يربط الخليج وتركيا عبر العراق.. “طريق التنمية” مشروع واعد يواجه تحديات وعقبات
يحظى ممر النقل البري المزمع إنشاؤه بين العراق وتركيا بأهمية كبيرة على مستوى التجارة الدولية؛ لكونه يربط دول آسيا بأوروبا عبر العراق مروراً بمياه الخليج.
ميدل ايست نيوز: يحظى ممر النقل البري المزمع إنشاؤه بين العراق وتركيا بأهمية كبيرة على مستوى التجارة الدولية؛ لكونه يربط دول آسيا بأوروبا عبر العراق مروراً بمياه الخليج.
ويؤكد مراقبون أن العوائد الاقتصادية للقناة الجافة التي يجري العمل على إنشائها لا تقتصر على العراق وتركيا، بل تشمل دول المنطقة كافة.
الاجتماع الوزاري الأول
(الخميس 29 أغسطس)، احتضنت مدينة إسطنبول الاجتماع الوزاري الأول بين قطر والإمارات وتركيا والعراق؛ لبحث مشروع “طريق التنمية” الذي يربط البلدان الأربعة.
وشاركت قطر والإمارات في الاجتماع بتقنية الفيديو “كونفرانس”، في حين حضره بإسطنبول وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو، ونظيره العراقي زراق السعداوي، بحسب وكالة الأنباء التركية.
وقال الوزير أورال أوغلو: إن “المشروع سيسهم بشكل مباشر في تعزيز نظام التجارة العالمي وتنمية الدول المشاركة فيه”، مشيراً إلى أن “اجتماع اليوم ليس فقط من أجل مستقبل قطاعي النقل والخدمات اللوجستية، ولكن من أجل المستقبل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لبلداننا أيضاً”.
وأكد أن “التعاون القائم بين البلدان الأربعة سيكون أقوى بفضل مشروع طريق التنمية”، مشيراً إلى أن “المشروع مهم من حيث المكاسب وسلاسل التوريد، كما سيعود بالنفع والفائدة على دول المنطقة”.
كما اعتبر وزير النقل العراقي رزاق السعداوي، أن المشروع سيسهم بشكل إيجابي في الاقتصاد العالمي برمته، لافتاً إلى أن اجتماع اليوم كان مثمراً من حيث المعايير، كما تم التطرق إلى عديد من القضايا المتعلقة بإدارة المشروع ومراحله.
حرير جديد
وكانت تركيا وقطر والعراق والإمارات وقعت، في أبريل الماضي، مذكرة تفاهم رباعية للتعاون حول مشروع طريق التنمية، بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني في بغداد.
ومن المتوقع أن يمتد طريق التنمية لمسافة 1200 كيلومتر، عبر طريق بري وسكة حديد، وسيسهم في نقل البضائع بين دول الخليج والدول الأوروبية.
وفي هذا الإطار تؤكد تركيا اعتزامها العمل مع العراق لإنجاز مشروع طريق التنمية، الذي يشتمل على ممر بري وسكة حديد تمتد من البصرة إلى الحدود التركية.
ووصف الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بأنقرة في 21 مارس 2023، المشروع المرتقب بمنزلة طريق حرير جديد في المنطقة.
وعبّر أردوغان عن إرادة بلاده للعمل الجاد مع بغداد من أجل تسريع إنجاز “طريق التنمية”، واعتبره “مشروعاً استراتيجياً مهماً، ليس لتركيا والعراق فحسب، بل للمنطقة بأسرها”.
وأوضح الرئيس التركي أن ملايين الأشخاص في مناطق واسعة من أوروبا إلى دول الخليج سيستفيدون من القيمة المضافة التي ستظهر مع إنشاء هذا الطريق الذي يعزز التعاون الإقليمي ويطور التجارة والعلاقات بين هذه الدول.
من جانبه أكد السوداني اتفاقه مع أردوغان للمضي قدماً في إنجاز المشروع الذي سيربط الشرق بالغرب، وسيكون ممراً عالمياً لنقل البضائع والطاقة، داعياً دول المنطقة إلى اجتماع في بغداد؛ لمناقشة المشروع الحيوي وسبل إنجاحه واستفادة الجميع منه.
تنفيذ المشروع
وزارة النقل العراقية حدّدت، في مطلع 2023، موعد إنجاز المرحلة الأولى من تصاميم القناة الجافة، وفصَّلت المكاسب الاقتصادية المرجوة من الطريق الذي سيمتد بطول 1200 كم.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية، في 27 يناير 2023، عن مدير الشركة العامة لسكك الحديد في وزارة النقل يونس خالد الكعبي، تأكيده أن “مشروع القناة الجافة حيوي ويحظى بأهمية خاصة؛ لكونه يندرج ضمن المشاريع الاستراتيجية التي تعتزم الحكومة تنفيذها”.
ووصف القناة الجافة بأنها “مشروع عملاق هو الأكبر والأهم؛ لكونه المنفذ الرئيس لميناء الفاو، وسيتم من خلاله ربط الميناء بالحدود من الجنوب إلى شمال العراق وصولاً إلى الحدود مع تركيا، ومنها إلى شبكة النقل الأوروبية للوصول إلى الأسواق الأوروبية والسماح بنقل حمولات بسعات عالية”.
وبيّن أن طريق التنمية سيتضمن خطوط نقل جديدة وسريعة تعمل فيها قطارات كهربائية يرافقها طريق سريع لنقل البضائع والمسافرين يمتد بالتوازي تقريباً مع خط السكة الحديد من ميناء الفاو إلى الحدود العراقية التركية في مسارات جديدة.
ورجّح الكعبي إنجاز مرحلة التصاميم في سبتمبر 2024، وبعدها سيحال المشروع إلى التنفيذ، حيث تم إنجاز التوقيتات الخاصة بشبكة السكك الحديدية بالاتفاق مع الشركة الاستشارية الإيطالية المكلفة بإعداد تصاميم المشروع.
من جانبه توقع المدير العام للشركة العامة لموانئ العراق فرحان الفرطوسي، في تصريح لوكالة “الأناضول”، في ديسمبر 2022، أن يكتمل مشروع ميناء الفاو الكبير خلال 2025، والقناة الجافة بحلول 2029 على أبعد تقدير.
تحديات وفرص
ورغم الأهمية الكبيرة للمشروع المرتقب، فإنه يواجه سلسلة من التحديات السياسية والأمنية والتمويلية الهائلة، والتي تقف عائقاً في طريق إنجازه.
تقرير لمعهد دول الخليج في واشنطن سلّط الضوء على مشروع “القناة الجافة”، واستبعد اكتماله قبل عام 2038، بتكلفة تتجاوز 20 مليار دولار، وسط تحديات تجعل إنجاز هذه المشاريع الكبيرة أمراً صعباً في العراق.
وبحسب التقرير، فإن نجاح المشروع مرهون بعدد من العوامل الجيوسياسية، مبيناً أن إيران كقوة إقليمية قد تشعر بأن هذا المشروع يهدد مصالحها، وتعمل على عرقلة مساره؛ لأنه سيكون بديلاً عنها للربط بين الشرق الأقصى وأوروبا.
ويحذر مراقبون من أن عدم الاستقرار السياسي وانعدام الأمن في العراق قد يؤديان إلى تعريض المشروع للخطر؛ لأن نجاحه يعتمد بشكل خاص على الظروف الأمنية في المنطقة، وقد تكون مجاميع داعش والمليشيات وحزب العمال الكردستاني متحمسة لعرقلة إنشاء الممر ومنع الوصول إلى تركيا، بحسب التقرير.
الدعم الخليجي
وفيما يمثّل التمويل أحد أبرز الهواجس التي تقف بوجه المشروع، يشدد باحثون على أهمية الدعم السياسي والمالي من دول الخليج الثرية؛ مثل السعودية والإمارات، لضمان إنجاحه.
ويلفت تقرير معهد دول الخليج إلى أن حجم وطموح المشروع قد يثير المخاوف في الرياض وأبوظبي من أن تأثيره سيكون كبيراً على حسابهما، حيث اجتمع ممثلو دول المنطقة بمؤتمر في البصرة، في 6 ديسمبر 2022؛ لمناقشة المشروع.
وترجح تقارير بأن يؤثر مشروع طريق التنمية على الجغرافيا السياسية الخليجية؛ لقدرته على ربط دول الخليج مباشرة بتركيا.
وإلى جانب تأثيره على ميناء بندر عباس في إيران، قد يؤثر المشروع العراقي الجديد على ميناء خالد في الشارقة، وميناء جبل علي في دبي، فضلاً عن منافسته القوية لطريق النقل في البحر الأحمر وقناة السويس في مصر.
ويتميز المشروع المرتقب باختصار الوقت والمسافة، حيث تستغرق الرحلة من مياه الخليج إلى تركيا عبره نحو 12-16 ساعة بالسيارة، وأقل من ذلك بالقطار، ويكلف إنشاء خط السكك الحديدية ثنائي المسار من البصرة إلى الحدود التركية نحو 13 مليار دولار، وفق تقديرات الحكومة العراقية.
أهمية كبيرة
الخبيرة الاقتصادية الدكتورة سلام سميسم ترى أن المشروع مهم جداً؛ لكونه بمنزلة صلة الوصل بين أطراف مهمة واستراتيجية في الشرق الأوسط، متمثلة بدول الخليج وثقلها الاستراتيجي والاقتصادي، علاوة على ثقلها في عالم الطاقة، وتركيا التي تعتبر البوابة إلى أوروبا.
وتضيف “سميسم” أن العراق لو تمكن من استغلال المشروع بطريقة علمية واقتصادية يستطيع أن يحقق الفوائد لنفسه وللأطراف الأخرى أيضاً، والمتمثلة بتركيا من جهة، ودول الخليج من جهة أخرى.
وتلفت الخبيرة الاقتصادية إلى أن مسألة اختصار المسافات قضية مهمة جداً؛ لأنها تعمل على تقليل عنصر التكلفة في النقل، لا سيما في نقل الطاقة التي بدأ العالم ينتبه لها بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، في ظل وجود حاجة كبيرة إلى الغاز، لكن الطرق غير مهيأة.
وتتابع سميسم القول: إن “مشروع الطريق البري لو تم عبر العراق فسيختصر مرور الغاز إلى أكثر من جهة”، مشيرة إلى أنه “طريق مباشر آمن، بعكس مخاطر النقل البحري، إذ يمكن للمشروع أن يزود أوروبا ويقلل من الضغط الاستراتيجي والأمني عليها تجاه الغاز الروسي”.