هل التقرب من السعودية يحقق مكاسب اقتصادية لإيران أكثر مما يحققه الاتفاق النووي؟

حقق الاتفاق مع السعودية مكسبا سياسيا واضحا، حيث نجح في تفكيك الجبهة السياسية التي تشكلت ضد إيران أثناء احتجاجات 2022 وأدى إلى تقويض الدعم المالي للقوى المعارضة من جانب الرياض.

ميدل ايست نيوز: لم تحظ اتفاقية مارس 2023 وإنهاء القطيعة بين إيران والسعودية بتغطية إعلامية ذات قيمة، مقارنة بالزخم الإعلامي الكبير للاتفاق النووي، وقد يعزا ذلك إلى الطبيعة السياسية والأمنية لهذه الاتفاقية بالإضافة إلى وجهات النظر المختلفة للجانبين الإيراني والسعودي بشأن المفاوضات.

التغطية الإعلامية لخطة العمل الشاملة المشتركة تثير مخاوف من أن لفت انتباه وسائل الإعلام إلى هذه المفاوضات يمكن أن يضر بعملية المحادثات مع المملكة العربية السعودية ويجعلها أكثر صعوبة. إذن، فالصمت والتواضع في التغطية الإعلامية أديا إلى قلة الاهتمام بل وحتى التجاهل للاتفاقية المهمة بين طهران والرياض، والتي لعبت فيها العراق وعُمان دورًا أكبر من الصين في تحقيقها، فهي تُعرف بـ”اتفاق بكين” بفضل استضافة العاصمة الصينية للمفاوضات ليس إلا. ومع ذلك، تعرضت هذه الاتفاقية داخل إيران لموجة من الانتقادات من زاويتين رئيسيتين: السياسية والاقتصادية.

سياسيا، بات الاتفاق منصة لتصفية الحسابات مع فريق السياسة الخارجية في حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي. وهكذا، أصبح الاتفاق مع السعودية ساحة للنزاعات السياسية الداخلية في إيران، حيث تحوّل انتقاد الاتفاق إلى أداة للانتقام من منتقدي الاتفاق النووي، مما جعله هدفًا غير مبرر للهجمات الإعلامية. بالإضافة إلى ذلك، كان دور الصين في الاتفاقية مستفزًا للقوى السياسية ذات التوجه الغربي في المشهد السياسي الإيراني، رغم أن دخول الصين في هذه المفاوضات كان بناءً على طلب الطرف السعودي لتوفير ضمانة لتنفيذ الاتفاق.

اقتصاديا، رفع بعض الناشطين التجاريين من سقف توقعاتهم بشدة عقب الاتفاق الإيراني-السعودي في مارس من العام الماضي، آملين تحقيق مكاسب تصديرية تُضاهي اتفاقيات التجارة التفضيلية أو التجارة الحرة. على مدى العقدين الماضيين، ومع نمو الصناعات واحتياجها إلى أسواق جديدة، خصوصًا في المناطق المحيطة، باتت الأوساط التجارية في الاقتصاد الإيراني تطالب السياسة الخارجية بإعطاء الأولوية للبعد التجاري على حساب البعد السياسي. لكن رغم ذلك، بقيت العديد من المعضلات الأمنية على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية التي تواجه إيران دون حل حتى تاريخ نشر هذا التقرير.

في هذا السياق، جاء اتفاق إيران والسعودية عام 2023 متأثرًا بتجربة الضغط الأقصى التي مارسها دونالد ترامب خلال الفترة الأولى لرئاسة الولايات المتحدة. أظهرت هذه التجربة للجمهورية الإسلامية الإيرانية أن التضافر بين الضغوط الدولية والإقليمية يشكل تهديدًا مباشرًا وفوريًا لأمنها الوطني. لذلك، ومع عدم عودة إدارة جو بايدن إلى الاتفاق النووي، ازدادت أهمية تعزيز العلاقات الإقليمية مع الدول المحيطة. وعلى المدى القصير، حقق الاتفاق مع السعودية مكسبًا سياسيًا واضحًا، حيث نجح في تفكيك الجبهة السياسية التي تشكلت ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية أثناء احتجاجات عام 2022. فقد أدى إلى إضعاف المعارضة الدولية عبر تقويض الدعم المالي الذي كان أحد أهم مصادر قوتها.

أثناء هذا، ومع غياب رد فعل إدارة ترمب على هجوم الحوثيين على منشأة “بقيق”، وفرض قيود على بيع الأسلحة الهجومية، وسحب أنظمة الدفاع الصاروخي “ثاد” خلال ذروة الحرب مع اليمن، استنتج السعوديون أنه من الأفضل معالجة قضايا أمنهم الإقليمي من خلال الحوار مع الأطراف داخل المنطقة. ورغم أن الاتفاق بين إيران والسعودية قد أُبرم في وقت كان فيه ترامب يواجه ضغوطًا سياسية وقضائية شديدة، إلى درجة أن حتى أكثر مؤيديه تفاؤلًا لم يكن لديهم أمل كبير في عودته إلى السلطة، إلا أن الوضع تغيّر اليوم. فترمب عاد إلى البيت الأبيض بعد فوزه في السباق ضد المرشح الديمقراطي، وحقق الجمهوريون أيضًا انتصارًا في الكونغرس، مما يعيد تشكيل المشهد السياسي لصالح نهج أكثر تشددًا تجاه المنطقة.

تشير المعطيات من طريقة تشكيل فريق الأمن القومي والسياسة الخارجية في إدارة ترامب إلى احتمال اتباع السياسات السابقة تجاه طهران. وهنا تبرز أهمية اتفاق مارس 2023 بشكل مضاعف، ذلك لأن الداعم المالي لسياسة الضغط الأقصى، بل وحتى الطرف الذي يُقال إنه أغرى ترمب بعروض مالية مغرية لدفعه نحو تبني أشد السياسات ضد إيران، لم يعد مهتمًا بمواصلة تحقيق تلك الأهداف السابقة.

إلى جانب المكاسب السياسية التي حققتها طهران، استفادت السعودية أيضًا من هذا الاتفاق، وهو ما يفسر استمراريته حتى الآن. فقد ساهم الاتفاق في الحفاظ على أمن الناقلات النفطية واستقرار صادرات النفط، وهو ما يُعد مكسبًا أساسيًا للسعودية. كما أن الاتفاق حال دون تحول منطقة الخليج إلى ساحة للحروب الإقليمية. إضافة إلى ذلك، ساهم الاتفاق في تقليص النفقات الهائلة وغير المبررة التي كانت تُخصصها السعودية للتنافسات الإقليمية، مما وفر أموالًا كبيرة لخزينتها. وهذا أمر بالغ الأهمية في ظل الحاجة الضخمة إلى تمويل المشاريع التنموية الطموحة التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان، والتي تتطلب مليارات الدولارات لتحقيقها.

ومن هنا، يمكن التأكيد على أن الفائدة الرئيسية التي جنتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الاتفاق مع السعودية في هذه المرحلة تكمن في منع التضافر بين سياسة الضغط الأقصى والتنافسات الإقليمية، مما ساعد على حماية أمنها الوطني وتخفيف الضغوط الخارجية. ورغم ذلك، بعد ثلاثة أشهر فقط من استئناف العلاقات، بدأ منتقدو هذا الاتفاق والتيارات المتشددة في إيران يستهدفون القائمين عليه بذرائع سياسية واقتصادية، متهمينهم بتصميم وتنفيذ سياسات قد لا تتوافق مع مصالح إيران على المدى البعيد.

بالطبع، من أجل تطوير وتعميق الاتفاق مع السعودية في المراحل المستقبلية، يجب أن يتم الأخذ في الاعتبار ضمان استدامة الاتفاقات بين البلدين. بالتالي، يتوقع الجانب الإيراني أن تعمل السعودية، على تعزيز العلاقات الاقتصادية أيضًا على غرار السياسية، وذلك من خلال رفع القيود على سفر التجار السفن والطائرات الإيرانية. رغم أن هذا الاتفاق وإحياء العلاقات الإيرانية السعودية قد حققت نجاحًا سياسيًا مبهرا حتى الآن، إلا أنه إذا لم يتخذ طابعا اقتصاديا وثقافيا على المدى المتوسط، فإنه قد يواجه مصير خطة العمل الشاملة المشتركة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى