من الصحافة الإيرانية: لهذه الأسباب تطالب الولايات المتحدة إيران بوقف تخصيب الوقود النووي
أفادت صحيفة خراسان الإيرانية أن المخاوف الغربية بشأن البرنامج النووي الإيراني لا تقتصر على الأبعاد الفنية فحسب، بل تتعداها إلى اعتبارات استراتيجية أوسع.

ميدل ايست نيوز: أفادت صحيفة خراسان الإيرانية أن المخاوف الغربية بشأن البرنامج النووي الإيراني لا تقتصر على الأبعاد الفنية فحسب، بل تتعداها إلى اعتبارات استراتيجية أوسع. وأشارت الصحيفة إلى أن استمرار عملية تخصيب اليورانيوم في إيران يُعد بمثابة تراكم للتكنولوجيا التقنية المحلية، وهي معرفة لا يمكن إيقافها بمجرد إطفاء أجهزة الطرد المركزي، إذ إن هذه القدرة قابلة للاستعادة بسهولة. ومن هذا المنطلق، ترى الولايات المتحدة أن أي اتفاق يقتصر على وقف مؤقت أو رمزي للتخصيب لا يحقق غاياتها.
وأضاف التقرير أن نسبة التخصيب تُعد وحدة قياس كمية يسهل التفاوض بشأنها وتسويقها والتعامل معها دبلوماسيًا، ما يجعلها في نظر الساسة الغربيين مؤشرًا ملموسًا للتقدّم النووي.
الدوافع الكامنة خلف الإصرار الأمريكي على “إيقاف التخصيب”
يظهر تحليل أعمق للموقف الأمريكي أن هذا التوجه لا ينبع فقط من مخاوف فنية، بل يستند إلى ستة اعتبارات استراتيجية:
احتواء النموذج الإيراني في المنطقة
تثبيت حق إيران في التخصيب، حتى ضمن حدود خاضعة للرقابة، قد يتحوّل إلى نموذج مشروع في المنطقة. وفي حال تحقق ذلك، من المرجّح أن تطالب دول مثل السعودية وتركيا ومصر والإمارات بحق مماثل، مما يؤدي إلى تعطيل التوازن النووي في الشرق الأوسط، ويفرض تحديًا على مشروعية معاهدة حظر الانتشار النووي. النتيجة المحتملة قد تكون بروز “قومية نووية” إقليمية، تشكل تهديدًا بنيويًا للترتيبات الأمنية التي تسعى واشنطن لترسيخها.
الحفاظ على التفوّق الاستراتيجي الإسرائيلي
يُعتبر مبدأ “التفوّق النوعي العسكري” من ركائز العقيدة الأمنية الإسرائيلية، ويهدف إلى ضمان امتلاك إسرائيل لتفوق تكنولوجي وعسكري دائم على جيرانها. من هذا المنطلق، ترى تل أبيب أن حتى برنامج نووي إيراني مدني الطابع لكنه محلي الصنع، قد يربك معادلات الردع الإقليمي، خاصة وأنه يقلّص “المدة الزمنية للفرار نحو السلاح” – وهي الفترة التي تفصل بين قرار سياسي وبين القدرة على إنتاج سلاح نووي. وجود يورانيوم مخصب وبنية تحتية تقنية وكوادر بشرية مؤهلة داخل إيران، حتى ضمن إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يقلّص هذه المهلة إلى حد يعقّد أي ردّ استباقي إسرائيلي ويجعل كلفته مرتفعة.
استخدام ملف التخصيب كورقة تفاوضية في الملفات غير النووية
من منظور واشنطن، فإن وقف التخصيب بالكامل يوفر أداة ضغط فعّالة في التفاوض على ملفات أخرى مثل برنامج إيران الصاروخي ودورها الإقليمي. ويُنظر إلى تعليق أنشطة التخصيب على أنه نقطة انطلاق للتفاوض المشروط، حيث يصبح استئناف أي نشاط نووي بحاجة إلى تنازل مقابل من الجانب الإيراني.
الاستجابة للضغوط الداخلية في الولايات المتحدة
يُعد مطلب “وقف التخصيب” أداة استراتيجية لتقييد نفوذ إيران الإقليمي. فكلما بقيت أجهزة الطرد المركزي متوقفة، تطلّب أي تحرّك نحو استعادة القدرات النووية تنازلات مقابلة. هذا النمط من الضغط سبق أن اختبرته الولايات المتحدة في مفاوضات فيينا عام 2013، ويجري اتباعه الآن بوتيرة أشد.
التحكّم في سوق الطاقة العالمي
رغم إدراك واشنطن أن إيران لا تسعى إلى امتلاك سلاح نووي – وهو موقف أكدته مرارًا تصريحات المسؤولين الإيرانيين وتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية – إلا أن الولايات المتحدة تواصل استخدام ملف التخصيب كذريعة لإبقاء العقوبات. ذلك أن أي نشاط نووي، ولو سلميًا، يمكن أن يُستغل كذريعة قانونية وإعلامية لرفض رفع العقوبات. في الواقع، لا يكمن القلق الأمريكي في تهديد عسكري وشيك، بل في عودة إيران إلى سوق الطاقة العالمية وما قد يترتب عليه من اضطراب في الأسعار وتوازنات المصالح الجيو-طاقوية.
استراتيجية “الاحتواء التكنولوجي”
تتبع الولايات المتحدة سياسة ممنهجة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية للحد من وصول خصومها إلى التكنولوجيا المتقدّمة، كما فعلت سابقًا مع ألمانيا واليابان بهدف منع إعادة التسلّح. واليوم، تُعد إيران الدولة الوحيدة خارج المظلة الأمنية الأمريكية التي استطاعت تطوير برنامج نووي معقّد بقدرات محلية. ووفقًا للرؤية الأمريكية، يجب احتواء هذا الإنجاز بصرف النظر عن أهدافه، لأن بقاء نموذج كهذا دون سيطرة قد يلهم دولًا أخرى في عالم متعدد الأقطاب، ما يُهدد النظام التكنولوجي العالمي الذي تسعى الدول الغربية لفرضه.