إيران بين الصدمة والتردد: صعوبات في ترميم العلاقات مع سوريا بعد انهيار الأسد
مع انهيار نظام بشار الأسد، فقدت إيران تأثيرها في سوريا، حيث كانت عائلة الأسد تعتبر حليفًا استراتيجيًا لإيران، وتحظى بدعمها المستمر.

ميدل ايست نيوز: مع انهيار نظام بشار الأسد، فقدت إيران تأثيرها في سوريا، حيث كانت عائلة الأسد تعتبر حليفًا استراتيجيًا لإيران، وتحظى بدعمها المستمر. كما كانت تقدم خدمات كبيرة في نقل الأسلحة إلى لبنان. هذه الأحداث تمثل ضربة قاصمة لمحور المقاومة، ومن غير المتوقع أن يكون من السهل ترميم هذه الأوضاع.
يعد انتهاء الوجود العسكري المستمر لإيران في سوريا وتركها لأراضي هذا البلد فوزًا لصالح الكيان الصهيوني. كانت سوريا تشكل ساحة حرب بين إيران وإسرائيل من دون أن تتعرض أراض البلاد للأذى أو الهجوم، كانت هناك نزاعات مستمرة لم تتحمل إيران تكاليفها. إن توقف الأنشطة العسكرية الإيرانية في سوريا هو ورقة رابحة حصلت عليها إسرائيل دون أن تخطط لها. وكان الجنرال غادي آيزنكوت، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، قد قدر في مقابلة مع نيويورك تايمز، في السنوات الماضية، تكلفة وجود إيران في سوريا بحوالي 30 مليار دولار.
مع تغير النظام السياسي في سوريا، نشأت بيئة جديدة في البلاد، فسائر الدول في طريقها للتعرف على النظام الجديد والقبول به والتعاون معه؛ لكن الوصول إلى مرحلة يحظى فيها هذا النظام بدعم القوى العالمية لا يزال بعيدًا، إذ يعتمد هذا على سلوك قادة الحكومة الجديدة (إجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية) وطريقة الحكم في سوريا، حيث سيكون لهذا الأمر تأثير في تسريع وتسهيل هذا الوصول.
وتعمل الدول مثل قطر والسعودية وأمريكا وبريطانيا وتركيا والأردن والإمارات، من خلال إرسال قادتها أو تهنئة تعيين الرئيس أحمد الشرع، على تكييف الحكام السوريين مع النظام الإقليمي والقواعد الدولية.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي عن رغبته في إقامة علاقات مع سوريا، مؤكدا رغبته في رفع العقوبات الأوروبية ضد سوريا. بالطبع، فإن الاستفادة من الوضع الغامض في سوريا هو هدف لكل فاعل نشط يسعى لمصلحة بلاده. ومن الجدير بالذكر أن الإرادة الدولية قد اتجهت نحو الاستقرار السياسي في المنطقة وسوريا، حيث قالت أمريكا إنها بدأت اتخاذ الخطوات الأولى لتخليص سوريا من قبضة العقوبات، وأشارت إلى أن الحكومة الأمريكية تسعى إلى تطبيع الوضع في هذا البلد.
ورغم أن روسيا كانت صاحبة دور رئيسي في الحفاظ على الأسد في السلطة وكان من المفترض أن تكون مكروهة من النظام السوري الجديد، إلا أن موسكو تعمل بحنكة على استقطاب أحمد الشرع لصالحها. لم ينسَ الشعب السوري مساعدة الروس للأسد في قمع الجماعات المسلحة التي كانت تسيطر على سوريا في ذلك الوقت، لكن موسكو تسعى إلى عدم تفويت فوائد الاقتصاد والجغرافيا السياسية في سوريا، وفي نفس الوقت، تسعى للحفاظ على قواعدها في هذا البلد وتعزيز دورها الإيجابي فيه. لذلك، فهي تبذل جهودًا لإرسال وفد رسمي إلى سوريا، حتى وإن كان في مستوى نائب وزير، لإعادة توطيد علاقاتها مع القيادة السورية الجديدة وفتح قنوات حوار.
في هذه الأثناء، يبدو أن إيران لا تزال تحت صدمة وسرعة انهيار حليفها القديم في سوريا، فقد يؤدي هذا التردد والجمود المربك إلى تزايد الفجوات بين البلدين، وكلما مر الوقت، أصبحت إزالة هذه الفجوات أكثر صعوبة.
تجربة مشابهة حدثت في قبول طالبان. فقد كان تعامل إيران مع قادة طالبان بعد وصولهم إلى السلطة في عام 2022 أقل توترًا، وجرى السيطرة على الوضع مع الحد الأدنى من التوترات، مما منع نشوب صراع بين البلدين. وحدث ذلك مع أن طالبان كانت تُعتبر “إرهابية” في نظر الإيرانيين وفي الأذهان العالمية قبل ذلك، إلا أنها تم قبولها فيما بعد كجماعة سياسية شرعية.
ويعد تحقيق مصالح البلدين (إيران وسوريا) من خلال المحادثات الوسيطة وتقديم الضمانات اللازمة للعيش السلمي وعدم التدخل في شؤون بعضهما البعض، خطوة يجب أن تُتخذ قبل أن يلجأ أعداء البلدين إلى تصعيد الأمور.
تمر الفرص في الساحة الدولية بسرعة، وبناء مستقبل أفضل في العلاقات بين البلدان يتطلب تقليص جدار عدم الثقة. فالمقاطعة الدبلوماسية هي الطوبة التي تضاف يومًا بعد يوم على الجدار بين البلدين دون أن تُفتح نافذة للقاء والتواصل. الدبلوماسية النشطة من خلال قبول حقائق المنطقة والابتعاد عن النظرة الإيديولوجية للأحداث السياسية الدولية هي ما تحتاجه إيران، وهي تظهر في سوريا. كما قال البروفيسور يدا الله كريم پور، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية مضطرة إلى تبني استراتيجية تاريخية في جميع المجالات، بما في ذلك العلاقات مع المنافسين.
إن قطع العلاقات بشكل دائم من سوريا ومصر إلى أمريكا لم يحقق سوى الخسارة وتضييع الفرص لتحقيق التقدم والازدهار، ولن يحقق شيئًا آخر في المستقبل.
أبا صلت کبیري
عقيد في الجيش الإيراني وخبير في العلوم السياسية