من الصحافة الإيرانية: دور “جغرافية إيران” وأثرها في تطوير ممر الشمال-الجنوب

جغرافيا إيران التجارية، لا تسمح لها باختيار موقف أو كتلة سياسية. فمناطق إيران وتركيا الجغرافية مثلا، والتي تعتبر مناطق جغرافية متوسطة، تحتاج إلى علاقات سليمة وقليلة التوتر مع الأطراف الأخرى.

ميدل ايست نيوز: يعتقد البعض أن طريق الحرير قد اختفى، لكن الأمر ليس كذلك، فصحيحٌ أن دور هذا الممر التجاري قد تلاشى بعد أن استحوذ الغرب والدول المستعمرة على غالبية التجارة العالمية عبر الممرات البحرية، لكن مشروع الصين “حزام واحد وطريق واحد” أصبح الآن بمثابة طريق الحرير ذاته الذي تريد الصين إحياءه. ووفقا للتقديرات، تعتبر التجارة عبر الممرات البرية أكثر اقتصادا وأرخص بحوالي 70-75٪ من التجارة البحرية.

ألف العديد من العلماء في مجال الجغرافيا السياسية العشرات من الكتب وأشاروا إلى نقاط جغرافية مهمة، والتي طالما رأيناها ونشهد خلافات حول تلك الجغرافيات، وتطرقوا إلى الحتمية الجغرافية التي تحكم هذه النقاط.

ولكل جغرافيا ظروف بسبب تواجدها في منطقة (جغرافية) محددة والقيود والامتيازات التي تمنحها الجغرافيا لذلك البلد.

سياسيا، كانت جغرافية إيران تجارية لعدة قرون وعلى مدى عدة آلاف من السنين، وقد لُقب مفترق الطرق التجارية في العالم بطريق الحرير.

إذن، فجغرافيا إيران التجارية، لا تسمح لها باختيار موقف أو كتلة سياسية. فمناطق إيران وتركيا الجغرافية مثلا، والتي تعتبر مناطق جغرافية متوسطة، تحتاج إلى علاقات سليمة وقليلة التوتر مع الأطراف الأخرى، وعلى هذا الأساس يجب أن تحدد هدفها الرئيسي وهو “التجارة”.

تتمتع جغرافية إيران بموارد عديدة وضخمة، لكنها تعاني الأمرين من المشاكل المائية والبيئية. ولكي تتمكن بعض الأطراف من ربط نفسها بأطراف أخرى من خلال الارتباط بجغرافيا إيران فيجب أن تعتمد الأخيرة أكثر من أي شيء آخر على امتياز التجارة. على سبيل المثال، يمكن القول: إن الطريقة الأكثر منطقية وفعالية من حيث التكلفة لربط الصين بالقرن الأفريقي والبحر الأبيض المتوسط ​​وأوروبا هي عبر إيران، والطريقة الأكثر منطقية وفعالية من حيث التكلفة لربط أوروبا بالهند والصين ودول الخليج والدول المحيطة وآسيا الوسطى هي عبر إيران. مفترق طرق بالمعنى الحقيقي. وهذه الجغرافيا ستجلب المنفعة لإيران. لكن كيف ستصل الأخيرة إلى هذه المنفعة بالطريقة المثلى؟ الغرب يتصرف على أساس التجارة ويراعي مصالحه إلى حد ما، فمصالحه تتطلب ذلك، إذن يجب أن تبذل إيران قصارى جهدها لاتخاذ إجراءات معنية من أجلها إعفاء الهند من العقوبات الحالية المفروضة على إيران.

وعليه، تخلق الثقة في التجارة مع إيران بالنسبة للهند وتعفى من العقوبات حتى تتمكن منتجاتها من الوصول إلى أوروبا بسرعة وبتكلفة اقتصادية عبر الأراضي الإيرانية. ويمكن أن نرى من وجهة النظر هذه أن الغرب لديه خطة طويلة المدى لجغرافية إيران، وجغرافية إيران أكثر أهمية بالنسبة للغرب منها بالنسبة للشرق.

بالنسبة للغرب، تعتبر إيران ذات أهمية جغرافية كبيرة، وأهميتها ليست مثل أهمية أفغانستان. جعلت أمريكا من أفغانستان أرضا محروقة لأنها لم تكن مفيدة لها على المدى البعيد، وبسبب مجاورتها للصين، تركتها معرضة للتهديدات بخلق مشكلة أمنية (حركة طالبان) لكي تؤرق مشروع الحزام والطريق الصيني، فإذا لم تستطع تدمير أفغانستان عبر سياسة الأرض المحروقة، فعلى الأقل سعت لتأخير المشروع الصيني. اليوم توجد 3 أساطيل من أصل 5 في الفلبين وملقا ومخرج بحر الصين. ومن ناحية أخرى، مع إعفاء الهند من العقوبات يستفيد الطرف الأمريكي أيضا، لأن الصين تساعد إيران على الالتفاف على العقوبات من خلال شراء النفط الإيراني (شرائه بسعر مخفض وأرخص)، والآن ستستفيد الهند من هذا الإعفاء وسيكون خطوة إلى الأمام في ميزان الصين. لأنه سيطغى على صادرات الصين مع أفغانستان وأساطيلها، ومن ناحية أخرى، سيتم نقل صادرات الهند إلى أوروبا بسهولة أكبر.

لذا، ففي ما يتعلق بإيران، هناك نقطة مفادها أن جغرافيتها تشكل قيمة طويلة الأمد بالنسبة للغرب، على الرغم من الصراع القائم والتوترات مع طهران.

على الضفة الأخرى، إن ربط ممر الشمال-الجنوب من ميناء تشابهار الإيراني إلى سان بطرسبرج الروسي من شأنه أن يشرك روسيا في هذا الممر وهذه الإستراتيجية، وستشعر الصين أيضاً بالتهديد بسبب هذه الخطوة. وهنا سيكون هناك انقسام بين الصين وإيران وروسيا، وستكون الصين في عزلة، لكنها عندما تخرج من العزلة سيكون رد فعلها أكثر على هذه القضية. تركز الصين في الفترة الحالية بشكل أكبر على العرب، وأفريقيا، وأمريكا الجنوبية، ومنطقة البحر الكاريبي، وسوف تغير نهجها بعد تقليل تركيزها على هذه المناطق.

بالتالي، من خلال إدراك جغرافية إيران وتبني نهج واقعي وحكيم، يمكن لطهران تحقيق أقصى استفادة من ذلك. وصحيح أن الدول المطلة على طرق التجارة العالمية في القرون القليلة الماضية كانت تسير على طريق التطور والتقدم، لكن أفغانستان والعراق وسوريا وإيران اليوم قد أطيح بها من هذه المسارات الحيوية، لكن مع إنشاء هذا الممر ستدخل إيران طرق التجارة مجددا وتضع نفسها عمليا في فلك التجارة الغربية.

وافقت الجمهورية الإسلامية على أن يمر الممر المذكور أعلاه عبر أراضي إيران بهدف الإشراف عليه وتحقيق الأرباح. إحدى الحساسيات التي تعاني منها طهران فيما يتعلق بسياستها الخارجية هي السيطرة الدائمة على الممرات. هذه الحالة ستجلب لها نفعية مزدوجة. بمعنى أنها ستكون مشرفة على هذا الممر وغير رغم كل التوترات القائمة مع الغرب والسبب الوحيد لذلك هو “جفرافية إيران”.

ستجلب هذه التجارة النمو لإيران وتقلل من حدة مشاكها الإقليمية والعالمية. لذلك، من الأفضل لإيران أن تتصرف بحكمة أكبر وتتبع سياسات أقل توتراً وتعمل على ترسيخ وجودها في الممر المذكور بشكل سريع لكي تكتسب مزايا أخرى وتطور بنيتها التحتية من خلال جذب استثمارات جديدة.

محمد شفيعي
ماجستير في العلاقات الدولية في جامعة جيلان

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

11 − ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى