نهج مزدوج وتضارب في المواقف… هل تعرقل الاتهامات الفرنسية مسار المفاوضات الإيرانية الأميركية؟

رغم تأكيد فرنسا دعمها للمفاوضات النووية بين طهران وواشنطن إلا أن التنسيق المعلن مع الأخيرة حول "محتوى وتوقيت" الاتفاق، إلى جانب التهديدات والاتهامات، يجعل من هذا الدعم مجرد موقف مشروط وغير صادق.

ميدل ايست نيوز: عشية انتهاء الاتفاق النووي لعام 2015 في خريف 2025، تعكس التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الفرنسي، جان نُويل بارو، نهجًا مزدوجًا ومثيرًا للتوتر من جانب باريس، بصفتها المحرك الرئيسي للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي تجاه المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن. ففي حين يُعرب بارو عن دعمه للحوار الدبلوماسي، إلا أن إطلاقه اتهامات جديدة ولا أساس لها ضد إيران، وتأكيده على توسيع نطاق المفاوضات لتشمل القضايا الصاروخية والإقليمية، يوجّه إشارات مدمّرة للعملية الدبلوماسية. هذه المواقف التي عبّر عنها في جلسة أسئلة وأجوبة بمركز “مجلس الأطلسي” وفي تصريحات أخرى خلال الأسبوع الماضي، لا تُعقّد المفاوضات فحسب، بل تُضعف مناخ الثقة عبر التهديد بإعادة فرض العقوبات.

الاتهامات والتهديد بفرض العقوبات

في تصريحات استفزازية، زعم بارو أن إيران “تسعى للحصول على سلاح نووي”، وأنها “تجاوزت كل التزاماتها بشأن تخصيب اليورانيوم”. كما ادّعى في جلسة “مجلس الأطلسي” أن فرنسا ومدينة مرسيليا تقعان “ضمن مدى الصواريخ الإيرانية”، وهو اتهام يفتقر لأي دليل ملموس ويؤدي إلى تصعيد الخطاب العدائي. هذه التصريحات، التي تُقدّم إيران كتهديد مباشر لأمن أوروبا، تتناقض مع تأكيد بارو على عدم وجود حل عسكري، وتُظهر تباينًا واضحًا في سياسة باريس.

وقد هدّد بارو أيضًا بأنه في حال عدم ضمان المصالح الأمنية لأوروبا، فإن فرنسا “لن تتردد لحظة واحدة” في إعادة جميع العقوبات التي تم رفعها خلال العقد الماضي، مشيرًا إلى أن هذه العقوبات ستقطع وصول إيران إلى التكنولوجيا والاستثمار والأسواق الأوروبية، مما ستكون له “عواقب مدمّرة” على الاقتصاد الإيراني. هذه التهديدات، التي تزامنت مع الإشارة إلى “انتهاء الاتفاق النووي في الخريف”، تضع ضغطًا سلبيًا على المفاوضات، وقد تقلل من دافعية إيران للاستمرار في الحوار.

توسيع غير واقعي لنطاق المفاوضات

من الجوانب السلبية لموقف بارو، إصراره على إدراج “العناصر الصاروخية والنشاطات الإقليمية الإيرانية” في أي اتفاق محتمل. إذ أوضح خلال حديثه في مجلس الأطلسي أن فرنسا كانت منسقة مع الولايات المتحدة منذ شهور بشأن محتوى الاتفاق، ولديها “رؤية واضحة” لما أسماه “اتفاقًا قويًا ووقائيًا” يجب أن يشمل هذه الملفات. وأضاف أن هذا المحتوى تم تقديمه “بالمجان” إلى المفاوضين الأميركيين، في محاولة تبدو كفرض شروط فرنسية غير واقعية على مسار التفاوض.

هذا الإصرار على توسيع نطاق المحادثات ليتجاوز القضية النووية، لا يتوافق مع طبيعة وتعقيد المفاوضات الحالية. إذ أكدت إيران مرارًا أن برنامجها الصاروخي دفاعي وغير قابل للتفاوض، وأن أنشطتها الإقليمية تتعلق بأمنها القومي وتعاونها مع حلفائها. طرح مثل هذه الشروط من جانب فرنسا، في وقت تمر فيه المفاوضات بين طهران وواشنطن بمرحلة حساسة، قد يشكّل عائقًا أمام التقدم الدبلوماسي، ويقود إلى طريق مسدود.

التناقض في دعم الدبلوماسية

رغم تأكيد بارو المتكرر على دعم فرنسا للمفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، وتصريحه بأن “لا حل عسكريًا” للمسألة النووية الإيرانية، وأن أي تحرك عسكري “له تكلفة باهظة” لن تتحملها فرنسا، إلا أن التنسيق المعلن مع واشنطن حول “محتوى وتوقيت” الاتفاق، إلى جانب التهديدات والاتهامات، يجعل من هذا الدعم مجرد موقف مشروط وغير صادق.

وتظهر تصريحات بارو بأن فرنسا كانت “من اليوم الأول” منسقة مع ماركو روبيو، وزير الخارجية الأميركي، سعي باريس للعب دور مركزي في هذه المفاوضات. لكن هذا الدور، بدلًا من تسهيل الحوار، جعل العملية أكثر تعقيدًا بسبب فرض الشروط والتهديدات. هذا التناقض، الذي يظهر فيه دعم ظاهري للدبلوماسية، يقترن في الواقع بعقبات تُضعف الثقة بين الأطراف، وخصوصًا إيران.

عرقلة محتملة من الإليزيه وآفاق الدبلوماسية

بالمجمل، تعكس مواقف وزير الخارجية الفرنسي خلال الأسبوع الماضي، والتي جمعت بين اتهامات غير مدعومة، تهديدات بالعقوبات، وإصرار على توسيع المفاوضات، نهجًا تخريبيًا تجاه المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة. هذه التصريحات، التي تصدر عشية انتهاء أجل الاتفاق النووي في خريف 2025، لا تساعد على بناء الثقة، بل تسهم في خلق مناخ من الضغط قد يقود إلى مأزق دبلوماسي.

اتهامات من قبيل “سعي إيران لامتلاك السلاح النووي” أو “تهديد مرسيليا بالصواريخ الإيرانية”، دون أي أدلة قاطعة، لا تؤدي إلا إلى تصعيد التوتر وتبرير مطالب غير واقعية من جانب باريس. كان بإمكان فرنسا، كطرف في الاتفاق النووي، أن تلعب دورًا بنّاءً في تيسير الحوار. إلا أن إصرار بارو على إدراج قضايا خارج الإطار النووي، وتهديده بإعادة فرض العقوبات، يشير إلى نهج تصادمي لا يتماشى مع روح الدبلوماسية.

وفي ظل حاجة المفاوضات بين طهران وواشنطن إلى أجواء إيجابية وثقة متبادلة، فإن هذه الإشارات السلبية قد تقلل من حافز إيران للاستمرار في المحادثات. للحفاظ على فرص الدبلوماسية، ينبغي على باريس أن تتوقف عن فرض الشروط غير الواقعية والتهديدات، وتُركّز بدلًا من ذلك على الإطار النووي الأصلي للاتفاق. خلاف ذلك، قد يُفضي نهج فرنسا الحالي إلى إفشال المفاوضات ودفع المنطقة نحو مزيد من التوتر غير الضروري.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة عشر − سبعة =

زر الذهاب إلى الأعلى