عتمة وبرد في إيران… أزمة الطاقة تتفاقم وسط غياب الحلول وخسائر للاقتصاد المأزوم

تتفاقم أزمة الطاقة في إيران الغنية بالنفط والغاز يوماً بعد يوم، تعكسه جدولة الكهرباء للمنازل وقطعه عن المصانع الكبرى في الشتاء للمرة الأولى منذ أكثر من أسابيع.

ميدل ايست نيوز: تتفاقم أزمة الطاقة في إيران الغنية بالنفط والغاز يوماً بعد يوم، تعكسه جدولة الكهرباء للمنازل وقطعه عن المصانع الكبرى في الشتاء للمرة الأولى منذ أكثر من أسابيع، فيما كانت الأزمة تقتصر على الصيف خلال السنوات الأخيرة، إلا أن انتقال عدواها إلى الشتاء هذا العام، أثار مخاوف مما سيحصل الصيف المقبل.

وتشهد البلاد انتقادات شعبية من جدولة الكهرباء في ظل برودة الجو، ما حدا بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، إلى الاعتذار قبل أيام للشارع الإيراني، واعداً بمتابعة المشكلة لحلها، ومنتقداً بشدة تهريب ما يقارب 20 مليون لتراً من الوقود يومياً من إيران، متسائلاً: “كيف يمكن ضياع هذا المقدار من الوقود في حين أننا نحن المنتجون والموزعون؟”. وقالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، الاثنين الماضي، إن بزشكيان كان أول رئيس إيراني يقدم الاعتذار إلى الشعب بسبب عجز الطاقة في البلاد، واصفة ذلك بأنه “حدث مهم”.

وقامت الحكومة الإيرانية بإغلاق المؤسسات الحكومية والتعليمية في معظم محافظات البلاد، خلال الأسبوع الماضي، في ظل برودة الجو وتلوثه الذي زاد هذا العام بشكل كبير نتيجة استخدام المازوت في محطات إنتاج الكهرباء، فضلاً عن جدولة الكهرباء للمنازل، حيث بات ينقطع نحو ساعتين في ثلاثة أيام بالأسبوع.

غير أن برلمانيين وخبراء عزوا الخطوة إلى تفاقم أزمة الطاقة، وتوقف عدد من محطات إنتاج الكهرباء عن العمل بسبب شح الوقود، وسط دعوات للحكومة ببدء التقشف من مؤسساتها باعتبار ذلك خطوات عاجلة، ثم اتخاذ تدابير لتزويد المحطات بالوقود اللازم.

وفي السياق، أطلق الرئيس الإيراني، الأسبوع الماضي، حملة “درجتين أقل”، داعياً المواطنين إلى تقليل درجتين من درجات الحرارة في بيوتهم. وتجاوب كثير من الإيرانيين مع الخطوة، وسط دعوات رسمية وإعلامية ونخبوية مكثفة لإنجاحها.

والأسبوع الجاري، اقتصر الإغلاق على المدارس في عدد من المحافظات، الذي تراجع عددها هذا الأسبوع، فيما لم تعطل حتى الآن المؤسسات الحكومية الأخرى. إلى ذلك، انتقد رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، جدولة الكهرباء في البلاد بشدة، قائلاً إنه “كيف يحصل ذلك في حين أن بلادنا تحظى بالمركز الأول في النفط والغاز في العالم لكن هذا هو وضعنا”.

في الأثناء، انتقد نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني، الجنرال علي فدوي، الاثنين الماضي، أزمة الطاقة في إيران، قائلاً إنه “من المخجل جداً أن تكون هناك مشكلة الطاقة في البلاد وأن يقال إن محطاتنا بلا وقود، حيث نحن الرابع في العالم في النفط والثاني في الغاز”.

وتحتل إيران المركز الثاني عالمياً بعد روسيا في امتلاك أكبر احتياطيات الغاز. كما أنها ثالث أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا وقطر، غير أنه بسبب المشكلات التي تواجهها إيران خاصة العقوبات الأميركية ظل استخراج الغاز في إيران من احتياطاتها المؤكدة منخفضاً كثيراً، إذ إنّ حصة إيران من إنتاج الغاز في العام تبلغ 5% في حين أن حصتها من احتياطيات الغاز العالمية هي 17%، ما يعني، وفق صحيفة “اعتماد” الإيرانية، أنّ البلاد لم تتمكن بعد من استخراج 70% من احتياطياتها الغازية.

ووفق بيانات شركة النفط الوطنية الإيرانية، فإنّ حجم احتياطيات إيران من الغاز الطبيعي يبلغ أكثر من 33.7 تريليون متر مكعب وحجم الاحتياطيات النفطية يصل إلى نحو 209 مليارات برميل. ووفق بيانات منظمة “أوبك”، فإن هذه الاحتياطيات حتى 2022 بينما كان الرقم 155 ملياراً و600 مليون برميل في العام 2018، مما يعني أن هذه الاحتياطيات ارتفعت خلال السنوات الخمس الأخيرة بنحو 53 مليار برميل.

أسباب عدة للأزمة

يقول الخبير الإيراني في الطاقة، علي رضا سلطاني إن هناك جملة أسباب أشعلت أزمة الطاقة في إيران، منها ما هو عاجل ومنها ما هو قديم، مشيراً إلى أن العوامل العاجلة تتمثل في عجز الغاز الذي يقدر بين 250 إلى 300 مليون متر مكعب في الشتاء، مشيراً إلى أن عجز الكهرباء أقله 10 آلاف ميغاوات.

وفي جلسة للبرلمان الإيراني خلال الشهر الماضي بشأن الطاقة بحضور وزير الطاقة عباس علي أبادي، قال رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف إن عجز الكهرباء في البلد في الصيف الماضي بلغ أكثر من 15 ألف ميغاواط. وبحسب البيانات الحكومية الإيرانية، فإن استهلاك الغاز في الشتاء في إيران قد ارتفع من 525 مليون متر مكعب عام 2011 إلى 850 مليون متر مكعب العام الجاري.

وعن الأسباب طويلة المدى، يلفت الخبير الإيراني إلى أن أهمها يعود إلى عدم التوازن بين الإنتاج والاستهلاك فخلال العقدين الأخيرين لأسباب مختلفة لم تتمكن الحكومات من خلق توازن بين الإنتاج والاستهلاك. ويعزو أهم أسباب الإخفاق في إيجاد هذا التوازن إلى الضغوط والعقوبات الخارجية المستمرة، التي طاولت إيران منذ قبل 15 عاماً، ما أحدث تحديات ومشكلات أمام الاستثمار الأجنبي في تطوير حقوق النفط والغاز الإيرانية، وهو ما ساهم في تراجع الإنتاج باستمرار.

يضيف سلطاني أن حظر تصدير النفط الإيراني أفقد البلاد الموارد اللازمة للاستثمار في تطوير هذه الحقول خلال 15 عاماً الماضية، وزيادة الإنتاج تجاوباً مع متطلبات الاستهلاك المتزايدة، لافتاً إلى أن العامل الآخر هو زيادة مطردة في استهلاك الطاقة في إيران، بسبب “السياسات الشعبوية” للحكومات الإيرانية في توزيع الطاقة بشكل غير مناسب من خلال تمديد إمدادات الغاز إلى جميع البيوت عبر شبكة أنابيب الغاز بطول 480 ألف كيلومتر في ربوع إيران من أقصاها إلى أقصاها، وموضحاً أن ذلك حوّل البلاد إلى أكبر شبكة توزيع الغاز في العالم “حيث إن هذه السياسة بلا مبرر اقتصادي رغم أنه مقبول لجهة تحقيق العدالة الاجتماعية”.

ويتابع سلطاني في حديثه مع أنه “لا مبرر اقتصادياً في أن يصبح الغاز في متناول جميع الإيرانيين في أنحاء البلاد من خلال شبكة خطوط أنابيب”، مشيراً إلى أن أقصى القرى الإيرانية أيضاً مزودة بالكهرباء والغاز معاً، حيث إن إمدادات الغاز قد وصلت إلى 99% من المدن والكهرباء إلى 100%، وفيما يتصل بالقرى أيضاً فإن 90% منها موصولة بالغاز و98% منها بالكهرباء، مؤكداً أن “إيصال الغاز والكهرباء معاً في آن واحد إلى المدن والقرى الإيرانية بلا مبرر اقتصادي فكان ممكناً أن يتم الاكتفاء بإيصال الكهرباء إلى المناطق البعيدة التي يكلف توصيل الغاز إليها اقتصادياً”.

أما العامل الآخر وفق سلطاني فيعود إلى تسعير رخيص للطاقة في إيران التي تعتبر من أرخص البلدان في أسعار الطاقة، ما أدى إلى زيادة الاستهلاك لأنواع الطاقة مثل الغاز والكهرباء والبنزين وغيرها، مضيفاً أن الدعم الحكومي للطاقة المستخدمة يبلغ 100 مليار دولار سنوياً، موضحاً أن هذا الدعم يخالف العدالة الاجتماعية حيث إن المستفيد الأكبر من هذا الدعم هم الأثرياء الذين عندهم العديد من السيارات والبيوت الكبيرة والفيلات وغيرها، بينما هم يدفعون السعر نفسه الذي تدفعه الأسر الفقيرة.

ويتابع قائلاً إن “هذا الاستهلاك المتعاظم المطرد له تبعات بيئية أيضاً مثل التلوث الشديد الذي تشهده المدن الإيرانية الكبيرة”، موضحاً أنه بسبب شح الموارد المالية نتيجة العقوبات لم تتطور حقول النفط والغاز، فضلاً عن عدم تحديث محطات إنتاج الكهرباء وتطويرها التي تنتج طاقة أقل بينما تستهلك وقوداً أكثر بسبب عدم تحديثها وفق المعايير العالمية.

يشار إلى أن صناعات إيران في حقول النفط والغاز أصبحت تدخل طور التهالك منذ سنوات، فتحتاج هذه الصناعات إلى ضخ 160 مليار دولار في حقولها النفطية والغازية لتحديثها للحفاظ على قدراتها الإنتاجية ورفع مستواها، لكن البلاد تواجه مشكلات كبيرة في تمويل عملية تحديث هذه الصناعات واستقدام التقنيات الحديثة، بسبب العقوبات الأميركية التي تستهدف في الأساس قطاع النفط منذ عام 2018، وهو ما دفع السلطات الإيرانية إلى البحث عن حلول عاجلة للاستثمار في القطاعين النفطي والغازي وتقديم عروض مقايضة النفط والمكثفات الغازية بالاستثمار في هذه القطاعات لقاء تمويلها خلال الفترة الأخيرة.

ويشير سلطاني إلى أسباب أخرى مثل ضعف الإدارة والتخطيط من قبل الحكومات السابقة التي لم تخطط سابقاً وفق آفاق مستقبلية بناء على احتياجات اليوم، محملاً الحكومة السابقة مسؤولية أكبر لعجز الطاقة في شتاء هذا العام.

تدابير حكومية لمواجهة عجز الطاقة

ويشير سلطاني إلى أن الحكومة الحالية اتخذت تدابير للتعويض عن عجز الطاقة خاصة الكهرباء، حيث يتوقع أن تزيد 10 آلاف ميغاوات من الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والريح حتى الصيف المقبل. ويلفت إلى مشاريع لوزارة النفط وشركة الغاز، لرفع الطاقة الإنتاجية للغاز إلى نحو 100 مليون متر مكعب يومياً، لمواجهة شح الغاز في الشتاء، قائلاً إن هناك أيضاً استثمارات جديدة لرفع إنتاج المازوت بنسبة منخفضة من السولفور، ويتوقع أن ترى هذه المشاريع النور حتى العام المقبل.

كما يكلف البرنامج التنموي التاسع الذي أقره البرلمان الإيراني العام الماضي، الحكومة بإنشاء منظمة ترشيد الطاقة وخطط لترشيد استهلاك الطاقة، وفق الخبير الإيراني الذي أضاف أن هناك أيضاً تدابير أخرى مثل استخدام السيارات الكهربائية في النقل العام.

اتهامات متبادلة بين الإصلاحيين والمحافظين

في الأثناء، تحولت أزمة الطاقة إلى موضوع سياسي ساخن في المحافل السياسية الإيرانية بين أنصار الحكومة الإصلاحيين وخصومهم المحافظين، حيث أصبحوا يهاجمون الحكومة الإصلاحية الحالية للنكاية بها، فيما الإصلاحيون وأنصار الحكومة يحملون الحكومة المحافظة السابقة مسؤولية الأزمة الراهنة.

في السياق، قال محسن منصوري نائب الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، أخيراً، إن نقص الكهرباء والغاز في الشتاء حصيلة تقاعس حكومة بزشكيان، مضيفاً أن جدولة الكهرباء هي نتيجة “الإهمال الإداري للحكومة الحالية في تخزين الوقود”، متهماً إياها بتسييس الموضوع.

ويقول الخبير الاقتصادي الإيراني الإصلاحي داود حشمتي إن هذه الاتهامات المحافظة “غير صحيحة”، مضيفاً أن البيانات تشير إلى أن الحكومة السابقة عندما علمت أنها يجب أن تسلم السلطة التنفيذية لحكومة بزشكيان، خفضت احتياطيات مخازن محطات إنتاج الكهرباء من المازوت، مشيراً إلى أنه تم تسليمها للمصدرين لتصديرها بدلاً من تخزينها للشتاء الحالي.

ويوضح حشمتي أن تقرير لمركز البحوث التابع للبرلمان الإيراني يؤكد صحة قيام الحكومة السابقة بتقليل المازوت في مخازن المحطات بنسبة ملياري لتر مقارنة بالعام الماضي، لافتاً إلى أن الإحصائيات تشير إلى أن طاقة مخازن المازوت في محطات إنتاج الكهرباء قبل تسليم السلطة للحكومة الجديدة التي تشكلت في أغسطس/آب الماضي قد تراجعت 27% مقارنة بالعام الماضي، “وهو ما اكتشفه وزير النفط الجديد (محمد باك نجاد) سريعاً وعمل على تدارك الوضع للتعويض عن العجز في المخازن قبل الخريف”.

كما يوضح موقع “نفت خبر” الإيراني أن احتياطي مخازن الوقود في المحطات سجل تراجعاً كبيراً قبل تسليم السلطة التنفيذية إلى الحكومة الجديدة، حيث وصل إلى النصف (مليار و800 مليون لتر من المازوت) بينما كان الرقم قبل عام من ذلك 3 مليارات و200 مليون لتر.

خسائر اقتصادية جراء انقطاع الكهرباء

وحملت أزمة الكهرباء في إيران وقطعه عن الصناعات الإيرانية، خسائر كبيرة للاقتصاد الإيراني المتأزم وهو ما أثار مخاوف قطاعات الإنتاج خاصة معامل الإنتاج ومصانعه التابعة للقطاع الخاص. ويقول رئيس البرلمان الإيراني إن ذلك أدى إلى تراجع نشاط الصناعات الإيرانية المنتجة بنسبة 1.5%، “وهذا يعني تحميل المنتج والحكومة خسائر”.

يقول الخبير الاقتصادي الإيراني، إيرج يوسفي إن التقديرات تشير إلى أن انقطاع الكهرباء يسبّب يومياً خسائر تقدر بنحو 8 آلاف مليار تومان أي يوماً ما يقارب 110 ملايين دولار. يوضح يوسفي أن ستة قطاعات اقتصادية إيرانية تتحمل خسائر مباشرة أكثر من غيرها، يتقدمها قطاع الصناعة ثم قطاع المناجم وقطاع البيع بالجملة والخردة وقطاع العقارات والنقل والزراعة، لافتاً إلى أن الخسائر تقدر بأكبر من ذلك حيث إن الحياة الاقتصادية في إيران أصبحت على صلة وثيقة بالكهرباء والغاز، فعلى سبيل المثال عندما ينقطع الكهرباء يعجز قطاع المصارف أيضاً عن العمل وهو ما يسبّب خسائر.

ويوضح الخبير الإيراني أن رئيس الجمهورية دعا إلى المزيد من التقشف العام المقبل مما يعني أنه ليس هناك تخطيط جذري لزيادة إنتاج الكهرباء للتصدي لهذه المشكلة، لافتاً إلى أن إيران تمتلك موارد طبيعية هائلة مما يعني أن المشكلة الأساسية تكمن في سوء الإدارة والعوامل الخارجية وليس شح الموارد، مؤكداً أن “انعدام الكهرباء بالقدر الكافي للصناعة والزراعة في أي بلد يؤدي إلى التخلف”.

ويتوقع يوسفي أن تزداد الخسائر خلال المرحلة المقبلة ما يؤثر سلباً على القدرة الإنتاجية للبلد وهو ما له تبعات متعددة مثل البطالة وزيادة الاستيراد من الخارج وهو أيضاً في حاجة إلى المزيد من الموارد، داعياً إلى الانفتاح على الخارج وحل مشكلات السياسة الخارجية ورفع العقوبات للحصول على التقنيات الحديثة في العالم ورفع التبادل التجاري لتعود عجلة الاقتصاد الإيراني إلى حالتها الطبيعية ووقف مسار الهبوط والتراجع.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد + تسعة =

زر الذهاب إلى الأعلى