ما قبل الإسلام وهوية عرقية وثقافية ولغوية وقومية متميزة.

ميدل ايست نيوز: لطالما كانت علاقات إيران مع دول الجوار محور اهتمام الرأي العام في الجمهورية الإسلامية. ورغم كون إيران مسلمة على غرار جيرانها، إلا أنها تتمتع بحضارة لحقب ما قبل الإسلام وهوية عرقية وثقافية ولغوية وقومية متميزة.

منحت تلك الجوانب الشعب الإيراني حسا وطنيا مميزا، حتى لو كان يتقاسم عناصر هوية كبيرة مع دول الجوار. واليوم تعد إيران الدولة الوحيدة الناطقة بالفارسية ذات الأغلبية الشيعية في المنطقة، والتي يستخدم العديد من المثقفين الإيرانيين عنوان “العزلة الاستراتيجية” لوصف الوضع الاجتماعي والثقافي فيها.

وفي ظل الجدل الدائر حول الدور الذي تلعبه إيران في المنطقة، تظهر التداخلات بين الهوية الإيرانية والدول المجاورة لها، لاسيما فيما يتعلق بالمذهب الشيعي واللغة الفارسية، والتي فرزت بعض المزايا والعيوب أمام إيران في علاقاتها الدولية.

فمن ناحية، سمح موقع إيران باعتبارها الدولة الشيعية الأكبر والأكثر نفوذا – وأيضا وريثة الإيديولوجية الثورية – لإيران بممارسة نفوذها على المجتمعات الشيعية الأخرى في المنطقة، بما في ذلك في العراق ولبنان وأفغانستان. ومن ناحية أخرى، فمن خلال ربط مصير إيران بالعلاقات الدولية، فكما تؤثر الأخيرة على جيرانها، فإن جيرانها يؤثرون عليها أيضاً.

يمثل خفض التصعيد بين إيران والعديد من اللاعبين الرئيسيين في منطقة الخليج، بما في ذلك السعودية والإمارات، تحولاً واعداً في استراتيجية إيران في الشرق الأوسط. فمن وجهة مسؤولين إيرانيين، فقد دعمت هذه الدول مسبقا “بلقنة” إيران بهدف تجزئتها.

وقد قامت دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تنشط كمَنفذ رئيسي لإيران للحصول على السلع الغربية وتستضيف العديد من شركات الصرافة الإيرانية والتي تلعب دورا مهما في الالتفاف على القيود المالية التي يفرضها الغرب، بتشديد القواعد التنظيمية للتجار الإيرانيين من وقت لآخر. ولهذا السبب، كان السلام مع الدول العربية بمثابة تطور إيجابي بالنسبة لإيران.

إذن، شهدنا في السنوات الأخيرة تحسنا ملحوظا في علاقات إيران مع الدول الجنوبية لبلادها على عكس الشمال. فقد قلصت هزيمة أرمينيا في حربها مع أذربيجان النفوذ الإيراني في منطقة القوقاز. بالإضافة إلى ذلك، قامت جمهورية أذربيجان في السنوات الأخيرة بتوسيع علاقاتها بسرعة مع منافسي إيران الإقليميين، وتحديدًا إسرائيل وتركيا.

وفي حين تراقب طهران التطورات في الشمال، فإن الوضع في الشرق وفي أفغانستان خصوصا والتي تحكمها جماعة طالبان ليس واعداً جداً، إذ احتدم الصراع بين الجارتين على حصة مياه نهر هلمند مع سيطرة حركة طالبان على أفغانستان. كما أدت الخلافات الحدودية في إلى تبادل إطلاق النار بين القوات الحدودية للجانبين، مما أدى إلى سقوط ضحايا. والتحدي الأهم في هذا الصدد هو أن السياسة العسكرية الإيرانية ليست مُصممة لمواجهة جماعات مثل طالبان.

وعلى مدى العقدين الماضيين، ركزت طهران على تطوير القدرات العسكرية الرادعة مثل الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية القادرة على تدمير هدف ثابت ومرئي. وقد نجحت مثل هذه الأسلحة في ردع الجهات الحكومية بشكل فعال عن مواجهة إيران، لكنها كانت أقل فعالية على ما يبدو ضد الجماعات المسلحة والميليشيات مثل حركة طالبان.

ولدى إيران أيضاً أسباب وجيهة للقلق بشأن التوترات مع باكستان. ففي عام 2021، انضمت باكستان إلى تركيا وجمهورية أذربيجان في مناورة عسكرية مشتركة تسمى “الإخوة الثلاثة 2021″، مما أثار مخاوف طهران من ظهور تحالف ثلاثي بين الدول الثلاث يمكن أن يتحدى إيران على طول الحدود المتعددة.

وقد خلق العراق أيضًا مجموعة من التحديات لطهران. فبعض العراقيين لا يقبلون تزايد نفوذ إيران في بلادهم. وأدت هجمات الفصائل الشيعية المقربة من إيران في العراق ردا على تصعيد الهجمات الإسرائيلية في غزة إلى تأجيج تمركزات القوات الأمريكية في المنطقة في ظل الأزمة التي يعيشها العراق. وبينما لا تزال إيران تشعر بالقلق بشأن مصالحها السياسية في العراق، حدثت تطورات أخرى في إقليم كردستان شمال العراق زادت من قلق إيران بشأن حدودها الغربية.

وبينما تظهر التوترات على طول الحدود الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية لإيران، من غير المنطقي الحديث عن تقليص دور إيران الإقليمي. فصحيح أن الهوية التاريخية ساهمت في عزلتها، لكنها ليس وحيدة.

وإلى جانب الحفاظ على الهوية الإيرانية الفريدة، فإن هذا البلد يشترك في العديد من القواسم الثقافية والدينية مع المجتمعات المجاورة، وخاصة السكان الشيعة في دول مثل العراق وأذربيجان وباكستان وأفغانستان. توفر هذه القواسم المشتركة العديد من الفرص لإيران لممارسة نفوذها في الخارج. فعلى مر التاريخ، أظهرت إيران مرونتها في إدارة الصراعات الإقليمية باستخدام مواردها المتاحة.

 

أرمان محموديان
مرشح دكتوراه في العلاقات الدولية في جامعة جنوب فلوريدا

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية عشر − سبعة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى