أين وصلت المحادثات بين إيران ومصر بشأن إعادة العلاقات؟
قالت مصادر دبلوماسية إن مسار العلاقات المصرية الإيرانية لا يزال في مرحلة الاستكشاف، على الرغم من استمرار قنوات الاتصال بين الجانبين والتنسيق في عدة ملفات إقليمية ذات اهتمام مشترك.

ميدل ايست نيوز: قالت مصادر دبلوماسية، لموقع “العربي الجديد”، إن مسار العلاقات المصرية الإيرانية لا يزال في مرحلة الاستكشاف، على الرغم من استمرار قنوات الاتصال بين الجانبين والتنسيق في عدة ملفات إقليمية ذات اهتمام مشترك.
وأوضحت أن القاهرة وطهران تجريان محادثات غير معلنة حول تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، لا سيما في قطاع غزة وسورية واليمن، إضافة إلى التوتر في البحر الأحمر، وهي قضايا تمثل محوراً مشتركاً في النقاشات بين الجانبين.
وبحسب المصادر، تكثفت الاتصالات بين المسؤولين المصريين والإيرانيين، في الأشهر الأخيرة، خاصة في ظل تصاعد التوتر الإقليمي وتأثيره المباشر على أمن المنطقة واستقرارها.
ومع ذلك، لم تفضِ هذه الاتصالات إلى تطور جوهري في مستوى العلاقات المصرية الإيرانية، إذ لا تزال هناك تحديات مرتبطة بمواقف سياسية واستراتيجية لكل من البلدين. وأكدت المصادر أن القاهرة تتعامل مع هذه الاتصالات بحذر، في ظل التوازنات الإقليمية التي تسعى إلى الحفاظ عليها، خصوصاً في ما يتعلق بعلاقاتها مع دول الخليج والولايات المتحدة، والتي تتابع أي تقارب مصري – إيراني عن كثب.
وقالت إن التنسيق بين القاهرة وطهران يبرز بوضوح في الملف الفلسطيني، إذ تسعى القاهرة إلى تهدئة الأوضاع في غزة من خلال قنواتها مع الفصائل الفلسطينية، بينما تلعب إيران دوراً داعماً للمقاومة الفلسطينية. ورغم اختلاف الرؤى حول آليات الحل، فإن الطرفين يجريان مشاورات حول سبل احتواء التصعيد المستمر.
وفي ما يتعلق بالأزمة السورية، أكدت المصادر أن مصر تدعم جهود التسوية السياسية في سورية، وتنسّق مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، بما في ذلك إيران، التي ما زالت تُعتبر فاعلاً في الأزمة، وأن هناك محاولات لتنسيق بعض المواقف.
ولفتت المصادر إلى أن التوتر المتصاعد في البحر الأحمر، بسبب الهجمات التي تشنها جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) على السفن، كانت من بين الملفات التي بُحثت بين الجانبين، فالقاهرة تسعى إلى الحفاظ على استقرار الممرّات المائية وضمان حرية الملاحة.
تقاطع مصري إيراني حول بعض النقاط
وأفادت بأن هناك تقاطعاً بين الرؤى المصرية والإيرانية في بعض النقاط، لكن خلافات جوهرية ما زالت باقية، خاصة في ما يتعلق بالدور الإيراني في دعم الحوثيين، والذي تعتبره القاهرة عاملاً يزيد من تعقيد الأزمة اليمنية.
ورغم أن مسار العلاقات المصرية الإيرانية الحالي لا يزال في نطاق الاتصالات الدبلوماسية والاستكشاف المتبادل، لم تستبعد المصادر إمكانية حدوث تطورات مستقبلية، خصوصاً إذا اقتضت الظروف الإقليمية ذلك، فالموقف المصري مرهون بحسابات سياسية دقيقة، إذ تحرص القاهرة على تحقيق مصالحها الاستراتيجية مع مختلف الأطراف.
العلاقات المصرية الإيرانية محكومة بالتنسيق الانتقائي
وقالت المصادر إن العلاقات المصرية الإيرانية تظل محكومة بمبدأ “التنسيق الانتقائي”، حيث تتعاون القاهرة وطهران في بعض الملفات الإقليمية المهمة، مع استمرار الحذر تجاه أي خطوة نحو تطبيع شامل بينهما.
وشهدت العلاقات المصرية الإيرانية تحولات متباينة على مدار العقود الماضية، بين القطيعة السياسية والتواصل الحذر، بسبب تباين المصالح الإقليمية لكل من القاهرة وطهران، فضلاً عن الضغوط الدولية التي تؤثر على الطرفين. غير أن المتغيرات الجيوسياسية المتسارعة، وفي مقدمتها تطورات الوضع في غزة وحاجة مصر إلى دعم خطتها هناك، إلى جانب الموقف المصري – الإيراني المتحفظ تجاه النظام السوري الجديد، يطرح تساؤلات حول إمكانية حدوث تقارب أكبر بين البلدين في المستقبل القريب.
وتلعب مصر دوراً محورياً في إدارة الأزمة في غزة، سواء عبر الوساطة بين الأطراف المتنازعة أو من خلال التنسيق العربي والدولي لطرح حلول مستدامة، وفي هذا السياق،
تعد إيران لاعباً رئيسياً كونها أحد الداعمين الأساسيين للفصائل الفلسطينية، خصوصاً حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
ولذا فإن أي ترتيبات مستقبلية تتعلق بالقطاع، سواء على مستوى التهدئة أو إعادة الإعمار، قد تستدعي درجة من التنسيق غير المباشر بين القاهرة وطهران، لا سيما إذا أرادت مصر تحييد النفوذ الإيراني، أو توظيفه لخدمة رؤيتها في تحقيق استقرار طويل الأمد في غزة. وفي المقابل، تجد إيران نفسها أمام معادلة صعبة، فهي تسعى إلى الحفاظ على نفوذها في الملف الفلسطيني، لكن من دون إثارة حساسيات الدول العربية المؤثرة، وفي مقدمتها مصر.
محددات تحول دون تقارب كامل
ورغم عوامل قد تدفع نحو تحسين العلاقات المصرية الإيرانية إلا أن مراقبين يعتقدون أن محددات ما زالت تحول دون حدوث تقارب استراتيجي كامل بين البلدين، أبرزها علاقات مصر الوثيقة بدول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، والتي تنظر بحذر إلى أي تواصل مصري – إيراني يمكن أن يمنح طهران نفوذاً إقليمياً أكبر.
يضاف إلى ذلك ارتباط القاهرة بشراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة، التي تعتبر إيران خصماً سياسياً وعسكرياً في الشرق الأوسط، ما يجعل أي انفتاح مصري كبير على طهران عرضة للضغوط الأميركية. إلى جانب ذلك، لا تزال هناك اختلافات جوهرية بين البلدين حول قضايا مثل النفوذ الإيراني في العراق واليمن، فضلاً عن مسألة أمن البحر الأحمر وتأثيرها على الملاحة في قناة السويس، ما يجعل أي تقارب بينهما محكوماً بسقف سياسي معين.
وكان وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، قد التقى نظيره الإيراني عباس عراقجي، يوم الجمعة الماضي، على هامش الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في جدّة، بهدف بحث سبل دعم الشعب الفلسطيني. كما استعرض عبد العاطي الخطة المصرية لإعادة الإعمار في غزّة.
وفي السياق، قال السفير حسين هريدي، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، إنه “لا يمكن الحديث عن تقارب مصري – إيراني، بل يتعلق الأمر بجهود لإعادة العلاقات الدبلوماسية إلى ما كانت عليه قبل أن تبادر إيران بقطعها” في عام 1980.
وأوضح أن العلاقات المصرية الإيرانية “تُدار وفق رؤية مستقلة، وهي منفصلة تماماً عن الثوابت الوطنية والقومية لمصر”، مشدداً على أن “القاهرة لا تخلط بين علاقاتها بطهران وروابطها الاستراتيجية بالدول العربية، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي”.