من الكهرباء إلى الموازنة… سبع أزمات تواجه الاقتصاد الإيراني وتعيق عجلة تقدمه
يرى الخبراء الإيرانيون أن هذه الأزمات تُعد من أبرز التحديات التي تواجه اقتصاد إيران، ويُشبّه البعض منها بـ«الوحوش الخطيرة» التي تهدّد الاقتصاد الإيراني.

ميدل ايست نيوز: في الوقت الذي كانت فيه حكومة إبراهيم رئيسي تدّعي أنها سلّمت الحصان المُسرَّج إلى مسعود بزشکیان وفريقه، إلا أنه وبعد مرور عدة أشهر على بدء عمل الحكومة الرابعة عشرة، عادت من جديد قضايا الإصلاحات الاقتصادية ومعالجة الأزمات الهيكلية لتتصدر اهتمام الرأي العام والإعلام.
وفي هذا السياق، قام اقتصاديون إيرانيون بتحديد عدة أزمات رئيسية، والتي تطلق عليها الحكومة اسم “العجوزات”، في الاقتصاد الإيراني، وقدّموا تحذيرات بهذا الشأن. يرى هؤلاء الخبراء أن هذه الأزمات تُعد من أبرز التحديات التي تواجه اقتصاد إيران، ويُشبّه البعض منها بـ«الوحوش الخطيرة» التي تهدّد الاقتصاد الإيراني.
عجز الكهرباء
رغم امتلاك إيران ثاني أكبر احتياطي غاز ورابع أكبر احتياطي نفط في العالم، إلا أنها واجهت في الأشهر الأخيرة أزمة نقص في الطاقة. هذا النقص لم يؤد فقط إلى توقف خطوط إنتاج المصانع وورش العمل، بل أطفأ أيضاً أنوار المنازل، وخلّف أزمات اقتصادية متعدّدة. وقد وصل الأمر إلى درجة دفعت الحكومة والبرلمان إلى مطالبة الناس بترشيد استهلاك الطاقة والالتفات الجاد لهذا الموضوع.
وفي أوائل أبريل المنصرم، صرّح عباس علي آبادي، وزير الطاقة الإيراني، قائلاً: «سيصل الطلب على الكهرباء هذا العام إلى نحو 85,000 ميغاواط، بينما لا تتجاوز القدرة الإنتاجية في أفضل الأحوال 65,000 ميغاواط». هذه التصريحات تؤكّد وجود عجز قدره 20,000 ميغاواط خلال عام 2025، وتُشير التقديرات إلى إمكانية حدوث انقطاعات مجدولة في التيار الكهربائي خلال الصيف.
عجز البنزين
تحاول إيران منذ سنوات معالجة أزمة البنزين من خلال سياسات متعددة. لكن تزايد استهلاك البنزين بسبب ارتفاع عدد السيارات دون مواكبة في الإنتاج جعل إيران تتحول إلى مستورد للبنزين. ومن جهة أخرى، بحسب تصريحات الرئيس الإيراني ومسؤولين رسميين، يُهرّب يومياً ما بين 20 إلى 25 مليون لتر من الوقود من إيران. هذه المعطيات تؤكد وجود عجز كبير في سوق البنزين، وقد دعت بعض المقترحات إلى رفع سعر البنزين للحد من الأزمة. فيما تشير بعض التقديرات إلى أن واردات البنزين خلال هذا العام قد ترتفع إلى 5.5 مليار دولار.
عجز المياه
يُعد عجز المياه من الأزمات الخطيرة التي تواجه إيران. وقد أثار الانخفاض الكبير في منسوب مياه سدود كرج في الأيام الأخيرة قلقاً واسعاً لدى سكان العاصمة طهران. فالنقص في المياه خلال السنوات الأخيرة تحوّل إلى أحد أكبر التحديات في البلاد. ففي العام الماضي، تسببت هذه الأزمة في احتجاجات شعبية في محافظات أصفهان وخوزستان وجهارمحال وبختياري. أما هذا العام، فقد تحولت أزمة المياه في محافظات مثل همدان إلى مشكلة حقيقية، بينما تعاني مناطق مثل سيستان وبلوشستان من هذا الوضع بشكل دائم.
العجز المصرفي
يعد عجز البنوك من المشكلات الجوهرية، حيث يسلط الضوء إلى وضع لا تتطابق فيه الالتزامات المالية للبنك – مثل الودائع والقروض – مع أصوله كالقروض المسددة والاستثمارات.
ويعتقد خبراء الاقتصاد أن من أهم أسباب هذا العجز هو انخفاض قيمة الأصول المصرفية وارتفاع حجم الديون. كذلك فإن غياب إدارة المخاطر الفعالة يؤدي إلى منح قروض عالية المخاطر، ما يعمّق الفجوة. بالإضافة إلى ذلك، فإن انخفاض معدلات الفائدة على الودائع وتأخر تحصيل القروض يؤثر سلباً على الإيرادات ويُفاقم العجز. كما أن منح قروض غير قابلة للسداد لعملاء ذوي ملاءة مالية ضعيفة يزيد من المخاطر. من جهة أخرى، تؤدي الأزمات الاقتصادية الكبرى وتقلبات سعر الصرف إلى تعميق أزمة العجز في البنوك.
وتؤدي هذه العجوزات إلى تقليص فرص التمويل وتراجع الاستثمار والإنتاج وارتفاع معدلات البطالة والأسعار، مما يرفع من معدلات التضخم ويقلل من القدرة الشرائية، الأمر الذي يُفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية. كما أن انخفاض قدرة البنوك على تقديم القروض الاستهلاكية قد يؤدي إلى تزايد الغضب الشعبي وتراجع الثقة العامة في النظام.
عجز الموازنة
في كل عام، مع تقديم مشروع قانون الميزانية، يُثار الجدل في وسائل الإعلام الإيرانية وبين الاقتصاديين حول عجز الميزانية. يشير هذا العجز إلى الحالة التي تتجاوز فيها النفقات الموارد المالية المتاحة. بمعنى آخر، عندما تتحمّل الحكومة أو المؤسسة أو الهيئة المالية نفقات تتجاوز الإيرادات المتأتية من الضرائب والرسوم وغيرها، يظهر عجز في الميزانية. هذا العجز قد يؤدي إلى عواقب خطيرة مثل زيادة الدين العام وتراجع التصنيف الائتماني وحدوث مشكلات اقتصادية مثل التضخم وتراجع الاستثمار وضعف النمو الاقتصادي.
ومن جهة أخرى، قد يؤدي خفض الإنفاق العام كحل لعجز الميزانية إلى تراجع مستوى الخدمات العامة وزيادة الاستياء الشعبي. كما يؤثر هذا التراجع في قطاعات مثل الصحة والتعليم على جودة الحياة ويزيد من الفجوات الاجتماعية. وقد تفضي الاحتجاجات الاجتماعية الناتجة عن ذلك إلى أزمات أعمق تُفاقم العجز المالي والاقتصادي.
عجز صناديق التقاعد
تُواجه صناديق التقاعد في إيران حالياً أزمة عجز هيكلي حادة ناجمة عن زيادة عدد المتقاعدين وتراجع الموارد والركود الاقتصادي والتضخم المرتفع وغيرها من العوامل. ويمكن أن يؤثر هذا الوضع على قدرة الصناديق على دفع المعاشات، مما يؤدي إلى حالة من الاستياء الاجتماعي.
ويُعد غياب التوازن بين الإيرادات والنفقات أحد المشكلات الأساسية، وإذا لم تتم إدارتها بشكل فعال، فإن ذلك سيؤدي إلى تراجع مستوى معيشة المتقاعدين، ويزيد من احتمالات حدوث أزمات اقتصادية واجتماعية. كما أن تراجع المعاشات قد يؤدي إلى ازدياد عدد الفقراء وزيادة الضغط على الدولة لتلبية الاحتياجات الأساسية، وبالتالي تعميق عجز الميزانية.
العجز النقدي والعملة الصعبة
يشير العجز النقدي إلى الحالة التي لا يستطيع فيها بلد ما الوفاء بالتزاماته بالعملة الأجنبية، نتيجة عدم التوازن بين العرض والطلب على النقد الأجنبي. ويحدث هذا غالباً بسبب الفجوة بين الإيرادات من العملة الصعبة (مثل الصادرات، والاستثمارات الأجنبية، والمساعدات) والنفقات بالعملة الأجنبية (كالاستيراد والمدفوعات الدولية).
وتشمل آثار هذا العجز انخفاض قيمة العملة الوطنية وارتفاع معدلات التضخم وزيادة كلفة الواردات واحتمال حدوث أزمات مالية واقتصادية وتراجع الاستثمارات الأجنبية. كما أن عدم الاستقرار في سعر الصرف قد يُبعد المستثمرين الأجانب عن السوق المحلية.
إلى جانب هذه الأزمات، يمكن أيضاً الإشارة إلى العجز في قطاع الصناعة، وسوق العمل، والنظام الضريبي، وهي قضايا لا تقل أهمية وتتطلب إصلاحات جذرية ضمن إطار رؤية اقتصادية شاملة.