السوريون يحزمون حقائبهم.. هل تجد السوق العراقية بديلا؟

عدد العمالة السورية في العراق تجاوز 350 ألف عامل، عددا كبيرا منهم الآن بانتظار فتح المطارات والحدود بشكل رسمي بين العراق وسوريا، لغرض عودتهم إلى بلدهم.

ميدل ايست نيوز: بمزيد من القلق واللهفة، ينتظر إبراهيم، وهو عامل سوري بأحد المطاعم في أربيل عاصمة إقليم كردستان، إكمال العام الدراسي الحالي، لأن اثنين من أطفاله ما زالا يواصلان دراستهما الابتدائية بمدرسة عربية في أربيل، وهو ينتظر إكمال السنة الدراسية للعودة إلى مدينته دمشق، كونه موظفا، ومفصولا من الخدمة هناك، كون السلطات الجديدة ألغت أمر الفصل عنه أسوة بكثيرين.

إبراهيم واحد من مئات السوريين الهاربين من الظروف غير المريحة في زمن النظام السابق، إلى العراق، ممن تقدموا بطلب العودة، بحسب عضو اتحاد اللاجئين السوريين في أربيل رياض مصطفى.

ويشرح مصطفى، تلك الظروف بقوله، إن “مئات السوريين غير إبراهيم باتوا يسجلون في الاتحاد، لغرض العودة إلى بلادهم، فبعضهم ما زال ينتظر افتتاح خط الطيران بين العراق وسوريا، والبعض الآخر قاموا بتقديم طلب إلى حكومة إقليم كردستان، لغرض السماح لهم بالعبور من منفذ سيمالكا، الذي يرتبط مع مناطق شمال سوريا (التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية- قسد)”.

ويبين أن “العائق الذي قد يؤجل عودة مجموعة من السوريين في الوقت الحالي، هي العائلات التي تمتلك طلابا في المدارس، لأن هؤلاء يريدون إنهاء العام الدراسي، ومن ثم العودة”.

ويستثني مصطفى “المواطنين السوريين الكرد الذين قد يتأخرون بالعودة في الوقت الحالي، وذلك لأن الوضع في مناطقهم ما زال مجهولا، نتيجة التهديدات التركية، لكن أهالي الشام وباقي المناطق السورية، سيعودون بأقرب فرصة”.

وبشأن تفضيل العمال السوريين في العراق، يؤكد أن “أصحاب الأعمال في العراق غالبا ما يرغبون بالعامل السوري لتحمله المسؤولية وتفرغه وقدرته على الإنجاز بالرغم من ضغوط العمل، خصوصا وأن أجره أقل مقارنة بنظيره العراقي”.

وبعد سقوط نظام الأسد، يترقب العراق، الذي يتواجد فيه حوالي 400 آلاف لاجئ سوري، يعيش حوالي 231 ألفا منهم داخل مدن إقليم كردستان، ما سيؤول إليه مصير آلاف العمال السوريين بعد أن حجزوا مكانهم في السوق كعامل حيوي ومؤثر.

واستطاع اللاجئون السوريون في العراق تكوين سوق عمل كبيرة، فالمئات من أصحاب المصالح من مطاعم وفنادق ومصايف ومعامل وشركات، صاروا يعتمدون على العمالة السورية بشكل كبير، كما أن الكثير من السوريين فتحوا مصالح خاصة بهم لاسيما في إقليم كردستان والعاصمة بغداد.

من جهته، يفيد أستاذ الاقتصاد في جامعة جيهان بدهوك نوار السعدي، بأن “سوق العمل العراقية تعتمد منذ سنوات على العمالة الأجنبية، وخاصة ذات الأجور المنخفضة، وعلى رأس هذه العمالة هم السوريون الذين لعبوا دورا محوريا في قطاعات مختلفة مثل البناء، الزراعة، والخدمات”.

ويضيف السعدي، “في حال عودة السوريين إلى بلادهم، نتيجة لاستقرار الأوضاع هناك، سيتركون فراغا في السوق العراقية، خاصة في المجالات التي تتطلب العمالة اليدوية الماهرة، والتي عادة ما تكون غير مكلفة”.

ويلفت إلى أن “ملء هذا الفراغ لن يكون مهمة سهلة، إذ أن أرباب العمل العراقيين يفضلون العمالة الأجنبية بشكل عام بسبب عدة عوامل، منها انخفاض الأجور مقارنة بالعمال المحليين، فضلا عن استعداد العمال الأجانب للعمل في ظروف صعبة ولساعات طويلة دون اعتراض، فضلا عن أن العمال السوريين كانوا يتميزون بمهاراتهم العالية وتكلفتهم المقبولة، مما جعلهم خيارا مفضلا لأصحاب العمل”.

وبالنسبة للعمالة المحلية، يرى أستاذ الاقتصاد أن “هناك تحديات تواجه العراقيين في شغل هذا الفراغ، فالعمال المحليون غالبا ما يطالبون بأجور تتناسب مع تكاليف المعيشة، وهي غالبا أعلى مما يطلبه العمال الأجانب، بالإضافة إلى ذلك، هناك بعض الوظائف التي قد لا يقبل عليها العامل العراقي، إما لكونها مرهقة بدنيا أو لأن ساعات العمل فيها طويلة وغير مغرية بالتأكيد”.

ويعتقد أن “خروج العمالة السورية من السوق العراقي قد يفتح نافذة لتحفيز العمالة المحلية على المشاركة بشكل أكبر، وهذا التحفيز يحتاج إلى سياسات داعمة من الحكومة العراقية، مثل تحسين ظروف العمل والأجور وتعديل قانون الضمان الاجتماعي، وتوفير تدريب للعمال المحليين لتأهيلهم لشغل الوظائف الشاغرة، وتطوير بيئة العمل لتكون أكثر جذبا للعامل العراقي وهذا سيساعد على تقليل الاعتماد على العمالة الأجنبية في المستقبل”.

لكن إذا ما بقي الوضع الحالي على ما هو قائم، يرجح السعدي أن “يتم سد الفجوة الناتجة عن مغادرة السوريين من خلال استقدام عمالة أجنبية أخرى، مثل العمالة الآسيوية التي تعتبر بديلا مقبولا لأصحاب العمل، بسبب انخفاض تكلفتها واستعدادها للعمل في ظروف مشابهة لتلك التي كان يعمل فيها السوريون، لذا، إذا استمرت الحكومة العراقية في إهمال تنمية المهارات المحلية وتحسين بيئة العمل، فقد يستمر التحدي المتمثل في تفضيل العمالة الأجنبية على المحلية، ما يعيق نمو واستدامة سوق العمل المحلي”.

ولجأ كثير من السوريين إلى إقليم كردستان وانتقل قسم منهم لاحقا من الإقليم إلى بقية محافظات العراق، وحسب قرارات مجلس الوزراء في كردستان يجب أن لا تقل نسبة العاملين المحليين في أي شركة عن 75 بالمئة، وأن لا تزيد نسبة العاملين من غير العراقيين سواء كانوا سوريين أو غيرهم عن 25 بالمئة.

وتنشط العمالة السورية بعدد من القطاعات، أبرزها الأفران والمطاعم، ويحتل السوريون مراتب متقدمة في عدد العمالة غير الشرعية في العراق، ولا توجد إحصائية دقيقة تخصهم، بينما يشير العدد العام للعمال الأجانب غير المسجلين لدى الحكومة العراقية، إلى زهاء المليون عامل.

من جهته، يشير الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش، إلى أن “عدد العمالة السورية في العراق تجاوز 350 ألف عامل، وهم عمالة عضلية، 98 بالمئة من أعمالهم خدماتية إلى تحتاج إلى قوة عضلية، وأن عددا كبيرا منهم الآن بانتظار فتح المطارات والحدود بشكل رسمي بين العراق وسوريا، لغرض عودتهم إلى بلدهم”.

ويوضح أن “السوق العراقية تقبلت العمال السوريين، فهناك روابط ومواقف معهم في عام 2006، عندما استقبلوا العراقيين، لذا لم تكن ثمة مشكلة في وجودهم، كجزء من رد الدين، والمطالبات بإيقاف العمالة الأجنبية لم تشملهم، والمقصود هو عمالة شرق آسيا، على اعتبار وجودهم ماليا وليس إنسانيا”.

ويتابع حنتوش، أن “الرحلة العكسية وعودتهم إلى سوريا، ستضع وزارة العمل العراقية أمام تحد، وهو تدريب العامل العراقي، للعمل في المطاعم والفنادق وغيرها، حتى يصبح عاملا بمهارة حقيقية”، لافتا إلى أن “دور وزارة العمل لتعويض العمالة السورية كبير جدا، لذا يجب أن تضع خطة، وتقوم بإسناد المهمة إلى مديرياتها المنتشرة في بغداد والمحافظات، لإعداد خطة تنضم العمالة العراقية وتؤهلها”.

وكانت قيادة العمليات المشتركة أعلنت الخميس الماضي إعادة 1905 من الضباط والمنتسبين وتسليمهم بشكل أصولي إلى الجانب السوري.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العالم الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى