من الصحافة الإيرانية: ترامب واستراتيجية “التوازن عن بعد”
إذا لم تتغير العقيدة الخارجية لإيران بما يتوافق مع القوى العالمية ستكون البلاد عرضة بشدة لجبهة مشتركة من المنافسين أو الأعداء الإقليميين والدول الكبرى.
ميدل ايست نيوز: يُتوقع أن يتشكل نظام جديد في الشرق الأوسط تحت تأثير عاملين رئيسيين: الأول، التطورات الكبرى الأخيرة، والثاني، سياسة “أمريكا أولاً” التي اتبعها ترمب والتي تهدف إلى تقليص الالتزامات الأمنية الأمريكية في الخارج. وبما أننا على دراية تامة بالتطورات الكبرى الأخيرة، يمكننا أن نخمّن بعض الأمور حول خطط ترمب.
وعلى الرغم من اعتقاد البعض بأن السياسة الخارجية لترمب لن تكون مبنية على عقيدة معينة على غرار ولايته السابقة، وأن إجراءاته ستكون أكثر تأثيراً من تصورات جيوسياسية بسيطة ومنطقها التفاوضي، إلا أن السؤال هو كيف ستؤثر أفعاله العملية على وضع الشرق الأوسط؟
بعد خروج بريطانيا من المنطقة في 1971، فشلت أمريكا لأسباب عديدة في أن تحل محل بريطانيا. لذا، كانت برزت استراتيجية “عمودين” تضم محور إيران والسعودية للمنطقة، لكن عملياً وبسبب ضعف السعودية الشديد في تلك الفترة، أصبحت إيران هي القوة الهيميونية في المنطقة. بعد 10 أشهر من الثورة الإيرانية، تم الإعلان عن سياسة جديدة لأمريكا في إطار “عقيدة كارتر” لأمن المنطقة، والتي كان من الضروري تنفيذها من بعيد بسبب عدم وجود قاعدة عسكرية في المنطقة. بالتالي، كانت سياسة أمريكا في تلك الفترة نوعاً من “التوازن عن بُعد” (offshore balancing). هذه السياسة كانت أساساً لجهود أمريكا لإيجاد توازن في الحرب الإيرانية العراقية ومنع فوز أحد الطرفين. بعد غزو العراق للكويت في 1990، استطاعت أمريكا تدريجياً إنشاء قواعد عسكرية في جميع دول مجلس التعاون السبع.
وعلى ضوء ما سبق، يمكن اعتبار سياسة ترمب في ولايته السابقة هي الأقرب إلى استراتيجية “التوازن عن بُعد”. فإذا استمر ترمب في اتباع سياسة مشابهة في ولايته الثانية، يمكن افتراض أنه سيظل يعمل وفقاً لاستراتيجية “التوازن عن بُعد”، ويسعى لتحقيق مصالح أمريكا من خلال إقامة توازن بين القوى الإقليمية. في إطار هذه الاستراتيجية، قد تتدخل الهيمنة العالمية عسكرياً فقط إذا تم خرق التوازن. خلال ولايته الأولى، واجه ترمب شرق أوسط مضطرب إلى حد ما، تأثر بالحروب الداخلية في سوريا واليمن وليبيا وتقسيم الدول حول هذه الحروب والنفوذ المتزايد لإيران في العراق وسوريا ولبنان. وعلى وقع هذا، حاول ترمب التقدم بسياسة احتواء إيران، وهي إحدى أولويات سياساته الإقليمية، من خلال تقارب إسرائيل والدول العربية، مما قلل من الحاجة إلى التدخل المباشر من أمريكا.
إذن، وبافتراض أن ترمب لا يزال ملتزماً بوعوده الانتخابية بإنهاء الحروب المستمرة وإعادة الجنود الأمريكيين إلى وطنهم، يمكن افتراض أنه في الفترة القادمة سيواصل تعزيز العلاقات مع إسرائيل والسعودية، بينما سينظر إلى تركيا كمحور جديد لإقامة نوع من التوازن في المنطقة، بما في ذلك احتواء إيران. بعد سقوط بشار الأسد، استخدم ترمب تعبيرات إيجابية عن دور تركيا في تغيير الوضع في سوريا، واصفاً مفاتيح سوريا بأنها في يد تركيا. بالإضافة إلى ذلك، كانت تركيا تسعى منذ سنوات لتحويل نفسها إلى قوة إقليمية بالاعتماد على الأيديولوجيات الإخوانية والبان-تركية، في حين أنها تعتبر مهمة لأمن أوروبا والبحر الأسود والشرق المتوسط والقوقاز وشمال إفريقيا. يمكن أن يكون استخدام ترمب لتركيا جزءاً من سياسات أمريكا في هذه المناطق.
وفي ظل غياب الاتفاقيات مع إيران، قد يستخدم ترمب هذا التوازن لدفع السياسات متعددة الجوانب ضد طهران. على الرغم من أن تبني ترمب لاستراتيجية “التوازن عن بُعد” يمكن أن يتماشى مع طلب إيران بشأن انسحاب أمريكا من المنطقة، فإن اعتماد أمريكا على إسرائيل والسعودية وتركيا لإقامة توازن في المنطقة سيكون على حساب إيران بشكل كبير. الحقيقة هي أنه في السياسة الدولية، تركز معظم القوى الصغيرة والمتوسطة تقريباً بلا استثناء على استخدام القوى العالمية لدفع التنافس أو التصدي للأعداء الإقليميين. لكن العقيدة الخارجية لإيران على مدار العقود الماضية كانت استثناءً في هذا المجال. فإذا لم تتغير هذه العقيدة، سيكون البلد عرضة بشدة لجبهة مشتركة من المنافسين أو الأعداء الإقليميين والقوى العالمية.
كوروش أحمدي
دبلوماسي إيراني سابق