من الصحافة الإيرانية: ترامب ودول مجلس التعاون… زيارة تقلب الموازنات وتعيد رسم السياسات
رغم نجاح زيارة ترامب إلى ممالك الخليج على الصعيد الاقتصادي، لا تزال الملفات الإقليمية – من البرنامج النووي الإيراني إلى مصير غزة ولبنان وسوريا – مفتوحة على المجهول.

ميدل ايست نيوز: في أول زيارة له إلى الشرق الأوسط، فاجأ دونالد ترامب العديد من المراقبين بإجراءات حاسمة. فرغم التوقعات التي ركزت على المصالح الاقتصادية الكبيرة، رسم ترامب الخطوط العريضة لسياسته الجديدة في هذه المنطقة المضطربة. ومن خلال اختياره دول الخليج النفطية كوجهة لأول زيارة رسمية له، حاول الرئيس الأميركي الخامس والأربعون إعادة هذه الدول إلى مدار واشنطن. وكانت هذه الدول، ذات التوجه البراغماتي في السياسة، قد انتهجت خلال السنوات الأخيرة سياسة خارجية تقوم على “عدم الانحياز”، وأقامت علاقات وثيقة مع روسيا والصين بصفتهما شريكين تجاريين رئيسيين.
ويبدو أن هذا الرهان بدأ يثمر، إذ وعدت ممالك الخليج النفطية باستثمارات ضخمة في الولايات المتحدة خلال السنوات العشر المقبلة. وتشمل اتفاقيات الاستثمار مع السعودية مبلغ 600 مليار دولار، ومع قطر 500 مليار دولار، ومع الإمارات نحو 1.4 تريليون دولار، تتركز بشكل رئيسي في مجالات الصناعات الدفاعية وتطوير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. وقد نجحت الشركات الأميركية أيضًا في توقيع عقود مهمة، من بينها شركة بوينغ، التي كانت تعاني من مشكلات مالية خطيرة، وكانت في أمسّ الحاجة إلى هذه العقود. وقد سجلت الإمارات طلبية لشراء 28 طائرة، ووقّعت شركة “القطرية” للطيران عقدًا ضخماً بقيمة 200 مليار دولار مع الشركة الأميركية.
في الوقت نفسه، لم تغفل ممالك الخليج عن مصالحها. إذ تسعى السعودية، مقابل هذه الشراكات، للحصول على موافقة واشنطن لتطوير برنامجها النووي المدني، فيما تأمل الإمارات في تعاون في مجال الطاقة، وخصوصًا التكنولوجيا، حيث تطمح أبوظبي إلى أن تصبح رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي.
وإلى جانب سعيه لتحقيق مكاسب اقتصادية، استغل الرئيس الأميركي هذه الزيارة لعرض توجهات ولايته الرئاسية الثانية. وخلال “منتدى الاستثمار الأميركي – السعودي”، ألقى ترامب خطابًا تناول فيه السياسة الخارجية، انتقد فيه بشدة التدخلات المفرطة للإدارات النيو-محافظة والديمقراطية السابقة، مستشهدًا بدروس الماضي. وقد عبّر عن احترامه لسيادة مضيفيه ومدح إنجازاتهم بعبارات غير معتادة، قائلاً: “على بقية العالم أن يدرك هذه الحقيقة: هذا التحول الكبير لم يأتِ من المتدخلين الغربيين أو من أولئك الذين يهبطون بطائرات أنيقة ليعطوكم دروسًا في الحياة وإدارة أوطانكم. لا، روعة الرياض وأبوظبي لم يصنعها أولئك الذين يسمّون أنفسهم بـ«صانعي الأمم»، ولا المحافظون الجدد، ولا الليبراليون أصحاب النوايا الحسنة الذين أنفقوا آلاف المليارات دون أن يتمكنوا من تطوير كابول أو بغداد أو غيرها من المدن.”
كما عبّر ترامب عن مواقفه من القضايا الساخنة في الشرق الأوسط، مثل مستقبل البرنامج النووي الإيراني وسوريا. ورغم انتقاداته الحادة للسياسات الإيرانية السابقة، أكد ترامب رغبته في “إنهاء الصراعات” و”الوصول إلى اتفاق” مع طهران، رافضًا بشكل غير مباشر الهجمات الاستباقية التي كانت تُطالب بها تل أبيب.
لكن نتائج المفاوضات لا تزال غير واضحة، إذ تصر إيران على الحفاظ على برنامجها النووي المدني.
وفاجأ ترامب المراقبين أيضًا بقراره رفع العقوبات عن سوريا، التي يواجه اقتصادها خطر الانهيار. وقد شجع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، هذا القرار، متعهدًا بتسديد ديون سوريا للبنك الدولي (15 مليون دولار) والمساهمة في إعادة إعمار البلاد.
وفي خطوة مثيرة للجدل، التقى ترامب في الرياض، يوم الأربعاء 14 مايو، بأحمد الشرع، أحد أعضاء القاعدة السابقين الذي بات يحمل وجهًا جديدًا، وهي خطوة محفوفة بالمخاطر في ظل عجز الحكومة السورية المؤقتة عن فرض سلطتها، واستغلال الجماعات المتطرفة مثل داعش للفراغ الأمني.
وقد أدت هذه التحركات إلى تصعيد التوتر بين واشنطن وتل أبيب، خاصة وأن إسرائيل استُبعدت من جدول الزيارة الرئاسية. كما ألغى نائب الرئيس، جي. دي. فانس، زيارته إلى تل أبيب، لأسباب وُصفت بأنها “لوجستية”، بالتزامن مع إعلان هجوم جديد في قطاع غزة، الذي تتدهور أوضاعه الإنسانية بشكل متسارع. هذا الوضع حال دون نجاح ترامب في إقناع ممالك الخليج بتوسيع “اتفاقيات أبراهام”.
وفي الختام، ورغم نجاح الزيارة على الصعيد الاقتصادي، لا تزال الملفات الإقليمية – من البرنامج النووي الإيراني إلى مصير غزة ولبنان وسوريا – مفتوحة على المجهول. ويبقى السؤال: هل ستؤتي مقاربة ترامب، الغريبة لكن البراغماتية، ثمارها أم لا؟
أردوان أمیر أصلاني
صحفي إيراني