من الصحافة الإيرانية: “جسر ترامب” صفقة سرية أم سيناريو للضغط الجيوسياسي؟

يظهر دخول الولايات المتحدة وتراجع الدور الروسي ومساعي تركيا لتعزيز النفوذ التركي في المنطقة، إلى جانب الهواجس الأمنية الإيرانية، أن زنغزور ليس مجرد ممر، بل عقدة محورية في تشكيل النظام الإقليمي المقبل.

ميدل ايست نيوز: في الأيام الأخيرة، أثار تقرير نُشر في وسائل إعلام روسية وإسبانية ردود فعل واسعة في المشهد السياسي لجنوب القوقاز. ووفقًا لما أوردته صحيفتا “إزفيستيا” الروسية و”بيريوديستا ديجيتال” الإسبانية، فإن الولايات المتحدة وأرمينيا وأذربيجان توصّلت سرًا إلى اتفاق حول إنشاء ممر يُعرف باسم “جسر ترامب”، يمر من منطقة سيونيك جنوب أرمينيا، ليربط غرب أذربيجان بجمهورية نخجوان ذات الحكم الذاتي. ورغم نفي الحكومة الأرمينية، واعتبارها هذا الخبر “دعاية ممنهجة”، إلا أن أبعاده الإقليمية والدولية تستدعي تحليلاً معمقًا.

مضمون الاتفاق المزعوم: ممر بطول 42 كيلومترًا بإدارة أمريكية

بحسب التقارير، فإن الوثيقة السرية تتضمن مشروعًا تحت عنوان “البوابات الدفاعية الثنائية الإقليمية والممر الاقتصادي جسر ترامب”، ويمتد لمسافة 42 كيلومترًا عبر منطقة سيونيك الاستراتيجية في أرمينيا. ويُفترض، وفق هذه الرواية، أن تتم إدارة الممر من قبل شركة أمريكية خاصة. ويشير إطلاق اسم “جسر ترامب” إلى مسعى أمريكي لمنح المشروع بعدًا جيوسياسيًا خاصًا، في وقت تسعى فيه واشنطن لتقليص نفوذ موسكو في جنوب القوقاز.

رد رسمي من يريفان: نفي قاطع مع غموض استراتيجي

أصدرت الحكومة الأرمينية بيانًا رسميًا وصفت فيه هذه التقارير بأنها جزء من “حرب هجينة” تهدف إلى تقويض سياسات يريفان الرسمية. لكنها في الوقت ذاته طرحت بديلًا عبر مشروع يُعرف باسم “مفترق طرق العالم”، والذي يقضي ببقاء جميع البنى التحتية تحت سيادة الدولة المضيفة. ويعكس هذا الموقف رفض أرمينيا لفكرة “ممر تحت إشراف خارجي”، لكنها لا تمانع مبدأ فتح الممرات الإقليمية، شرط ألا يُمس بسيادتها الوطنية.

موقف أذربيجان: ضغط لتنفيذ وعود وقف إطلاق النار لعام 2020

منذ توقيع الاتفاق الثلاثي بين باكو ويريفان وموسكو في نوفمبر 2020، تُطالب أذربيجان بتنفيذ بنوده كاملة، بما في ذلك فتح الممرات البرية التي تُدار من قبل جهاز الأمن الفيدرالي الروسي. ومع تراجع الحضور الروسي في المنطقة نتيجة انشغالها بالحرب في أوكرانيا، تسعى باكو إلى إيجاد بديل يضمن لها الوصول البري إلى نخجوان. كما أن الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران وفّر مناخًا إقليميًا أكثر ملاءمة لتحركات أذربيجان في هذا الاتجاه. وإن صحّت الأنباء عن اتفاق مع واشنطن، فسيُتيح ذلك لباكو تقليل الاعتماد على موسكو واستغلال انشغال طهران بملفات أخرى.

الدوافع الأمريكية: إخراج روسيا من القوقاز أم تطويق إيران؟

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الانخراط في مشروع كـ”زنغزور” يخدم عدة أهداف: أولًا، تقليص النفوذ الروسي التاريخي في جنوب القوقاز، واستبداله بترتيبات أمنية مدعومة من الغرب. ثانيًا، توسيع الحضور الاقتصادي والجيوسياسي الأميركي على امتداد الممر الممتد من البحر الأسود إلى بحر قزوين فآسيا الوسطى. ثالثًا، تأمين موطئ قدم استراتيجي قريب من الحدود الإيرانية، ما يعزز استراتيجية تطويق طهران إقليميًا، خاصة وأن الممر المقترح يمر بمحاذاة حدود إيران، ما يمنحه بعدًا أمنيًا إضافيًا.

تحديات قانونية وأمنية تعترض المشروع

حتى لو كان هناك اتفاق فعلي، فإن تنفيذه سيصطدم بعقبات عدة. أولها، المعارضة الشديدة داخل أرمينيا، سواء من الأوساط السياسية أو من المجتمع المدني، الذين يعتبرون المشروع انتهاكًا للسيادة الوطنية. ثانيها، احتمال تصعيد إيراني، خاصة أن طهران عبّرت مرارًا عن رفضها القاطع لأي “ممر جيوسياسي” يمر قرب حدودها الشمالية الغربية. وثالثًا، غياب دعم دولي واضح أو قرار صادر عن الأمم المتحدة أو أي هيئة قانونية دولية يضفي شرعية على مثل هذا المشروع، ما يجعل تنفيذه محفوفًا بالمخاطر.

تقييم نهائي: ممر اقتصادي أم ساحة صراع جيوسياسي جديد؟

ما يبدو ظاهريًا مشروعًا اقتصاديًا، يتخذ في جوهره طابعًا تنافسيًا بين القوى العالمية الساعية للسيطرة على جنوب القوقاز. إذ يظهر دخول الولايات المتحدة، وتراجع الدور الروسي، ومساعي تركيا لتعزيز النفوذ التركي في المنطقة، إلى جانب الهواجس الأمنية الإيرانية، أن زنغزور ليس مجرد ممر، بل عقدة محورية في تشكيل النظام الإقليمي المقبل. ويظل الدور الذي ستلعبه الحكومة الأرمينية، ومدى قدرتها على الموازنة بين الغرب وروسيا وجيرانها، عاملًا حاسمًا في صياغة مستقبل المنطقة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى