استثمار أمريكي ضخم في إيران: حقيقة أم خيال؟

يبدو الحديث عن استثمار أمريكي بقيمة 1000 مليار دولار غير واقعي، إذ يعادل هذا المبلغ أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لإيران عام 2024.

ميدل ايست نيوز: خلال الأيام الأخيرة، انتشرت شائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام تزعم أن الولايات المتحدة ستستثمر مبلغ 1000 مليار دولار في إيران في حال التوصل إلى اتفاق. كما نُسب إلى إيلون ماسك، الذي قُدم كمستشار كبير في إدارة ترامب، تصريحٌ أعرب فيه عن رغبته بالاستثمار في إيران، ما أثار موجة من الآمال في الرأي العام الإيراني. إلا أن تحليل العقبات السياسية داخل إيران يشير إلى أن هذه العوامل تشكل العقبة الأهم أمام أي استثمار أجنبي محتمل.

بدأت القصة بمنشور على منصة “إكس” جاء فيه: “رويترز: المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية وافق بشرط أن تستثمر أمريكا 1000 مليار دولار في إيران”. منشورات أخرى زعمت أن السفير الإيراني السابق علي ماجدي صرّح في نقاش على “كلاب هاوس” أن “أمريكا قادمة باستثمار قدره 1000 مليار دولار”. وقد لاقت هذه الادعاءات صدى في بعض وسائل الإعلام المحلية.

لكن المراجعات كشفت أن وكالة “رويترز” لم تنشر أي تقرير بهذا الشأن. حيث ركز آخر تقرير لها بتاريخ 7 أبريل 2025، على أن الهدف من مفاوضات عمان هو “رفع جزئي للعقوبات” دون أي إشارة لموضوع الاستثمار. وبالمثل، ذكرت “بي بي سي فارسي” في التاريخ نفسه أن المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن مستمرة، لكنها لم تذكر أي أرقام. وكان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قد صرّح في 4 أبريل 2025 أن “القيادة لا تعارض الاستثمارات الأمريكية”، لكن حديثه جاء بشكل عام ولم يشر إلى الولايات المتحدة مباشرة.

تجربة الاتفاق النووي ومعوّقات الاستثمار

أظهر الاتفاق النووي الموقع في 14 يوليو 2015 بوضوح حجم المعوقات أمام الاستثمار الأجنبي في إيران. فبعد التوقيع، وقّعت شركة “توتال” الفرنسية عقدًا بقيمة 4.8 مليار دولار لتطوير حقل بارس الجنوبي، لكن مع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في 8 مايو 2018 وعودة العقوبات، اضطرت توتال إلى الانسحاب. ومنذ ذلك الحين وحتى 2024، لم تستقطب إيران سوى 3.4 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية، رغم أن التقديرات كانت تتوقع جذب 50 مليار دولار سنويًا.

عند تفشي جائحة كورونا، برزت العقوبات كعائق مباشر أمام عمليات شراء اللقاحات. ففي يناير 2021، لم تتمكن إيران من تحويل 52 مليون دولار لشراء 16.8 مليون جرعة من لقاح كوفاكس بسبب العقوبات. وحتى بعد صدور ترخيص من وزارة الخزانة الأمريكية في 15 فبراير 2021، ترددت البنوك الدولية في تنفيذ التحويلات، مما أدى إلى تأخير التسليم. وفي 1 أبريل 2021، أفادت صحيفة “الغارديان” أن إيران لم تستلم سوى 700 ألف جرعة فقط. هذه الحادثة تُظهر كيف أن العقوبات تعرقل حتى التعاملات ذات الطابع الإنساني، ناهيك عن استثمارات تجارية أو صناعية.

وتُعدّ العقوبات الثانوية الأمريكية العقبة الكبرى أمام الاستثمار. فبحسب “وول ستريت جورنال”، تتجنب الشركات الاستثمار في إيران بسبب تجارب سابقة مع خرق واشنطن للاتفاقات الدولية. كما أن قوانين مثل “داماتو” وعقوبات OFAC لا تزال سارية حتى 8 أبريل 2025، ما يزيد من احتمالات فرض غرامات ثقيلة.

إضافة إلى ذلك، فإن طرد إيران من شبكة “سويفت” ووجودها على القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي (FATF) عطّل نظام التحويلات المالية. ووفقًا لـ”بلومبرغ”، فإن إيران محرومة من “سويفت” منذ 2018. ويرى خبراء العلاقات الدولية أن الاستثمار دون امتثال لمعايير FATF يكاد يكون مستحيلاً.

في عام 2024، بلغ التضخم في إيران 45% وفقًا للبنك المركزي، بينما فقد الريال حوالي 70% من قيمته بين 2018 و2024. كما أن مخاوف تكرار احتجاجات 2022 تثير قلق المستثمرين الذين يبحثون عادة عن بيئات مستقرة وآمنة.

معارضة داخلية

من جهة أخرى، ترفض بعض الأطراف داخل إيران التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة، وتسعى لتقوية الشراكات مع روسيا والصين، في محاولة لإبعاد الشركات الغربية، خصوصًا الأمريكية، عن السوق الإيراني.

هل هذا الاستثمار ممكن أساسًا؟

يبدو الحديث عن استثمار أمريكي بقيمة 1000 مليار دولار غير واقعي، إذ يعادل هذا المبلغ أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لإيران عام 2024 (250 مليار دولار حسب البنك الدولي). مجلة “إيكونوميست” ذكرت في 6 أبريل 2025 أن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم بلغ 1.5 تريليون دولار في 2024، ما يجعل تخصيص ثلثيه لإيران أمرًا غير منطقي. من جهته، صرّح عباس عراقجي بأن الهدف من المفاوضات هو “رفع جزئي للعقوبات”، لا جذب استثمارات ضخمة.

أما الصين، فقد استثمرت فقط 5.6 مليار دولار في إيران بين 2018 و2024، بحسب “بلومبرغ” بتاريخ 2 يناير 2025، مما يعكس حجم التحديات البنيوية التي تواجه الاقتصاد الإيراني.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 × 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى