مضيق هرمز في مرمى الصراع بين إيران وإسرائيل

بينما يتصاعد التوتر الجيوسياسي في الشرق الأوسط في ضوء مؤشرات اقتراب هجوم عسكري إسرائيلي على إيران، تتباين تقديرات تأثير ذلك على صادرات النفط.

ميدل ايست نيوز: بينما يتصاعد التوتر الجيوسياسي في الشرق الأوسط في ضوء مؤشرات اقتراب هجوم عسكري إسرائيلي على إيران، تتباين تقديرات تأثير ذلك على صادرات النفط، بين فريق يستبعد التأثير الكبير، وآخر يرى إمكانية وصول التصعيد إلى مستوى يؤثر على قدرات الإنتاج والتصدير أصلاً.

بحسب تقدير نشرته وكالة ستاندرد آند بورز العالمية، في وقت سابق من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، فإن التدخلات الدبلوماسية والعسكرية من شرق آسيا ستكون حتمية إذا تعرّض اقتصاد المنطقة لتهديد خطير، في حالة حدوث اضطرابات كبيرة بإمدادات النفط وتدفقات التجارة، مشيرة إلى أن الصين هي المستورد الأكبر لإمدادات النفط الخليجية.

رغم انخفاض واردات بكين النفطية من السعودية حتى أكتوبر الجاري، إلا أن وارداتها من الشرق الأوسط لا تزال تمثل أكثر من نصف مشترياتها من الخام، بحسب بيانات الوكالة الدولية، ما يعني أن أي إضرار بالقدرة التصديرية للنفط الخليجي سيكون شأناً صينياً بالدرجة الأولى.

كما تعتمد اليابان بشكل كبير على الخام من الشرق الأوسط، إذ استحوذ رابع أكبر مستورد للخام في آسيا على 2.19 مليون برميل يومياً من مورّدي الخليج في الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، ما يمثّل أكثر من 96% من إجمالي وارداتها من الخام خلال تلك المدة، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة.

يشير الخبير الاقتصادي نهاد إسماعيل، في تصريحات لـ”العربي الجديد”، إلى أن الخليج يتأثر بالوضع الجيوستراتيجي الخطير المحيط بالمنطقة، ما قد يؤثر على صادرات النفط إلى آسيا وأوروبا، ويعتمد مدى هذا التأثير على السيناريوهات المحتملة، كاستهداف المنشآت النفطية الإيرانية، أو إغلاق مضيق هرمز، أو استهداف المنشآت النفطية في دول الخليج.

ويرجح إسماعيل ألا يتأثر النفط الخليجي طالما بقيت الحرب محدودة كما هي الآن ولم يتم استهداف النفط الإيراني، لافتاً إلى أن السوق الآسيوية في هذا الصدد ذات أهمية كبيرة للدول العربية المنتجة والمصدرة للنفط.

فمعظم النفط يتم تصديره عبر مضيق هرمز، الذي يعبره يومياً حوالي 20 مليون برميل، 70% منها تتجه إلى دول آسيوية مثل الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايلاند، بحسب إسماعيل، الذي أشار إلى أن أي تعطيل أو خطر يهدد هذه الصادرات يمثل تأثيراً كبيراً ومقلقاً على اقتصادات دول الخليج.

ورغم أنه لا يوجد خطر مباشر على مجمل صادرات النفط حتى الآن، لكن احتمال حدوثه في المستقبل وارد، كما يرى إسماعيل، مبيناً أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً على إسرائيل لعدم استهداف الصناعة النفطية الإيرانية، في ظل حذر عالمي من ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قد تصل إلى 120 أو 150 دولاراً للبرميل في حال إغلاق مضيق هرمز.

في هذا الإطار، يستذكر إسماعيل حادثة استهداف المنشآت النفطية السعودية في عام 2019 (من قبل جماعة الحوثيين خلال الضربات التي كان يشنها تحالف عربي بقيادة السعودية لدعم الحكومة الشرعية في اليمن)، والتي أدت إلى تعطيل حوالي 5 ملايين برميل يومياً من النفط السعودي، مما شكل ضربة قوية للنفط آنذاك.

لكن في ظل امتلاك أوبك قدرة إنتاجية فائضة حالياً تقدر بـ 7 ملايين برميل يومياً، فإنها قادرة على تعويض تعطيل الإنتاج الإيراني البالغ 3.9 ملايين برميل يومياً، وفق إسماعيل، لافتاً إلى أن الإمارات والسعودية وحدهما قادرتان على تعويض النقص الناتج عن توقّف التصدير الإيراني بسهولة، مما قد يخفف من حدة الأزمة المحتملة على الأسواق الآسيوية، خاصة الصين التي قد تخسر ما بين 1.5 إلى 1.8 مليون برميل يومياً في حال توقف الصادرات الإيرانية بشكل كامل.

السيناريو الأخطر للصراع

في السياق، يشير الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، في تصريحات لـ “العربي الجديد”، إلى أن تأثير التوترات المتصاعدة في المنطقة على دول الخليج ظهر جلياً في الارتفاع الأخير في أسعار النفط، إذ قفزت الأسعار بنسبة 13% منذ بداية أكتوبر الجاري، ما يعد أكبر ارتفاع أسبوعي منذ أكثر من عام.

وتستفيد الدول المصدرة للنفط في الخليج من هذه الارتفاعات في الأسعار، وذلك بعد فترة من انخفاض أسعار النفط على مدى ثلاثة أشهر متتالية، كما يؤكد الشوبكي، الذي يشير مع ذلك إلى وجود عدة سيناريوهات محتملة، بعضها قد يحمل مكاسب لدول الخليج، بينما قد يكون بعضها الآخر خطيراً عليها.

يوضح أنه طالما بقيت المخاطر محصورة خارج الممرات البحرية المهمة مثل مضيق هرمز، وبعيداً عن منشآت النفط الخليجية، فإن دول الخليج ستظل مستفيدة من المخاطر الجيوسياسية المتزايدة وارتفاع الأسعار.

حتى في حالة استهداف منشآت النفط الإيرانية، قد تحتاج دول الخليج إلى زيادة إنتاجها من الاحتياطي الإنتاجي، مما سيبقيها في موقع المستفيد، حسبما يرى الشوبكي. غير أنه يحذّر مما وصفه بالسيناريو الأخطر، المتمثل في رد إيران بقطع طرق الملاحة في مضيق هرمز، وفي هذه الحالة يتوقع أن تتأثر بعض دول الخليج بشكل كبير، خاصة الكويت والبحرين، بينما سيكون الضرر أقل على الإمارات والسعودية، نظراً لقدرتهما على تصدير جزء من إنتاجهما عبر طرق بديلة.

وفي حين يبقى مضيق هرمز الممر الأساسي لصادرات النفط من الخليج، تسعى بعض الدول إلى إيجاد بدائل للتقليل من اعتمادها عليه. فعلى سبيل المثال، قامت الإمارات بتطوير خط أنابيب أبوظبي للنفط الخام والذي يمتد من حقول أبوظبي إلى ميناء الفجيرة على بحر عمان لتفادي المرور عبر المضيق، كما سعت السعودية لتوسيع قدراتها التصديرية من خلال موانئ البحر الأحمر. ويتم شحن بعض نفط العراق بحراً من ميناء جيهان التركي، ولكن 85% من نفطه يمر عبر المضيق، في حين أنه لا توجد بدائل أمام الكويت وقطر والبحرين سوى شحن نفطها عبر مضيق “هرمز”.

ويشمل السيناريو الأخطر على دول الخليج احتمال استهداف إيران لمنشآت النفط في المنطقة، وهو ما وصفه الشوبكي بأنه “سيكون مدمراً لاقتصادات هذه الدول التي ما زالت تعتمد بشكل كبير على النفط كمورد رئيسي للإيرادات الحكومية”.

ويلفت الخبير الاقتصادي إلى تأثير هذه التوترات على أسعار الغاز، مما يجعل قطر مستفيدة من ارتفاع الأسعار في العقود الفورية، ومع ذلك يشير إلى أن قطر قد تكون بعيدة نسبياً عن التهديدات المباشرة، نظراً لعلاقاتها المتوازنة مع جميع الأطراف الإقليمية، بما في ذلك إيران.

ويؤكد أن التداعيات العالمية المحتملة لهذه التوترات ذات تأثير مهم على الاقتصاد العالمي وأسعار النفط والانتخابات الأميركية، محذراً من احتمال ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية في حال تصاعد الأزمة، مما قد يؤدي إلى توترات اجتماعية واحتجاجات شعبية في العديد من دول العالم.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة عشر + اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى