ملامح خيارات ترامب الخارجية: خليط من التصعيد والاستمرارية والسوريالية
مع اقتراب موعد عودته إلى البيت الأبيض، كان من المفترض أن يكون الرئيس دونالد ترامب قد بلور مع إدارته الخطوط العريضة لسياسته الخارجية.
ميدل ايست نيوز: مع اقتراب موعد عودته إلى البيت الأبيض، بعد أسبوعين، كان من المفترض أن يكون الرئيس دونالد ترامب قد بلور مع إدارته الخطوط العريضة لسياسته الخارجية. خاصة وأن التحديات التي تنتظره كثيرة وشائكة وقد تركها جو بايدن في حالة أصعب وأخطر ومفتوحة على المزيد من التعقيد. لكنه حتى الآن اكتفى بإعطاء إشارات وتلميحات غير متماسكة، تتراوح بين خيار الاستمرارية بنكهة ترامبية وبين التوجهات السوريالية اللاواقعية.
ففي رده الاثنين بتغريدة على استقالة رئيس الحكومة الكندية جاستن ترودو، عرض على كندا انضمامها إلى الولايات المتحدة بحيث تصبح الولاية 51، مشددا على المغريات والمنافع الاقتصادية والأمنية التي تحققها مثل هذه الخطوة للجار الشمالي! بهذه البساطة هو يدعو بلدا تزيد مساحته بنسبة 1.6% على مساحة الولايات المتحدة ليتحول إلى ولاية في هذه الأخيرة، فقط ليرتبط اسمه بخطوة تاريخية من هذا العيار، لو وافق الجار. والمعروف أن عرضه السوريالي هذا لقي الاعتراض الواسع في الشارع الكندي منذ أن طرحه لأول مرة قبل أسبوعين. بل إنه حسب بعض التقديرات، ساهم في هبوط شعبية ترودو الذي لم يتعامل مع طموح الرئيس ترامب بالحزم الكافي على أساس أنه يمس بمشاعر السيادة لدى الكنديين. وقد أثار طرحه ردودا مختلفة تراوحت بين تصنيفه في خانة السذاجة والاستخفاف وبين اعتباره بمثابة محاولة لتحويل الأنظار ولو جزئياً عن القضايا الأكثر إلحاحا في الساحة الخارجية، وبالذات حرب أوكرانيا وحروب إسرائيل في المنطقة والتي وعد بحلول سهلة وسريعة لها، في وقت أن معالجاتها أبعد ما تكون عن مثل هذا الاستسهال، خاصة الثانية.
أوكرانيا تبدو واعدة أكثر لناحية توجه طرفيها إلى طاولة المفاوضات خلال 2025، حسب معظم القراءات الأميركية ومن بينها الخبير في الشؤون الخارجية ريتشارد هاس. الاختبار بالنسبة لترامب أن يقوى على حمل “صديقه” فلاديمير بوتين على التزحزح عن الخيار العسكري والذي “لم يفصح بعد عمّا يؤشر إلى وصوله لهذه النقطة” حسب كوري شاكي، مديرة قسم الدراسات الخارجية والدفاعية في مؤسسة أميركان إنتربرايز إنستيتوت في واشنطن.
لكن الاعتقاد الغالب أن المخرج السياسي بدأت تنضج طبخته من باب التسليم لروسيا بالجزء الأوكراني الشرقي الذي تحتله “مقابل ضمانات أمنية تتمثل في انضمامها إلى حلف الناتو”. وفي هذا الاحتمال فرصة لإدارة ترامب للدفع باتجاه الطاولة لو ارتضى بوتين الذي “تبقى نياته وحساباته ملتبسة” وفي أحسن أحوالها مفتوحة على التأويل. وفي تقدير العارفين بالوضع الروسي أن صعوبات بوتين “التسليحية والبشرية- الميدانية فضلا عن الاقتصادية قد تحمله على الأرجح” للتجاوب مع الدعوة للذهاب إلى التسوية.
أما الحالة الإيرانية فإنها تطرح تحديات أصعب على الرئيس ترامب. وهذا ما يفسر غموض وتقلّب خياراته للتعامل معها. فهو بدأ بالتلويح بتشديد العقوبات وسد فجواتها، مثل مبيعات إيران النفطية للصين خلافا للعقوبات وذلك بهدف “تجفيف إمكانات التمويل لأذرعها في المنطقة”. ثم صدرت تلميحات حول “خيار الضربات الجوية للمنشآت النووية الإيرانية” التي قد تعتمدها إدارة ترامب لمنع طهران من امتلاك السلاح النووي. لكنها بدت أقرب إلى التهويل المسبق لفرض التنازلات والتراجعات. ولوحظ أن هذه النبرة ارتفعت وتيرتها مع تزايد النكسات والانكشافات الأمنية لهذه الأذرع أخيرا. وبخاصة بعد حرب جنوب لبنان وانهيار نظام الأسد. على أثرها، بدأت ترتفع دعوات الصقور في الساحتين السياسية والإعلامية المتناغمة مع حربجية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لانتقال واشنطن من سياسة الاحتواء إلى سياسة الحسم مع إيران على أرضية أن النظام الإيراني “لا يتوق إلى التفاوض والتنازل إلا في حدود هامش ضيّق”.
المتشددون في فريق ترامب يتطلعون “إلى تنازلات قد لا تقوى طهران على تقديمها” وبما يوجب على الإدارة الجديدة الاستعداد “لإنزال آلام موجعة بطهران” في القريب القادم، خاصة وأن للرئيس ترامب “حساباً” مع طهران التي “يعرف أنها حاولت اغتياله”. يشجع على ذلك وفق هذه القراءة أن الأوضاع الداخلية في إيران “مزرية ومتفاقمة” وبما يتيح الفرصة للمضي في سياسة دفع التصعيد ضدها إلى أبعد مدى. فحوى هذا الخطاب يتلاقى مع توجه إسرائيل التي تدفع حكومتها باتجاه “استكمال حربها مع الأذرع بفتح الجبهة مع إيران” في زمن ترامب. ثمة من يلفت إلى أن هذا الأخير لن يكون كما يتصور كثيرون، على توافق وتطابق تامين مع نتنياهو. التورط في حروب الخارج يحول دون ترجمة أجندته الداخلية الأهم. صحيح أنه وعد وتوعّد ولوّح بالعصا. لكن ذلك هو بارع في تغيير الموّال.