لماذا لم تحتفل الجماهير الإيرانية بتأهل منتخب البلاد إلى مونديال 2026؟

يرى البعض أن سهولة تأهل المنتخب الإيراني أفقدت الأمر أهميته، مقارنةً بالماضي عندما كانت آسيا تمتلك فقط أربعة مقاعد، وكان التأهل إلى كأس العالم إنجازًا عظيمًا.

ميدل ايست نيوز: تأهل المنتخب الإيراني إلى كأس العالم 2026 بتعادله أمام ضيفه أوزبكستان، وفي الظروف العادية كان من المتوقع أن يكون يوم التأهل لحظة احتفالية تمتلئ فيها مدرجات ملعب آزادي، وأن تغمر الشوارع مظاهر الفرح كما حدث في الدورات السابقة. لكن في الواقع، بقي جزء كبير من المدرجات فارغًا ولم تشهد الشوارع أي مظاهر احتفالية تُذكر. حتى على وسائل التواصل الاجتماعي، لم يلق تأهل المنتخب إلى كأس العالم 2026 رواجا على غرار المنتخبات الأخرى. إذ لم تُنشر سوى بعض المنشورات والقصص القليلة، ولم تصل إلى حد الانتشار الواسع. حتى تصريحات المدرب واللاعبين، بالإضافة إلى محاولات المعلق الرياضي ورسائل التهنئة من السياسيين، لم تترك أي أثر. بشكل عام، كانت الأجواء هادئة تمامًا. وهنا نستعرض بعض الأسباب التي خلقت هذه الأجواء بين المنتخب الإيراني وجماهيره.

التأهل كان محسومًا منذ البداية!

مع توسيع كأس العالم إلى 48 فريقًا وزيادة حصة آسيا إلى ثمانية مقاعد ونصف، بالإضافة إلى وقوع إيران في مجموعة تضم أوزبكستان وقطر والإمارات وكوريا الشمالية وقرغيزستان، كان طريق المنتخب إلى كأس العالم 2026 سهلًا منذ بداية التصفيات، وكان جميع المحللين والجماهير، على عكس تصريحات المدرب واللاعبين، متفقين على أن الفشل في التأهل من هذه المجموعة سيكون أصعب من التأهل نفسه.

وكما كان متوقعًا، تأهل المنتخب بسهولة بعد سلسلة من الانتصارات على فرق تفصله عنها مسافة كبيرة في تصنيف الفيفا. يرى البعض أن سهولة التأهل أفقدت الأمر أهميته، مقارنةً بالماضي عندما كانت آسيا تمتلك فقط أربعة مقاعد، وكان التأهل إلى كأس العالم إنجازًا عظيمًا. من الطبيعي أن يقلّ الحماس وتصبح المشاركة في كأس العالم أمرًا معتادًا، مما يفسر ردّ الفعل الفاتر من الجماهير الإيرانية تجاه تأهل منتخبه مساء الاثنين.

الفساد، الفشل الإداري، والاحتكار في كرة القدم

على مدى السنوات الماضية، أصبحت كلمة “الفساد” الأكثر ارتباطًا بكرة القدم الإيرانية. فمعظم الإيرانيين يرون أن قلة من الأشخاص يسيطرون على كرة القدم في البلاد ويستفيدون منها ماليًا.

في العام الماضي، ظهرت وثائق رسمية كشفت عن فضيحة فساد كبيرة في كرة القدم بدأت من محافظة كرمان وامتدت إلى شخصيات بارزة داخل الاتحاد. ورغم أن هذه القضية، مثل غيرها من فضائح كرة القدم، لم تصل إلى نتيجة واضحة، فإنها أكدت صحة الشكوك التي راودت الإيرانيين لسنوات حول وجود فساد متفش بين أروقة هذه الرياضة.

كما أن انتخابات الاتحاد الإيراني لكرة القدم، التي جرت بشكل أحادي بعد استبعاد المنافسين، وأدت إلى بقاء شخصية معروفة بالفشل الإداري، خاصة في قضية المدرب ويلتموتس، على رأس الاتحاد، زادت من استياء الجماهير الإيرانية تجاه منظومة كرة القدم.

من استيراد السيارات الفارهة إلى غرور بعض لاعبي المنتخب، هناك العديد من الأسباب التي عمّقت الهوة بين المنتخب الإيراني وجماهيره. فجزء من المشجعين شعر بأن لاعبي المنتخب خذلوهم في لحظة حساسة، واعتبروا أنهم يهتمون بمصالحهم الشخصية أكثر من اهتمامهم بالشعب الإيراني وأزماته. الجماهير التي كانت تساند المنتخب دائمًا، واعتبرته “خطًا أحمر”، بدأت تنصرف عنه تدريجيًا. وهكذا تشكلت ثنائية “منتخب الشعب / منتخب الحكومة”. بغض النظر عن صحة هذا التصور، فإنه أدى إلى عزوف الجماهير عن مباريات المنتخب، حتى وصل الأمر إلى أن لا يمتلئ سوى ثلث مدرجات ملعب آزادي يوم تأهل المنتخب إلى كأس العالم.

سعر الصرف الجنوني وهمّ لقمة العيش

لكن ربما يكون السبب الأهم في غياب التفاعل الجماهيري مع المنتخب هو الوضع الاقتصادي المتدهور في إيران، خاصة مع انهيار العملة وارتفاع أسعار الصرف والذهب. المواطن الإيراني الذي يزداد فقرًا كل يوم، ويتلقى أخبارًا سيئة من العقوبات واحتمال اندلاع حرب في بلده إلى الصراعات السياسية الداخلية، لا يجد وقتًا أو طاقة للاستمتاع بكرة القدم، خاصة فيما يتعلق بالمنتخب الوطني.

كانت كرة القدم في الماضي بمثابة مسكّن للألم عندما لم يكن الوضع قد وصل إلى هذه الدرجة من السوء، لكن اليوم لم تعد قادرة على ذلك. كانت الجملة الكلاسيكية “كرة القدم هي الفرحة الوحيدة للشعب” تنطبق على الماضي، لكنها لم تعد كافية ووافية اليوم.

لكن رغم ذلك، فإن اهتمام الجماهير الإيرانية بكرة القدم المحلية، خصوصًا بنتائج أندية مثل استقلال وبرسبوليس وتراكتور وسباهان، خلال العام الماضي، يُظهر أن المشكلة لا تقتصر على الاقتصاد فقط. ففي شتاء العام الجاري شهدنا حضور أكثر من 70 ألف متفرج في مباراتي استقلال وبرسبوليس ضد النصر، بينما بقي آلاف آخرون خارج الملعب.

هذا يؤكد أن أسباب تراجع الاهتمام بالمنتخب لا تقتصر على تدهور الوضع الاقتصادي، بل تتعلق أيضًا بالأحداث السياسية والاجتماعية الأخيرة، وسلوك بعض لاعبي المنتخب وإدارة الاتحاد، وهي كلها أجزاء من لغز عزوف الجماهير الإيرانية عن دعم منتخب بلادهم.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 − 10 =

زر الذهاب إلى الأعلى