تباين بشأن حكومة بزشكيان يدفع ظريف لـ”العودة إلى الجامعة والتدريس”
ظهرت مؤشرات على خلافات عميقة بين الرئيس بزشكيان وبين حلفائه الإصلاحيين والمعتدلين، بعدما قام بتسمية 8 من أصل 19 حقيبة وزارية لسياسيين محسوبين على التيار المحافظ.
ميدل ايست نيوز: تباينت ردود الأفعال في إيران حيال التشكيلة الحكومية التي قدّمها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان. وظهرت مؤشرات على خلافات عميقة بينه وبين حلفائه الإصلاحيين والمعتدلين، بعدما قام بتسمية 8 من أصل 19 حقيبة وزارية لسياسيين محسوبين على التيار المحافظ.
وأبدت «جبهة الإصلاحات»، الإطار التنسيقي لأطراف التيار الإصلاحي، تحفظاً ضمنياً إزاء التشكيلة، قبل ساعات من إعلانها رسمياً تحت قبة البرلمان.
وقالت آذر منصوري، رئيسة «جبهة الإصلاحات» عبر منصة «إكس»: «كنا قلنا في رسالة جبهة الإصلاحات إلى الرئيس: في المرحلة الأولى من تشكيل الحكومة، لا تدع التعيينات الخاصة والإجراءات غير السليمة تؤدي إلى استبعاد الكفاءات وإحباط الناس من اختيارهم، خاصة أولئك الذين كانوا مترددين في التصويت لك حتى يوم الاقتراع».
وفي نفس السياق، نقلت وكالة «إيلنا» الإصلاحية عن النائبة الإصلاحية السابقة بروانة سلحشوري قولها إن «بزشكيان رسب في أول امتحان له، باستثناء حالات نادرة».
وأضافت: «الحكومة التي تشكلت ليس أساسها الكفاءة والتخصص واستشارة الفرق واللجنة الاستراتيجية، بل على أساس المحاصصة والتدخلات الصريحة من قبل هذا وذاك».
وحذّرت سلحشوري، بزشكيان، قائلة إن «التجربة العالمية أظهرت أن عمر مثل هذه الحكومات قصير، ولا تصل إلى نهايات جيدة».
وانتقد النائب السابق، جليل رحيمي جهان آبادي، التشكيلة الحكومية المقترحة من بزشكيان. وانتقد النائب الذي ينحدر من مدينة تربت جام وحيدرية، ذات الأغلبية السنية في شرق البلاد، عدم وفاء بزشكيان بوعوده في تسمية وزير من أهل السنة.
وكتب عبر منصة «إكس»: «فخامة الرئيس، تم منح 8 وزارات للمحافظين الذين وقفوا ضدك وضدنا ولم يختاروك. بينما لم تُخصص وزارة واحدة لأهل السنة الذين دعموك وحركة الإصلاحات بصدق. أين الوفاق الوطني في هذه الحكومة؟ ألسنا جزءاً من الشعب الإيراني؟».
على خلاف الانتقادات، قال حسين مرعشي، الأمين العام لحزب «كاركزاران» (كوادر البناء)، فصيل الرئيس الأسبق، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، إن «الحكومة التي قدّمها بزشكيان إلى البرلمان تختلف بنسبة 50 في المائة عن الحكومة التي قدّمتها اللجنة الاستشارية برئاسة ظريف».
وأضاف: «جزء من هذا الاختلاف يعود إلى استعلامات الأجهزة الأمنية، وهو إجراء قانوني، حيث تم رفض بعض الأفراد. كما أن السيد طبيبيان أخذ في اعتباره توجهات البرلمان في تشكيل جزء من الحكومة».
وتابع مرعشي أن «الحكومة التي قدمها بزشكيان هي حكومة ممكنة، بينما كانت الحكومة التي اقترحتها اللجنة كانت حكومة مثالية». وأضاف: «بالتأكيد هناك فرق بين الحكومة المثالية والحكومة الممكنة. ما حدث كان نتيجة للقيود والظروف التي واجهها بزشكيان. بشكل عام، أنا راضٍ عن التشكيلة العامة للحكومة، ولكن هناك بعض النواقص في بعض الوزارات التي قد تجعل عمل الحكومة أكثر صعوبة».
ودافع عن إبقاء وزير الاستخبارات إسماعيل خطيب، قائلاً: «لا بد أن هناك مصالح عليا كانت وراء قرار بزشكيان».
وفي إشارة إلى سبب عدم تقديم مرشحين من أهل السنة، قال مرعشي: «ليست لديّ معلومات دقيقة، ولكن وجود وزيرة في الحكومة هو من النقاط الإيجابية، وغياب وزير من أهل السنة هو من نواقص الحكومة».
واختتم مرعشي بالإشارة إلى ارتفاع متوسط الأعمار في قائمة الحكومة الرابعة عشرة المقترحة، قائلاً: «هذا النقص ناتج عن عدم تربية الكوادر الشابة».
استقالة ظريف!
وقبل ذلك بساعات، انتشر خبر استقالة محمد جواد ظريف من منصب نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية، وهو منصب جديد لم يكن موجوداً ضمن المناصب التي حول الرئيس الإيراني. وكان ظريف مسؤولاً عن اللجنة الاستشارية التي جرى تشكيلها مؤقتاً للإشراف على اقتراح الوزراء.
وساهم ظريف قبل ذلك بشكل كبير في فوز بزشكيان على منافسيه المحافظين في انتخابات 28 يونيو (حزيران) الماضي، وجولة الإعادة في 5 يوليو (تموز).
ومساء الأحد في منشور على “إنستغرام” لوح ظريف باستقالته من منصبه، الذي لم يمض على تقلده سوى أسابيع احتجاجا على التشكيلة المقترحة.
وقال ظريف إن “من بين 19 وزيرا مرشحا وهو عدد أعضاء المجلس الوزاري، كان ثلاثة منهم فقط من المرشحين الرئيسين للجان المجلس، و6 منهم لم يكونوا مرشحين رئيسيين وكانوا مرشحين من الدرجة الثانية أو الثالثة وواحد منهم مرشح من الدرجة الخامسة”.
وأكد ظريف أنه “خجل من عدم قدرته على تحقيق وعده بتطبيق آراء الخبراء في اللجان وإشراك النساء والقوميات” في الحكومة. ويقصد من مشاركة القوميات هو إشراك الطائفة السنية في الحكومة، حيث لا تتضمن القائمة المقترحة أي وزير سني عكس وعود الرئيس الإيراني في حملته الانتخابية ووعود مقربين منه أمثال ظريف. وذكرت وسائل إعلام إيرانية أن القائمة التي اقترحها المجلس الاستشاري للرئيس تضمنت أسماء سنية لكنها أقصيت من التشكيلة التي قدمها بزشكيان للبرلمان.
ودعا ظريف إلى “التعويض عن هذا النقص في بقية معاونيات رئيس الجمهورية” الشاغرة، مقدما اعتذاره للشعب الإيراني ومعلنا عودته إلى الجامعة للعمل في سلك التدريس.
وحسب تقارير إعلامية فإن 8 من أعضاء تشكيلة الحكومة المقترحة من أصل 19 حقيبة وزارية من المحافظين، وخاصة من بينهم مرشحون يتحفظ عليهم التيار الإصلاحي، منهم وزير الداخلية المرشح إسكندر مؤمني من قيادات الشرطة الإيرانية.
وبعيد ترشيحه، أعاد ناشطون إيرانيون نشر مقطع مصور له يعود إلى سنوات سابقة، يدعو فيه إلى التصدي لغير المحجبات تطبيقا للقانون. ورأى هؤلاء أن ترشيحه يتعارض مع وعود بزشكيان بشأن الحجاب وانتقاداته للتصدي للمواطنات اللاتي لا يرتدين للحجاب. كما عبّر آخرون عن امتعاضهم للإبقاء على وزير الاستخبارات الحالي إسماعيل خطيب في التشكيلة الجديدة، فضلا عن ترشيح علي رضا كاظمي لوزارة التعليم والتربية، والذي قيل إنه شقيق رئيس استخبارات الحرس العميد محمد كاظمي.
وفي السياق، لوحت رئيسة جبهة الإصلاحات آذر منصوري برفض الجبهة تشكيلة حكومة بزشكيان المقترحة على البرلمان، معقبة عليها بالقول في تغريدة على إكس إن جبهة الإصلاحات قد حذرت بزشكيان السبت من “إقصاء أصحاب الكفاءات وإحباط الشارع من خيارهم عبر عملية انتقاء ومسارات غير صحيحة”.
كذلك قالت منصوري في مقابلة مع موقع انتخاب الإصلاحي الأحد إن تشكيلة الحكومة المقترحة “بعيدة عن متوسط توقعات ومطلوبية جبهة الإصلاحات”، مشيرة إلى أنها عبرت عن مخاوف الجبهة في رسالة موجهة إلى الرئيس الإصلاحي بزشكيان، ومؤكدة أنها تقدمت بطلب للقاء قيادات الجبهة مع رئيس الجمهورية خلال الأيام المقبلة.
وقالت إن حكومة الوفاق الوطني “ليست حكومة ائتلافية لا صاحب لها ولا أحد يتحمل مسؤولية أدائها”، مضيفة أنه في حكومة الوفاق “المسؤول هو رئيس الجمهورية الذي يجب أن يتمكن من اختيار وزرائه وزملائه بشكل مطلوب ومتسق معه وهذا هو شرط تحمل المسؤولية”.
وبالتزامن مع ذلك، تعرض ظريف لهجوم شرس في البرلمان، من النائب أمير حسين ثابتي المقرب من المرشح الرئاسي، سعيد جليلي.
وقال ثابتي في كلمة أمام البرلمان، الأحد: «كنا نعتقد خلال الانتخابات أن هناك أشخاصاً أفضل منك لإدارة البلاد، ولذلك لم نصوت لك؛ ولكن اليوم أنت رئيس جمهورية لكل الشعب الإيراني، ونجاحك هو نجاحنا جميعاً».
وتابع: «إذا تمكنّا من المساعدة في أي مجال لدفع حكومتك نحو التقدم وحل مشاكل البلاد، فإن من واجبنا القيام بذلك… لكن يجب أن نأخذ في الاعتبار أن نجاحك لن يكون ممكناً مع أي شخص وأي تركيبة في الحكومة. لا يمكن التحدث عن الوحدة الوطنية وحكومة الوفاق الوطني. وفي الوقت نفسه، تعيين شخص في أروقة الحكومة كان قد خلق انقساماً زائفاً بين الدبلوماسية والميدان في السنوات الماضية، وعدّ (…) قاسم سليماني عقبة أمامه، ثم تدّعي أنك تسعى لتشكيل حكومة وحدة وطنية! هل ستقوم بذلك مع رموز الانقسام الوطني؟».
وكان ثابتي يشير إلى قضية «الدبلوماسية والميدان»، التي طرحها ظريف في شهادته للأرشيف الإيراني، خلال الحكومة السابقة، وجرى تسريبه في مارس (آذار) 2021. ويوجه ظريف انتقادات لدور «الحرس الثوري» خصوصاً مسؤول العمليات الخارجية السابق قاسم سليماني، في تقويض السياسة الخارجية الإقليمية والاتفاق النووي لعام 2015، عبر توسيع التعاون الميداني مع روسيا في الحرب السورية.
وعود لم تتحقق
وتحت عنوان «حكومة الوعود، التي لم تحقق الآمال»، نصح المحرر السياسي في موقع «بولتون نيوز» منصة استخبارات «الحرس الثوري»، بزشكيان بالتحدث إلى الناس، والشفافية.
وأضاف الموقع: «عندما قدّم الرئيس خلال فترة الانتخابات وعوداً كثيرة بتشكيل حكومة شابة، متنوعة وشاملة، أصبح كثيرون يأملون أن تكون الحكومة الجديدة ممثلة لكل فئات المجتمع»، ورأى أن «الوعود كانت تشير إلى تغييرات جذرية في هيكل الحكومة، وتعد بمشاركة الشباب، والنساء، وأهل السنة في قيادة الوزارات. ولكن الآن، وبعد نشر قائمة الوزراء المقترحة، يبدو أن هذه الوعود لم تتحقق، ما أثار مخاوف جدية بين أنصار الحكومة ومعارضيها على حد سواء».
وقال المحلل السياسي، أحمد زيدآبادي، إن «تركيب الحكومة بالشكل الذي تم تقديمه للبرلمان، وبالنظر إلى الأهداف التي حددها بزشكيان لنفسه، يحتوي على اثنتين أو 3 ثغرات أساسية».
لكنه رأى أن من «حق الرئيس اختيار فريقه… عدم ملائمة الوزراء مع بعض، هي مشكلة بزشكيان في الدرجة الأولى. إذا كان يعتقد حقاً أنه يمكنه العمل مع بعض هؤلاء الأفراد، فلا يوجد سبب يجعلنا نتدخل أكثر منه!».
وقال: «قبضة الرئيس في إيران ليست مفتوحة تماماً لانتخاب الوزراء، تشارك الجماعات والمحافل السياسية في تفاصيل هذا الموضوع بشكل غير معتاد». وأضاف: «ما يهمنا الآن هو التزام الحكومة بوعدها لإنهاء هذه الحالة غير المستقرة. ما تبقى هو أمر ثانوي».
وأشار زيدآبادي إلى تغييب أهل السنة مرة أخرى من تشكيلة الحكومة، وقال: «في قائمة الحكومة المعلنة يوم أمس، كان اسم سيد عماد حسيني من المواطنين السنة مرشحاً لوزارة النفط، لكن هذا الاسم غاب عن القائمة الرسمية اليوم».
وتساءل: «ماذا حدث خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية؟ هل هناك حساسية من بعض الأوساط تجاه وزير سني؟» وزاد: «بينما تُغطى جدران المدينة بصور إسماعيل هنية، ويثني المسؤولون في البلاد على مكانته كوليّ من أولياء الله، ويهددون بالانتقام لدمه، فما معنى هذه الحساسية الضيقة وغير الوطنية تجاه استخدام أهل السنة في الحكومة؟».
وقبل يومين على انتهاء المهلة القانونية، قدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الأحد تشكيلة حكومته إلى البرلمان المحافظ لنيل الثقة، مرشحاً كبير المفاوضين الإيرانيين السابقين عباس عراقجي وزيراً للخارجية الإيرانية.
وتضم التشكيلة الحكومية 19 وزيراً، بينهم امرأة واحدة، هي فرزانة صادق، لوزارة المواصلات، وذلك اتساقاً مع وعود بزشكيان بضمّ النساء إلى حكومته. وفي حال نيل ثقة البرلمان، قد تصبح صادق ثاني وزيرة في تاريخ إيران منذ 1979.