من الصحافة الإيرانية: هل امتلاك إيران لقنابل نووية يشكل أداة ردع؟

ما يجهله المعارضون للمفاوضات النووية في إيران أن الردع النووي الحقيقي يكمن في امتلاك روسيا لـ4300 رأس نووي مقابل 3700 رأس نووي لدى الولايات المتحدة. فامتلاك إيران لعشر قنابل نووية، لا يحقق الردع المنشود.

ميدل ايست نيوز: يسعى تيار في إيران يُعرّف نفسه كمدرسة واقعية في العلاقات الدولية لتمرير مغالطة باعتبارها طرحًا تحليليًا. يزعم هذا التيار، في تحليله للمفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، أنه بصدد رسم خطوط حمراء ووضع الواجبات والممنوعات التي ينبغي على المفاوضين أخذها بعين الاعتبار.

يطرح القائمون على هذا التيار مسألة مخزون اليورانيوم الإيراني المخصب بنسبة 60٪ كأحد أدوات الردع للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي لا ينبغي التفريط بها خلال المفاوضات. المنطق الذي يقدمونه يقول إن على إيران أن تحتفظ بقدرتها على الوصول إلى السلاح النووي، وأن تبقى على عتبة امتلاكه، لكنهم، في أحسن الأحوال، لا يدركون أن ما يطرحونه يتناقض مع المواقف الرسمية المعلنة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو ما سيتم التطرق إليه في ختام هذا المقال.

ورغم احتياطهم في التعبير عن الرأي، إلا أن هؤلاء يشيرون إلى مخزون اليورانيوم بنسبة 60٪، بل ويتحدثون عن إمكانية إنتاج قنبلة نووية، كأداة للردع النووي. في الوقت الراهن، ووفقًا لأحدث تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إيران قادرة بسهولة على تخصيب ما يكفي من اليورانيوم لصنع عشر قنابل نووية؛ وهو رقم كان العام الماضي ثلاث قنابل، ثم أصبح ستًا، والآن وصل إلى عشر.

ما يجهله هؤلاء أن الردع النووي الحقيقي يكمن في امتلاك روسيا لـ4300 رأس نووي مقابل 3700 رأس نووي لدى الولايات المتحدة. بمعنى، إن امتلاك عشر قنابل نووية، لا يحقق الردع المنشود. فإيران غير النووية، هاجمت إسرائيل مرتين العام الماضي، رغم أن الأخيرة تمتلك نحو 90 رأسًا نوويًا (وبحسب روايات أخرى بين 200 و250 رأسًا).

إلى جانب هذا، حتى لو افترضنا أن إيران أقدمت على صنع قنبلة نووية، فكيف يمكن لعشر قنابل أن تُحدث ردعًا فعليًا لصالح إيران؟ عند صياغة سيناريو نووي، لا بد من النظر في أبعاده المختلفة. هذه الرؤوس النووية التي قد تُصنع، مع أي من أنظمة السلاح الإيرانية ستُستخدم؟

الدول المالكة للسلاح النووي تضع دائمًا سيناريوهات متعددة ليوم المواجهة، تشمل تنوع وسائل الإطلاق، ونقاط التمركز، وآليات استخدام الرؤوس النووية. على سبيل المثال، الولايات المتحدة تحتفظ بجزء من ترسانتها النووية في ست قواعد داخل خمس دول من حلف الناتو (بلجيكا، ألمانيا، إيطاليا، هولندا، وتركيا).

وكذلك روسيا تحتفظ بجزء من أسلحتها النووية في بيلاروسيا. كما أن بعضها موجود في الغواصات، التي تختلف مواقعها ومهامها. كل هذه السيناريوهات موضوعة للحفاظ على قدرة “الضربة الثانية”؛ أي قدرة الدولة على الرد في حال تعرضت لهجوم نووي. فهل يشبه هذا الوضع واقع إيران بأي شكل من الأشكال؟

يقدم أتباع التيار هذا مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ كأداة قوة انطلاقًا من هذا المنطق. وفي أفضل الأحوال، فإنهم يسعون لاستخدام هذا الأمر كورقة ضغط سياسية، حتى في حال تم التوصل إلى اتفاق، يتمكنوا من القول إن المفاوضين فرّطوا بأداة الردع على طاولة التفاوض. من غير الممكن التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والولايات المتحدة دون حسم مصير هذا المخزون.

تظهر التصريحات الرسمية أن الجهات المفاوضة تنظر إلى هذه المخزونات باعتبارها ورقة تفاوضية، لا أداة ردع. ويمكن الرجوع إلى تصريحات وزير الخارجية عباس عراقجي خلال مقابلة تلفزيونية بتاريخ 22 مايو، حيث أوضح أن “الجمهورية الإسلامية، على مدى العقدين الماضيين، تحمّلت ضغوطًا كبيرة دون أن تتجه لصنع السلاح النووي”.

لكن لماذا نقول إن تصريحات أتباع ذلك التيار تتناقض مع مواقف الجمهورية الإسلامية المعلنة؟ لأن البنية السياسية في إيران تؤكد باستمرار على الطابع السلمي للبرنامج النووي. كما يستشهدون بتصريحات تولسي غابارد، مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، التي أكدت في أبريل الماضي أن إيران لا تعمل على صنع سلاح نووي.

إذا اتجهت إيران اليوم لاختبار سلاح نووي، وصنعته، وركبته على رؤوس صواريخ باليستية، فإن ذلك يعني أن كل هذه الادعاءات كانت زائفة. لأن تكنولوجيا تصنيع السلاح النووي ليست أمرًا يُنجز خلال أسبوع أو عشرة أيام. حينها ستواجه إيران عزلة أكبر وضغوطًا أشد حتى من قِبل حلفائها المحدودين.

وربما النموذج الوحيد الذي يخالف هذه الرؤية هو كوريا الشمالية، التي صنعت سلاحًا نوويًا وحققت به قدرًا من الردع. لكن الردع بخمسين رأسًا نوويًا، والعيش على طريقة بيونغ يانغ، قد لا يكون خيارًا مناسبًا للمجتمع الإيراني.

محسن صالح خواه
صحفي إيراني

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
ميدل ايست نيوز
المصدر
صحيفة هم ميهن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إحدى عشر − أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى