هل يكره الإيرانيون العرب؟

نظرة الإيرانيين الى العرب تختلف حين يحضر اسم فلسطين، فتقف "الصحافة الإيرانية عامة مع القضيّة الفلسطينية وكذلك الناس.

ميدل ايست نيوز: في كتاب ندى الأزهري “عربيّة في إيران/ الإيرانيون كما لم نعرفهم” الصادر حديثا عن “دار الساقي” في بيروت والذي يجمع بين أسلوب اليوميات والذكريات والمقالة الصحافية، نجد خيطا يجمع بين مختلف المواضيع المطروحة وهو علاقة إيران بالعرب. هذا الخيط بدا من خلال تسجيل الكاتبة السورية الفرنسية انطباعات إيرانيين وإيرانيات حول العرب وثقافتهم، أو مقارنتها بين الواقع الإيراني الذي عاشته خلال أربعة أعوام وبعض العادات والمدن العربية، مثل دمشق.

وإذا ما تتبع القارئ هذا الخيط في الكتاب، فإنه قد يصل إلى أسئلة عن طبيعة هذه العلاقة وإشكالياتها، بل إنّه قد يجد نفسه أمام تساؤل حول ما إذا كان الإيرانيون يكرهون العرب؟ وإلى أي حد يجوز التعميم وطرح مثل هذا القول/السؤال؟ وهل يمكن القول بوجود كره متبادل له تاريخه وأسبابه؟

علاقة معقدة

هذه الأسئلة تبدو لافتة وغير اعتيادية في وقت تبدو فيه إيران الفاعل الأبرز في لبنان وسوريا والعراق واليمن وغزّة فلسطين. فماذا ترى الكاتبة ضمن هذا الخيط؟

تقول الكاتبة والناقدة السينمائية إنها “منذ أول يوم، لمست هذه العلاقة الشديدة التعقيد التي تربط بين العرب والفرس. يبسّطها بعضهم بوصفها كراهية متبادلة. حين معرفتنا بتعليقات الطرفين أحدهما تجاه الآخر تُمكنُنا ملاحظة أن فئات واسعة من الجهتين سواء أكانت شعبية أم مثقفة تلتقي في نظرتها إلى الآخر”.

تنوه الكاتبة في البداية إلى أنها تحاول أن تبقي كتابتها “متجرّدة تماما في دوافعها من أي نوع من أنواع التحيّز”، وهي لا تخفي اهتمامها بإيران وحضارتها القديمة، وكانت قد تعلّمت في مناهج حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا أن “عوامل سقوط الخلافة العباسية عدة، وأن أهمّها: تغلغل العنصر الفارسي في الحكم”. كما سمعت من قبل مفردات وإن لم تهتم بها مثل “الصفويين، المجوس، عبدة النار”. وكيف كانت الكتب المدرسية تصبغ “على كلّ الفلاسفة والحكماء الهويّة العربية متناسين أن معظمهم من الفرس”.

وهنا تأتي الأسئلة عن الإسلام في إيران، إذ لم تكن معالمه واضحة لديها، فالكاتبة كانت “مهتمة بدراسة وضع المرأة في الإسلام أكثر من الاهتمام بالمذاهب والملل”، ولا تفرق بين السنّة والشيعة، إلا أن هذا الإسلام يندرج ضمن إسلام آخر في بلدان مثل باكستان وماليزيا، حيث يردّد البعض “أن المسلمين غير العرب أدخلوا البدع على الإسلام وهم لا يفقهون فيه” كما يفقه العرب، من منطلق أنّ هؤلاء هم “خير أمّة”.

تخيّلات

ترى الكاتبة أن ما يقوله الفرس عن العرب غير معروف، “وربما احتوى على تخيلات كثيرة”. وأنها كانت على اقتناع بأن “نكون معا وإن كإخوة أعداء، إذ تجمعنا حضارة كانت يوما واحدة”. لكنها صارت تدرك اليوم “أن هذا قد يبدو مستحيلا بعد التطورات السياسية الأخيرة في العالم العربي”. فبعد سنتين من إقامتها في طهران، راودها “شعور يائس من إمكان التعايش بين العرب والفرس”، وكانت تتساءل باستمرار عن “سبب هذا النفور الغريب بل سوء الفهم المتبادل، وهذه الأفكار المعششة التي تتطاير بعد اقتراب ومعاشرة”.

وعلى الرغم من أن الإيرانيين لا يستخدمون العربية إلا لقراءة القرآن والصلاة، تنقل الكاتبة رأيا لأستاذ إيراني يعتقد فيه أن العرب فرضوا كتاباتهم على الفرس، وأن هناك من يقول إن الفرس اختاروا الإسلام واللغة العربية وهناك من يقول إنهما فرضا عليهم. وتحفل الفارسية بمفردات عربية بنسبة 50% إلى 60%. وتشير إلى قول أستاذ جامعي آخر يرى أن رفض كل ما هو عربي “غباء”. وأن “الإيرانيين لم يغفروا للعرب جلبهم الإسلام إلى بلادهم”. وتقول سيدة إن “العرب غزونا وأحرقوا مكتباتنا”. فيما رأى آخر أن كلّ إيراني صارا مرتبطا بهذا الدين وأن بعضهم لا يدرك أن “الكثير من التعاليم الزرادشتية متوافرة في الإسلام”، فقد نقلت “أشياء كثيرة من الزرادشتية. الثقافة بقيت نفسها لكن الدين هو الذي تغيّر فقط”.

وبينما نجد بعض الإيرانيين “معجبا بدبي وبالازدهار الذي حققه أهل الخليج”، نلاحظ أن بعض العرب لا يحب العيش في طهران أو يأتي إليها كسائح، كما عبّر ديبلوماسي خليجي وشاب لبناني. فالأوّل “لمّح إلى مشقة التعامل مع الإيرانيين”، والثاني استغرب حين قالت له إنها ذاهبة للسياحة في إيران، حيث تساءل: “معقول؟ تمزحين! سياحة في إيران؟”.

لا تنكر الكاتبة أن “الاستقرار في طهران كان صعبا للغاية إنما ليس للأسباب نفسها التي لدى الديبلوماسي العربي”. نقرأها وهي تصف بعض البائعين بـ”قلّة اللياقة واللطف”، لكن لا أحد “يصيح في إيران أو يعبّر صراحة عن استيائه”. وتتذكّر “كيف كان السوريون يعاملون الأجنبي بكل حفاوة ويهتمون به”، لكنّها في مكان آخر تتذكّر أن تعامل رجال الأمن السوري في مطار دمشق مع الإيرانيين، قبل الحرب بسنوات، كان “بعيدا تماما من كلّ احترام ولباقة”.

فلسطين

لكن نظرة الإيرانيين الى العرب تختلف حين يحضر اسم فلسطين، فتقف “الصحافة الإيرانية عامة مع القضيّة الفلسطينية وكذلك الناس، وحين تشنّ إسرائيل حربا على غزة تمتلئ شوارع طهران بلافتات متضامنة معها، كما تُجمع التبرعات في صناديق خاصة للمدينة المظلومة”. وكانت هناك “جدارية ضخمة رسم عليها الشيخ أحمد ياسين مؤسس ‘حماس'”. وتنظم تظاهرات شعبية للتنديد بما يجري في غزة. لكن مع هذا هناك من يعترض على إهدار المال من أجل فلسطين ولبنان والعراق ويرون أنهم أولى بأموالهم، حسب ما تنقل الكاتبة.

في الشوارع تلاحظ الكاتبة لوحات مرسومة لشهداء إيران في الحرب العراقية- الإيرانية على بعض الأبنية، وشعارات تناجي “الحسين المظلوم”. وهناك أعياد دينية تتعلّق بشخصيات دينية مثل “الزهراء” وجعفر الصادق والإمام الخميني إلى جانب يوم عاشوراء. وبالنسبة إلى عيدي الفطر والأضحى، فلا “بهجة للعيدين ولا احتفال بمعنى الاحتفال، ثمة يوم عطلة وتهاني بالعيد، وهذا كلّ شيء”. أمّا التحضيرات في “تعزيل البيوت وطهو الطعام وخبز الحلويات وشراء الملابس الجديدة وفرح الأطفال والزيارات العائلية” فكلّها “لعيد واحد لا غير: النيروز”. وبهذا العيد تخلو طهران من سكانها في عطلة هي من أطول العطل في إيران.

تصف باندهاش زيارة ضريح الإمام الرضا في مشهد وجلسات الدعاء، وكذلك عيد النار والكنائس في عيد الميلاد. وتزور أصفهان وشيراز، موطن حافظ الشيرازي، وألموت قلعة حسن الصباح التي بقي فيها طوال 35 عاما حتى وفاته.

تتحدّث الكاتبة عن تقيّد النساء بلبس “محتشم”، تعاقب هيئة “الإرشاد” أي تجاوز له ولو كان خروج بعض الشعيرات من تحت الحجاب. كما تراقب عروض الملابس وحلاقة شعر الشباب. والحال نفسه في مراقبة الصحافة والأدب والسينما التي لا يسمح فيها بتصوير ملامسة الرجل للمرأة ولو كان الدور التمثيلي لابن وأمه أو زوج وزوجته.

وتلاحظ أن معظم الإيرانيين لا يصومون في رمضان، ويقولون “إن الناس كانوا يصومون أيّام الشاه لكنهم الآن لا يلتزمون لأنهم يشعرون أن الأمر مفروض عليهم”. مع هذا يحافظون على عدم إظهار أكلهم، ويبدو “الازدحام قبل الإفطار شبيها بما نجده في دول عربية”. وحسب القانون الإيراني، فالرجل إذا أراد الزواج من ثانية لا بد من الحصول على موافقة زوجته الأولى.

وتشير إلى كرم الإيرانيين وتهذيب السائقين وكثرة كلامهم وأسئلتهم، إلاّ أنها تلاحظ أيضا تحفظ الكثيرين من الإيرانيين وهي صفة رأتها “مناقضة تماما للحرارة العربية في التعبير”.

ولا تنسى القول إن معظم من تقابلهم، يدافعون عن حق بلدهم في تحقيق برنامج الطاقة النووية (الطاقة وليس السلاح)، حتى أولئك الذين يكرهون السلطة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
المجلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 + أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى