تحليل: فرصة نادرة لتحقيق الفوز في السياسة الخارجية

التجربة التاريخية تثبت بوضوح أن التوصل إلى تسوية تفاوضية هو السبيل الوحيد الموثوق به للحد من البرنامج النووي الإيراني والحد من التوترات.

ميدل ايست نيوز: قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال مؤتمره الصحفي الأول إن إيران منفتحة على اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة، لكنه أكد أن الولايات المتحدة ستضطر إلى الالتزام بتعهداتها هذه المرة.

لقد خاض الرئيس الإصلاحي الجديد حملته الانتخابية على أساس السعي إلى تخفيف العقوبات من خلال استئناف المفاوضات بشأن القضية النووية، وقد حقق فوزاً غير متوقع في الجولة الثانية في يوليو/تموز. وكانت تعليقات بزشكيان هذا الأسبوع بمثابة أحدث إشارة إلى أنه يعتزم الوفاء بتعهده بتحسين العلاقات مع الحكومات الغربية. ويبقى أن نرى ما إذا كان أي شخص في الولايات المتحدة أو أوروبا على استعداد لقبول عرضه.

وفي حديثه للصحافيين، دافع بزشكيان عن ردود إيران على العقوبات الأميركية، قائلاً إن البرنامج النووي الإيراني توسع بقدر ما توسع خلال السنوات الخمس الماضية بسبب حملة الضغط التي بدأت بقرار الرئيس دونالد ترمب التراجع عن الاتفاق النووي. وبحسب تقرير وكالة أسوشيتد برس ، قال بزشكيان: “لقد التزمنا بالإطار المكتوب في (الاتفاق النووي). وما زلنا نتطلع إلى الحفاظ على تلك الأطر. لقد مزقوها وأجبرونا على فعل شيء ما”.

ويدعم السجل ما قاله بزشكيان. كانت الولايات المتحدة هي التي قوضت الاتفاق النووي بالانسحاب منه وإعادة فرض عقوبات واسعة النطاق. كانت إيران ملتزمة تمامًا بمتطلبات الاتفاق عندما انتهكت الولايات المتحدة وعودها، وظلت ملتزمة بالكامل لمدة عام آخر قبل أن تبدأ في الاستجابة للضغوط بتوسيع برنامجها. ثم كانت الولايات المتحدة هي التي رفضت العودة إلى الاتفاق الأصلي عندما أتيحت لها الفرصة للقيام بذلك. كانت هناك فرصة لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة قبل ثلاث سنوات، لكن إدارة بايدن أهدرتها .

إن خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية أصبحت الآن عديمة الجدوى من جميع النواحي، والعديد من أحكامها إما انتهت صلاحيتها بالفعل أو ستنتهي قريبًا، لذا سيتعين التفاوض على اتفاق جديد. والخبر السار هو أن الحكومة الإيرانية قالت إنها مهتمة باستخدام خطة العمل الشاملة المشتركة كإطار. وأكد بزشكيان ذلك خلال المؤتمر الصحفي: “نحن نسعى للعودة إلى إطار الاتفاق النووي. إذا توقفوا، فسوف نتوقف أيضًا. وإذا التزموا بالاتفاق، فسوف نلتزم به أيضًا”.

لقد ظهرت عدة علامات مشجعة في الأشهر الأخيرة تشير إلى أن الحكومة الإيرانية جادة في إحياء المفاوضات بشأن القضية النووية. فقد عين الرئيس عباس عراقجي وزيرا للخارجية. وكان عراقجي جزءا من الفريق الدبلوماسي الإيراني الذي تفاوض على خطة العمل الشاملة المشتركة، ومن المرجح أن تكون خبرته في الاتفاق السابق مفيدة للغاية في صياغة اتفاق جديد.

لقد فتح المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الباب علناً أمام محادثات جديدة في الشهر الماضي لإظهار استعداده للسماح لبزشكيان بالمضي قدماً في هذا الجزء من أجندة الرئيس. لقد تلقى الرئيس الإصلاحي الإيراني الضوء الأخضر للدخول في محادثات، ولكنه يحتاج إلى شركاء تفاوضيين جديرين بالثقة في الغرب لتحقيق النجاح.

لقد أكد الرئيس الإيراني على ضرورة المعاملة بالمثل والاحترام المتبادل إذا كان هناك أي أمل في إحراز أي تقدم في هذه القضية. وأوضح للولايات المتحدة أن الاستمرار في حملة الضغط لن ينجح: “نحن لا نسعى إلى الحصول على الأسلحة النووية. لكننا لن ننحني أمام الضغوط”. إن بزشكيان لا يتردد في مد غصن الزيتون إلى أبعد مدى يمكن لأي شخص في النظام الإيراني أن يصل إليه، ويتعين على الولايات المتحدة وحلفائها أن يستجيبوا بشكل إيجابي لما يقترحه.

لقد اعترف بزشكيان بأنه لن يكون هناك أي تقدم دبلوماسي هذا العام قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية. والحكومة الإيرانية تنتظر لترى ما إذا كان هناك أي شخص في واشنطن مهتم بالتوصل إلى حل دبلوماسي. وحتى الآن لم يشر أي من المرشحين الرئيسيين إلى أن الدبلوماسية مع إيران ستكون أولوية في العام المقبل، ولكن هناك فرصة هنا من الحكمة أن تستغلها الإدارة الجديدة. إن إيران منفتحة على إيجاد حل وسط، ولكن هل يقبل أي شخص في الغرب بـ “نعم” كإجابة؟

إننا نعلم أن هناك عقبات كبيرة أمام المفاوضات النووية الجديدة. فالحرب الدائرة في غزة والهجوم الإسرائيلي الأخير داخل لبنان يهددان السلام في المنطقة بأسرها. ومن الممكن أن تضيع هذه الفرصة للدبلوماسية النووية إذا غزت إسرائيل لبنان مرة أخرى. كما لا تزال هناك معارضة كبيرة في واشنطن لأي تعامل مع إيران. فقد عملت الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو لسنوات على إفشال أي حل دبلوماسي للقضية النووية. وبقدر ما قد تكون هذه العقبات صعبة، فإنها ليست مستعصية على التغلب عليها إذا كانت الإدارة الجديدة في واشنطن مستعدة لبذل جهود مستدامة للتوصل إلى اتفاق جديد. والاتفاق النووي هو دليل على أنه يمكن القيام بذلك، ويُظهر لنا سجل السنوات الست الماضية ما يحدث في غياب اتفاق فعال لمنع الانتشار النووي.

إن أي مبادرة دبلوماسية جديدة مع إيران سوف تواجه رياحاً معاكسة شديدة، ولكن السجل يثبت بوضوح أن التوصل إلى تسوية تفاوضية هو السبيل الوحيد الموثوق به للحد من البرنامج النووي الإيراني والحد من التوترات. لقد حاولت الولايات المتحدة وإسرائيل شن حرب اقتصادية وتخريبية، ولكن كلاً منهما كان له نتائج عكسية مذهلة، حيث أصبح البرنامج النووي الإيراني الآن أكثر تقدماً مما كان عليه في أي وقت مضى.

وعلى الرغم من سنوات من العقوبات الإضافية والهجمات الإسرائيلية على برنامجها، فإن الحكومة الإيرانية ما زالت تختار عدم السعي إلى الحصول على الأسلحة النووية، ولكن في غياب الحل الدبلوماسي فإن القضية النووية سوف تظل مشكلة محيرة للمنطقة. ويظل الحل التفاوضي هو السبيل الأفضل والوحيد لضمان بقاء البرنامج النووي الإيراني سلمياً وحرمان صقور إيران من ذريعة الحرب.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
Responsible Statecraft

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة عشر − 9 =

زر الذهاب إلى الأعلى