من الصحافة الإيرانية: المحادثات الإيرانية الأميركية.. طغيان الهامش على النص
إن الجانب المضيء في الصورة يتمثل في أن الطرفين، رغم حدة التوتر، لا يزالان يتحليان ببعض الحذر، ويدركان جيداً أن تجاهل أخطاء محتملة في هذه المرحلة قد يجرّ إلى كارثة يصعب تداركها.

ميدل ايست نيوز: بعكس التحفّظ الذي أبدته طهران وواشنطن في بداية محادثاتهما، يبدو أن الجانبين قد انجرا مجدداً إلى مواجهات إعلامية محتدمة.
وقد تفاقم الوضع الراهن نتيجة تأثر واشنطن بالتيارات “المتطرفة – الدعائية”، ما دفعها إلى استعراض القوة، دون أن تعير اهتماماً يُذكر للنتائج العملية لسلوكها من منظور طهران. فمطالبها المتزايدة وتصرفات ممثليها المتذبذبة، بدءاً من الرئيس ومروراً بوزير الخارجية، ووزير الدفاع، وأعضاء الكونغرس، وانتهاءً بستيف ويتكوف، كبير المفاوضين الأمريكيين، زادت من حالة الريبة وسوء الظن في نوايا واشنطن تجاه أي تفاعل مع طهران.
دفع السلوك الأمريكي، الذي اتخذ طابع المواجهة الإعلامية وتسبب في تعليق مؤقت للمحادثات، دفع طهران إلى طرح سؤال جوهري: هل من المفترض أن تكون نتيجة الحرب والمفاوضات واحدة؟ وإن كان الأمر كذلك، فكيف يمكن التعويل على مسار المحادثات أو إبداء أي تفاؤل حياله، عندما يبدو أن واشنطن، ومعها الترويكا الأوروبية، لا تسعى حتى إلى تغيير سلوك طهران، بل إلى إسقاط النظام السياسي القائم؟ تصريحات دونالد ترامب في الرياض لم تحمل أدنى مؤشرات على حسن نية واشنطن، بل على العكس، كانت تلك التصريحات غير المسبوقة مقارنة بسابقيه من الرؤساء الأمريكيين، وأثارت أقصى درجات الشك لدى طهران. تصريحاته لم تعكس أدنى نية في قبول مسار تفاوضي سلمي مع إيران.
تزايد حدة الخطاب الأمريكي بعد الجولة الخارجية التي قام بها ترامب وانعكاس ذلك في الإعلام، عمّق فقط من حدة الخلافات والشكوك لدى طهران. كان من الممكن سابقاً تصور أن واشنطن تحاول أن تنأى بنفسها عن نزعات تل أبيب المغامرة، وكذلك عن تيارات التشدد داخل المؤسسة السياسية الأمريكية، وأنها تتجه نحو نهج عملي قائم على الواقع. لكن الولايات المتحدة غيّرت في الأيام الأخيرة نبرة خطابها إلى درجة توحي وكأنها تسعى في الجولة الخامسة من المحادثات إلى احتكار حق التفاوض لنفسها.
من هذا المنطلق، تُسارع طهران إلى تقييم مسار يحقق من جهة كبح جماح طموحات واشنطن، ومن جهة أخرى، يجعل ردود أفعالها إزاء سلوك وأهداف إدارة ترامب والتيارات المتطرفة في الولايات المتحدة وأوروبا، ولا سيما تل أبيب، أقل كلفة قدر الإمكان.
بدورهان تسعى واشنطن حالياً، عبر سلوكها المتقلب وضغوطها الاقتصادية والدعائية، إلى اختبار حدود صمود طهران. وفي المقابل، تُقيّم الأخيرة الوضع بعناية لتحديد الاستعدادات اللازمة للتعامل مع ما هو قادم، ولتقدير مدى قدرتها على التأثير في المسار الحالي. وذلك في ظل اشتعال جديد لأزمة التوتر والخلافات بين الطرفين.
ومع ذلك، فإن الجانب المضيء في الصورة يتمثل في أن الطرفين، رغم حدة التوتر، لا يزالان يتحليان ببعض الحذر، ويدركان جيداً أن تجاهل أخطاء محتملة في هذه المرحلة قد يجرّ إلى كارثة يصعب تداركها.
إن التخلي عن الحذر الأولي من قبل طهران وواشنطن والانزلاق إلى فخ المواجهات الإعلامية يُعد أسوأ ما يمكن أن يحدث على أعتاب الجولة السادسة من محادثات هذين الخصمين التاريخيين.
جلال خوش جهره
صحفي وكاتب إيراني