من الصحافة الإيرانية: سيناريوهان على طاولة المفاوضات.. تعليق مؤقت للتخصيب أو اتفاق مرحلي

شكلت حتى الآن رغبة البلدين في التوصل إلى اتفاق عبر التفاوض والدبلوماسية، رغم تمسكهما بمواقفهما بشأن التخصيب، المحرك الأساسي لمواصلة هذه المفاوضات.

ميدل ايست نيوز: قدمت سلسلة المنشورات التي نشرها وزير خارجية سلطنة عمان عقب انتهاء الجولة الخامسة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، صورة أوضح من أي تصريح آخر حول طبيعة وسير هذه المفاوضات. فقد قال: «المفاوضات شهدت بعض التقدم؛ لكنها لم تُحرز تقدماً حاسماً.» هذا التعبير يدل على أنه لم يتم التوصل بعد إلى اتفاق بشأن المواضيع الرئيسية المطروحة على طاولة التفاوض، أو ربما الموضوع الوحيد في هذه الجولة، وهو تخصيب اليورانيوم داخل الأراضي الإيرانية.

رغبة البلدين في مواصلة التفاوض

شكلت حتى الآن رغبة البلدين في التوصل إلى اتفاق عبر التفاوض والدبلوماسية، رغم تمسكهما بمواقفهما بشأن التخصيب، المحرك الأساسي لمواصلة هذه المفاوضات. فمن الطبيعي أن تفضل إيران التوصل إلى حل سلمي يجنّبها الحرب ويخفف عنها وطأة العقوبات. إذ تستدعي بعض المشاكل الاقتصادية-الاجتماعية في الداخل الإيراني والتطورات الإقليمية الجديدة تمامًا بالنسبة لإيران، تستدعي إيجاد حل تفاوضي. أما الجانب الأمريكي، فلديه كذلك أسباب تجعله يفضّل الدبلوماسية. ترامب، وخلال الأشهر الأربعة التي أمضاها في البيت الأبيض، لم يحقق تقريبًا أي إنجاز في السياسة الخارجية، رغم الشعارات الرنانة التي أطلقها. لذلك، يرغب على الأقل في تحقيق نتيجة ما في ملف البرنامج النووي الإيراني، ليعرضها على قاعدته الانتخابية كنجاح في السياسة الخارجية.

إضافة إلى ذلك، لا يرغب في أن يُجبر على بدء مواجهة عسكرية محفوفة بالمخاطر في المنطقة نتيجة فشل المفاوضات، ما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط وبالتالي تفاقم مشاكل الاقتصاد الأمريكي. لهذه الأسباب، يسعى الطرفان بعد كل جولة مفاوضات إلى تقديم صورة إيجابية عنها. ومع ذلك، فإن كليهما لا يملك هامشًا واسعًا لتقديم التنازلات. مشكلة ترامب الأهم أنه في حال تم التوصل إلى اتفاق، فإن التيار المتشدد سيقارن ذلك حتمًا بالاتفاق النووي.

كما أن المسؤولين الإيرانيين، بدورهم، يتعرضون لضغوط داخلية متعددة تدفعهم للاستمرار في التخصيب داخل البلاد. ومن الصعب عليهم القبول بالتراجع تحت ضغط خارجي عن نشاط لا يوجد أي منع صريح له في القانون الدولي. كما أنهم يواجهون ضغوطًا داخلية تحثهم على عدم التراجع عن التخصيب بسبب الضغط الخارجي.

تماشى التيار الأصولي في إيران، رغم عدم نظرته الإيجابية للتفاوض مع الولايات المتحدة، على مضض مع سياسة التفاوض. لكنه سيجد صعوبة في تقبل فرض الغرب لرأيه بشأن التخصيب. علاوة على ذلك، فقد أنفقت إيران خلال أكثر من 20 عامًا تكاليف مباشرة وغير مباشرة باهظة من أجل امتلاك برنامج تخصيب والحفاظ عليه، ولذلك سيكون من الصعب جدًا التخلي عنه.

السيناريوهات المحتملة

يتمثل السيناريو الأول في مواصلة الجهود لتجاوز الخلاف حول مبدأ تخصيب الوقود النووي. وفي هذا السياق، طرحت بعض الوسائل الإعلامية، منسوبةً لمصادر أمريكية، فكرة تعليق تخصيب اليورانيوم في إيران بشكل مؤقت. وربما، في ضوء تجربة إيران السابقة في الموافقة على تعليق التخصيب ضمن بيان سعد آباد عام 2003. يمكن أن تنظر إيران في هذا الخيار.

لكن حتى في حال وقف التخصيب، هناك تفاصيل عديدة يجب التوافق عليها بين الطرفين. من بين هذه التفاصيل: ما مصير المنشآت وأجهزة الطرد المركزي؟ هل ستقبل الولايات المتحدة ببقائها في مواقعها، مع وقف استخدامها وضخ الغاز فيها فقط؟ ما المقابل الذي ستقدمه الولايات المتحدة مقابل وقف تشغيل أجهزة الطرد المركزي؟ هل ستكون مستعدة لرفع جميع العقوبات الثانوية؟

السيناريو الثاني، في حال تعذر تحقيق السيناريو الأول، يتمثل في أن يقبل الطرفان بتجميد مؤقت للنقاش حول مسألة التخصيب والتركيز على قضايا أخرى، بهدف إنقاذ المفاوضات ومنع إعلان فشلها، وضمان استمرار التواصل بين الجانبين. وهذه القضايا الأخرى يمكن أن تكون كالتالي:

  1. يمكن لفِرَق التفاوض مناقشة مجموعة من المواضيع الأخرى مثل آليات التحقق وأساليب التفتيش ومستويات الوصول ونطاق وكيفية رفع العقوبات وآلية حل النزاعات، وما شابه. التقدم في هذه القضايا قد يساعد على إذابة الجليد بين الطرفين، وتهيئة الأرضية للعودة إلى نقاش التخصيب لاحقًا.
  2. حلّ آخر يمكن أن يكون عبر اتفاق مؤقت. هذا الاتفاق قد يتضمن تقديم تنازلات مؤقتة من كلا الطرفين، ويمنع فشل المفاوضات، ويوفر فرصة لبناء مزيد من الثقة والتواصل؛ كأن تقدّم إيران تنازلًا بشأن وقف أو تقليل نسبة التخصيب عند 60% أو 20%، وربما تبدي مرونة في حجم مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، مقابل قبول الولايات المتحدة برفع جزء من العقوبات، وإلغاء تجميد بعض الأرصدة الإيرانية.

کوروش أحمدي
دبلوماسي إيراني سابق

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى