من الصحافة الإيرانية: لماذا لجأت أوروبا مرة أخرى إلى الدبلوماسية؟
تعددت التفسيرات حول دوافع الأوروبيين للعودة إلى المفاوضات في خضم التصعيد، قد يكونوا اعتقدوا أن الهجوم الإسرائيلي سيحقق هدفه خلال الأيام الثلاثة الأولى، وأن طهران ستجلس إلى الطاولة وهي منهكة، إلا أن صمود إيران دفع الأوروبيين لإعادة تقييم موقفهم.

ميدل ايست نيوز: غادر وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، العاصمة طهران متجهاً إلى جنيف في ذروة القصف الإسرائيلي لطهران ومدن إيرانية أخرى، وذلك تلبيةً لطلب من الدول الأوروبية الثلاث المشاركة في الاتفاق النووي، إلى جانب ممثل الاتحاد الأوروبي، لاستئناف جولة جديدة من المحادثات مع إيران. هذه المحادثات كانت حتى قبل أسبوعين تواجه بروداً أوروبياً وتجاهلاً واضحاً من تلك الأطراف.
وجاء الطلب الأوروبي للقاء وزير الخارجية الإيراني بعد أن تعرضت إيران لهجوم مفاجئ وغير مبرر من قبل إسرائيل، بينما كانت في خضم محادثات دبلوماسية مع الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية والدول الأوروبية نفسها.
وفي الوقت الذي تبدو فيه الولايات المتحدة على علم مسبق بالهجوم الإسرائيلي بل وربما نسقته مع تل أبيب، فإن أوروبا التي كانت قد وضعت نفسها عمداً على هامش مفاوضات طهران وواشنطن، عادت إلى المشهد التفاوضي، في محاولة لكسر جبهة التحالف الأحادي الأميركي الإسرائيلي ضد إيران.
في الأيام الثلاثة الأولى من الهجوم، تبنت الحكومات الأوروبية موقفاً داعماً لإسرائيل، حيث أعلنت فرنسا رسمياً تأييدها للهجوم واعتبرته “دفاعاً عن النفس”. غير أنه، وبعد مرور سبعة أيام على بدء الحرب، يبدو أن الأوروبيين أعادوا النظر في مواقفهم وطرحوا فكرة استئناف التفاوض مع طهران.
ومنذ عام 2003، حين بدأت أزمة الملف النووي الإيراني، كانت أوروبا شريكاً دائماً في المفاوضات، وصولاً إلى اتفاق 2015 (خطة العمل المشتركة الشاملة). وحتى بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، بقيت الدول الأوروبية ملتزمة به وشكلت جزءاً أساسياً منه.
ومنذ بدء المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن، والتي شملت خمس جولات تفاوضية، عملت الولايات المتحدة عمداً على استبعاد الأوروبيين من مجريات الحوار. وقد أعرب الأوروبيون مراراً عن امتعاضهم من تغييبهم من تفاصيل التفاوض، في حين كانت طهران تطلعهم باستمرار على نتائج المباحثات مع واشنطن. رغم ذلك، لم تكن العلاقات التفاوضية بين إيران وأوروبا تسير بسلاسة، وكانت غالباً تتجه نحو التوتر.
وبلغ هذا التوتر ذروته عندما دعمت أوروبا، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، قراراً في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية يدين إيران ويتهمها بعدم التعاون الكامل، ويهدد بتفعيل آلية “الزناد” لإعادة فرض جميع العقوبات الأممية عليها. وقد ردت طهران بغضب، مهددة باتخاذ إجراءات مضادة. وبعد أقل من 24 ساعة، شنت إسرائيل هجوماً شاملاً على إيران، معلنةً الحرب رسمياً، وهي الحرب التي دخلت يومها الحادي عشر اليوم، الاثنين. ويبدو أن قرار الأوروبيين والأميركيين في الوكالة وفّر الذريعة التي استغلتها إسرائيل لتبرير هجومها على طهران.
في هذا السياق، عادت الأطراف الأوروبية لتجريب خيار الدبلوماسية والدعوة للعودة إلى طاولة المفاوضات. إيران من جانبها لم تُقصِ الأوروبيين أبداً عن أي حوار. تعددت التفسيرات حول دوافع الأوروبيين للعودة إلى المفاوضات في خضم التصعيد. قد يكونوا اعتقدوا أن الهجوم الإسرائيلي سيحقق هدفه خلال الأيام الثلاثة الأولى، وأن طهران ستجلس إلى الطاولة وهي منهكة، إلا أن صمود إيران وردّها القوي، الذي شمل قصفاً مكثفاً بالصواريخ للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948، وإيقاع عشرات القتلى والجرحى في الجانب الإسرائيلي، دفع الأوروبيين لإعادة تقييم موقفهم. ربما شعروا بتهديد حقيقي من اتساع رقعة الحرب، أو تحت ضغط الرأي العام الداخلي الذي بدأ يتململ من دعم غير مشروط لإسرائيل.
وقد ظهرت ملامح هذا التغير الأوروبي منذ اليوم الرابع للحرب، لا سيما بعد التصريحات اللافتة التي أدلى بها المستشار الألماني، فريدريش مرتس، على هامش قمة مجموعة السبع في كندا، لقناة “زد دي إف” الألمانية، حين وصف الهجوم الإسرائيلي على إيران بأنه “العمل القذر الذي تنفذه إسرائيل نيابة عنا جميعاً”. تعبير “العمل القذر” أعاد إلى الأذهان تصريحات أوجست هافنر، أحد كبار منفذي الإعدامات الجماعية في ألمانيا النازية عام 1942، ما أثار جدلاً واسعاً في ألمانيا واستياء كبيراً في الرأي العام تجاه الحكومة.
ويُحتمل أيضاً أن يكون الموقف العربي والإسلامي الحاسم والداعم لطهران قد فاجأ الأوروبيين. فدول محورية مثل السعودية ومصر والإمارات أصدرت بيانات شديدة اللهجة تدين العدوان الإسرائيلي، في حين أعلنت باكستان – الدولة الإسلامية الوحيدة التي تملك سلاحاً نووياً – دعمها الكامل لإيران واستعدادها لتقديم الدعم الشامل ضد إسرائيل. ربما لم يتوقع الأوروبيون هذا الإجماع الإسلامي والعربي، ولم يحسبوا تبعاته السياسية والاقتصادية، خاصة في ظل اعتماد أوروبا على استثمارات عربية مهمة.
على كل حال، عودة أوروبا إلى خيار الدبلوماسية في التعامل مع إيران لم تكن ضمن حسابات إسرائيل أو الولايات المتحدة، لا سيما في ظل تعهد تل أبيب بإنهاء وجود الجمهورية الإسلامية خلال أسبوعين. هذه الخطوة الأوروبية قد تربك حسابات إسرائيل وتغير مسار التصعيد.
من المؤكد أنه لا يمكن رفع سقف التوقعات بشأن المحادثات في جنيف، والطريق لا يزال محفوفاً بالصعوبات أمام الدبلوماسية الإيرانية وقيادتها، لكن مجرد اختيار المسار الدبلوماسي من جديد من قبل الأوروبيين يُعد عاملاً مؤثراً في كسر حدة التوتر الذي يخيّم على علاقات إيران الدولية. أوروبا قررت أن تكون كاسر الموجة في وجه العاصفة.
وينبغي الاستفادة القصوى من هذه الفرصة، إلى جانب الدعم العربي والإسلامي، وعدم السماح للمخططات الإسرائيلية بإفشال المبادرات السياسية والمقاربات التهدوية من الأطراف الأخرى. وربما، إن أُحسن استغلال هذا الظرف، يمكن إنهاء الحرب في وقت أقصر مما يُتوقع.