من الصحافة الإيرانية: بين الداخل والخارج.. من يُفشل التفاوض بين طهران وواشنطن؟
لقد أدركت الولايات المتحدة أن التهديدات والإجراءات المختلفة التي استخدمتها حتى الآن ضد إيران لم تُحدث ضررًا وجوديًا بالجمهورية الإسلامية، وأن إيران واصلت مسيرتها رغم كل شيء.

ميدل ايست نيوز: اليوم هو الوقت المناسب لإنهاء التوتر أو على الأقل إدارة النزاع بين الولايات المتحدة وإيران، بشرط أن يحمي الطرفان مسار التفاوض، إذ يوجد من يسعى لتخريب العملية من الجانبين.
هاتان الدولتان، والعضوين في الأمم المتحدة، تعترفان ببعضهما رسميًا، لكن علاقاتهما ظلت متوترة منذ 46 عامًا. وبرأيي، بعد مرور أكثر من أربعة عقود، حان الوقت لإدارة هذا النزاع والتخلّص منه.
لقد أدركت الولايات المتحدة أن التهديدات والإجراءات المختلفة التي استخدمتها حتى الآن ضد إيران لم تُحدث ضررًا وجوديًا بالجمهورية الإسلامية، وأن إيران واصلت مسيرتها رغم كل شيء. كما أدركت إيران أن النزاع مع الولايات المتحدة، التي تلعب دورًا مؤثرًا في السياسات العالمية، لن يساعدها على تحقيق أهدافها.
النقطة الأساسية هنا هي أن العالم اليوم، خارج إطار إيران والولايات المتحدة، لا يرغب في الحروب، ويطالب الطرفين بإنهاء هذا النزاع. وهذا الوضع أوجد فرصة حقيقية يمكن أن تزيد من احتمالات نجاح المفاوضات.
إذا قارنا الوضع الحالي مع فترة مفاوضات الاتفاق النووي، نجد أن بعض الدول الإقليمية حينها بذلت كل ما بوسعها لعرقلة التوصل إلى اتفاق ومنع نجاحه. أما اليوم، فلا توجد دولة في المنطقة ترغب في فشل المفاوضات. حتى الإمارات العربية المتحدة، الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، وكذلك المملكة العربية السعودية، يفضلون التوصل إلى اتفاق بين إيران والولايات المتحدة. وهذا يُظهر أن دول المنطقة ترى مصالحها في إنهاء أو على الأقل إدارة النزاع بين البلدين.
أما روسيا، التي كانت سابقًا تتعامل بشيء من الغموض تجاه المفاوضات بين إيران وأمريكا، فهي الآن منشغلة بالحرب في أوكرانيا، ولا يمكنها أن تعرقل هذه العملية، بل وربما تلعب دورًا إيجابيًا في تسهيلها. والصين، كقوة عالمية كبرى، تهتم بأمن المنطقة نظرًا لمصالحها في استقرار سلاسل الإنتاج وتأمين الطاقة والأسواق الاستهلاكية ودور المنطقة في النقل العالمي، وهي تدعم نجاح المفاوضات. كذلك الاتحاد الأوروبي، رغم استيائه من بعض سلوكيات إيران، لا يبدو راغبًا في استمرار التوتر في المنطقة.
في الواقع، نحن في لحظة تاريخية يتفق فيها جميع الفاعلين الإقليميين والدوليين على ضرورة إدارة النزاع بين إيران وأمريكا والتوصل إلى نهاية له.
من جهة أخرى، إذا نظرنا إلى مطالب الولايات المتحدة حاليًا، نلاحظ أنها تختلف كثيرًا عن المطالب التي طرحها وزير خارجيتها الأسبق، مايك بومبيو. فاليوم يتركز الاهتمام على التوصل إلى اتفاق في المجال النووي فقط، وليس على الشروط المعقدة والواسعة التي كانت تُطرح في السابق.
لذا، نحن أمام فرصة تاريخية يجب استغلالها بشكل جيد. هذا لا يعني التفاؤل الساذج، بل ينبغي الحذر الشديد من المخرّبين الداخليين والخارجيين على الجانبين. فمفاوضات بهذا المستوى من التعقيد، بعد 46 عامًا من النزاع، ستكون حتمًا صعبة وستمر بمراحل صعود وهبوط ولن تكون قصيرة الأمد، بل ستستغرق وقتًا طويلًا بسبب حساسية الموضوع وتاريخه الطويل.
في هذا السياق، حماية مسار التفاوض بحد ذاته لا يقل أهمية عن محتوى التفاوض. يجب مراقبة سلوك الجهات المعارضة للاتفاق في إيران والعالم بدقة. فعلى المستوى الدولي، لا تستفيد إسرائيل من نجاح هذه المفاوضات وستعمل على عرقلتها. وفي الولايات المتحدة، سيواصل لوبي إسرائيل و”تجّار العقوبات” محاولاتهم لإفشالها. وفي إيران، توجد أيضًا مجموعات تستفيد من استمرار العقوبات، وهي تعارض نجاح المفاوضات.
ومع ذلك، فإن الظروف العامة مهيّأة للتفاوض، ويجب استثمار هذا الإجماع الدولي والداخلي – باستثناء تجّار العقوبات – لتحقيق نتيجة إيجابية.
عباس أخوندي
وزير الإسكان والطرق والتنمية الحضرية الإيراني السابق