من الصحافة الإيرانية: إسرائيل… الفاعل السلبي الدائم في مسار التفاوض النووي
ما دام النظام داخل إيران ككل – وعلى رأسه المرشد الأعلى – يؤيد التفاوض مع واشنطن، فلن يكون باستطاعة المعارضين الداخليين أن يعرقلوا المسار.

ميدل ايست نيوز: تمثل المحادثات التي جرت بين طهران وواشنطن السبت في الواقع الاجتماع الأول لمسار تفاوضي قد يستغرق عدة أشهر، ويهدف إلى التوصل إلى اتفاق مكتوب. وانطلاقًا من هذا المنظور، فإن ما حدث كان مطابقًا تمامًا لما هو متعارف عليه في مثل هذه الحالات؛ حيث يُتوقع من الجلسة الأولى أن يحدد فيها الطرفان أمورًا مثل الشكل، الإطار، المكان، المستوى، المخرجات، الجدول الزمني، وتواتر الاجتماعات، وربما الأهم من ذلك موضوع التفاوض نفسه، وأن يتم التوافق حول هذه الأمور. تأكيد الطرفين على أن المفاوضات كانت “إيجابية وبنّاءة” يمكن أن يعني أنهما نجحا في الاتفاق على هذه النقاط.
العامل المهم الذي يعزز هذا الاحتمال هو اتفاق الطرفين على عقد الاجتماع القادم بالوساطة ذاتها، وهو ما يدل بحد ذاته على أن الطرفين أصبح لديهما أمل في إمكانية إحراز تقدم. ومن النقاط الأخرى التي يبدو أنه قد تم تجاوزها، هي بعض الجوانب الشكلية غير المهمة مثل ما إذا كانت المفاوضات مباشرة أو غير مباشرة.
قد يكون الطرف الأمريكي، نظرًا لحساسيات معينة في إيران، قد تراجع مؤقتًا عن موقفه في الإصرار على أن تكون المفاوضات مباشرة؛ ولكن على الأرجح أن موقف ترامب الذي أعلنه يوم الجمعة 4 أبريل، حول أن المفاوضات غير المباشرة مضيعة للوقت وصعبة الفهم، لا يزال قائمًا. ومن المحتمل أنه عندما يدخل الطرفان في تفاصيل معقدة والعمل على صياغة النصوص، لن يكون هناك مفر من إجراء مفاوضات مباشرة.
الرؤية العامة للمفاوضات تعتمد على موضوعين رئيسيين الأول، هو موضوع التفاوض. إذ يبدو أنه تم الاتفاق في جلسة السبت على التركيز على الملف النووي، وإذا كان الأمر كذلك، فبالنسبة لي، هذا ليس مفاجئًا. فخلال الأشهر الثلاثة أو الأربعة الماضية، ومن خلال متابعة تصريحات ترامب الشفهية وتوجيهاته الصادرة في 6 فبراير، كنت أرى أن ترامب لا يولي اهتمامًا كبيرًا لقضايا أخرى مثل البرنامج الصاروخي أو الملفات الإقليمية. خصوصًا أن التطورات بعد 7 أكتوبر أفقدت تلك القضايا أهميتها السابقة؛ وبالتالي، إذا تم الاتفاق على أن يكون الملف النووي هو الموضوع الوحيد على جدول الأعمال، فسيكون التفاوض أسهل من هذه الناحية.
مع ذلك، وبغض النظر عن مدى أهمية هذه القضايا – أو قضايا مثل حقوق الإنسان – لترامب، فإن إيران يجب أن تركز على إلغاء جميع العقوبات، سواء الأولية أو الثانوية، لأن أي اتفاق لا يشمل رفع شامل للعقوبات سيبقي الجرح مفتوحًا، وسيستمر الإشكال المرتبط بالاتفاق النووي، كونه ذا طبيعة أحادية الموضوع.
أما الموضوع الثاني المهم، الذي سيكون حاسمًا لمستقبل المفاوضات، فهو الصيغة التي سيُتفاوض عليها بخصوص البرنامج النووي الإيراني. هناك طيف واسع من الصيغ الممكنة، من صيغة “ليبيا” إلى صيغة “الاتفاق النووي”.
صيغة ليبيا هي الحلم الأقصى لإسرائيل، لكنها مرفوضة تمامًا من إيران. أما فيما يخص صيغة الاتفاق النووي، فهناك مجال للنقاش. إن تم التوافق عليها من قِبل إدارة ترامب، فذلك سيكون في مصلحة إيران. ولكن قد تكون هذه الصيغة غير مقبولة بالنسبة لترامب لأسباب سياسية، لأنها قد تجعله عرضة للسخرية في أوساط الحزب الديمقراطي ووسائل الإعلام. ومن الناحية الفنية أيضًا، فإن التطورات الكبيرة التي شهدها البرنامج النووي الإيراني خلال العقد الماضي قد جعلت معيار “سنة واحدة كفترة خلوص نووي” – الذي كان أساس سياسة أوباما في 2015 – صيغة قديمة ربما لا تصلح للاستخدام اليوم.
نقاط إيجابية رغم الخطاب المتشدد
ورغم لهجة ترامب الخطابية، نلاحظ اليوم وجود عدة عوامل إيجابية تسهّل التفاهم والمصالحة. أحد هذه العوامل هو موقف اللاعبين الإقليميين. ففي عام 2015، كانت معظم الدول العربية، بما فيها السعودية، متحفظة بل رافضة للاتفاق النووي؛ أما اليوم، فهناك الكثير من المؤشرات على أن السعودية والدول القريبة منها لا تعارض التوصل إلى اتفاق بين إيران وأمريكا، وأولويتهم الأساسية هي الحفاظ على الهدوء في المنطقة وعدم تعكير صفو خططهم التنموية.
وهذه الرؤية تتطلب تجاوز الصراعات الجيوسياسية والتركيز على الجغرافيا الاقتصادية (الجيو-اقتصاد). ولكن رغم ذلك، لا تزال إسرائيل تمثل عاملاً سلبيًا ومدمرًا كما في 2015، إذ إنها، ومن خلال حلفائها في أمريكا، تحاول عرقلة التوصل إلى أي اتفاق، لأن هدفها هو القضاء التام على البرنامج النووي الإيراني، في حين أن أي اتفاق قد يُبقي هذا البرنامج قائمًا.
لكن المهم هذه المرة أن اليد الإسرائيلية أصبحت مقيدة أكثر من أي وقت مضى. ففي عام 2015، كان الكونغرس في يد الجمهوريين، ما منح نتنياهو قاعدة قوية في واشنطن للتحرك ضد أوباما. أما اليوم، فرغم أن الجمهوريين يسيطرون على البيت الأبيض والكونغرس معًا، إلا أن نتنياهو لم يعد يملك ذلك الدعم داخل واشنطن، ولا يستطيع بسهولة التآمر ضد الرئيس الأمريكي. فضلًا عن ذلك، فإن إسرائيل الأرثوذكسية أكثر حاجة من أي وقت مضى إلى أمريكا وترامب، ولا تملك الجرأة لمعارضته كما فعلت مع أوباما. حتى خلال عهد أوباما، ورغم سيطرة الجمهوريين على الكونغرس، لم تستطع إسرائيل أن تمنع إبرام اتفاق نووي.
أما على الصعيد الداخلي الإيراني، فأعتقد أن ما دام النظام داخل إيران ككل – وعلى رأسه المرشد الأعلى – يؤيد التفاوض، فلن يكون باستطاعة المعارضين الداخليين أن يعرقلوا المسار.
كوروش أحمدي
دبلوماسي إيراني سابق