“طهران”: كيف تحول مسلسل تجسسي إلى أداة دعائية لترويج الرواية الإسرائيلية ضد إيران؟
تجاوز المسلسل التجسسي "طهران" الذي أنتجته شبكة التلفزيون الرسمي الإسرائيلي، الدراما التلفزيونية، إذ يُعد جزءاً من مشروع إعلامي يستعرض عمليات حقيقية ضد إيران.

ميدل ايست نيوز: تجاوز المسلسل التجسسي “طهران” الذي أنتجته شبكة التلفزيون الرسمي الإسرائيلي، الدراما التلفزيونية، إذ يُعد جزءاً من مشروع إعلامي يستعرض عمليات حقيقية ضد إيران ويكرّس الرواية الرسمية الإسرائيلية لدى الجمهور الدولي.
المسلسل الذي عُرض للمرة الأولى في سبتمبر 2020 على قناة “كان 11” الحكومية في إسرائيل، انتقلت حقوق بثه لاحقًا إلى منصة “آبل تي في بلس”. كتب العمل موشيه زوندر وعمري شنهَر، وأخرجه دانئيل سيركين، وهم من الأسماء المعروفة في إنتاج الأعمال الأمنية والسياسية في الإعلام الإسرائيلي.
يدور محور المسلسل حول الصراع غير المباشر بين إيران وإسرائيل، ويشارك فيه ممثلون مثل نيف سلطان، وشون طوب، ونويد نجيباهن، وليراز شارهي، وشروين لناربي، وغلين كلوز.
تدور القصة حول “تامار رابينيان”، عميلة استخباراتية من أصول إيرانية تعمل لدى الموساد ونشأت في إسرائيل. مهمتها تعطيل منظومة الدفاع الجوي الإيراني تمهيدًا لهجوم جوي إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية. تفشل العملية في البداية، ما يضطرها للبقاء في إيران، حيث تواجه ماضيها وجذورها، وهو ما يضفي الطابع العاطفي على القصة. في الموسم الثاني، تتوسع الحبكة مع انضمام ممثلين كغِلين كلوز وشون طوب لتقديم رواية أكثر تعقيدًا عن “حرب الظل” بين البلدين.
لكن خلف هذا الغطاء الدرامي، تبرز تساؤلات عن الهدف الحقيقي من إنتاج “طهران”: هل هو مجرد عمل تشويقي، أم جزء من حملة إعلامية واستراتيجية مدروسة؟
منذ الثورة الإيرانية عام 1979، دخلت العلاقات بين طهران وتل أبيب مرحلة عداء صريح، فبينما تبنّت إيران استراتيجية دعم حركات المقاومة ومواجهة إسرائيل، عملت الأخيرة بدعم غربي على احتواء النفوذ الإيراني. هذا الصراع شمل الأبعاد السياسية والثقافية والاقتصادية وما زال مستمراً حتى اليوم.
في هذا السياق، يُنظر إلى “طهران” كجزء من معركة “الرواية”. يحاول صنّاع المسلسل فصل الشعب الإيراني عن نظام الحكم وتصوير الصراع على أنه مواجهة بين “أنظمة” لا بين “شعوب”—رؤية فقدت مصداقيتها خلال الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يوماً، حيث لم تُميز الاعتداءات الإسرائيلية بين أهداف عسكرية ومدنية.
يسعى المسلسل، ضمنيًا، إلى تصوير إسرائيل كطرف منقذ لا يستهدف سوى القوى العسكرية، لكن هذا الخط السردي يتناقض بوضوح مع وقائع الهجمات الإسرائيلية، سواء في قطاع غزة أو داخل إيران، والتي كثيرًا ما وُجهت إليها اتهامات بعدم التفرقة بين أهداف مدنية وعسكرية، حسب تقارير منظمات دولية.
أحد الجوانب المثيرة للجدل في “طهران” هو رد فعل الإعلام الغربي، حيث أشار بعض النقاد إلى أن المسلسل يُظهر عناصر الأمن الإيراني بصورة إنسانية نسبياً، في حين يُصوّر معارضي النظام وهم يواجهون أزمات شخصية أو أخلاقية مثل الإدمان. موشيه زوندر دافع عن العمل قائلاً إن هدفه كان مواجهة الصورة النمطية التي تروّج أن هدف إيران الوحيد هو تدمير إسرائيل.
غير أن كثيراً من النقاد الإيرانيين يرون أن هذه السردية تنسجم تماماً مع البروباغندا الرسمية الإسرائيلية، وتُستخدم لتبرير استهداف البنية التحتية الحساسة في إيران، كالمواقع النووية أو أنظمة الدفاع الجوي، تحت غطاء درامي تلفزيوني.
وبعيداً عن الرسائل السياسية، يعاني المسلسل من مشكلات فنية تتعلق بسوء تصوير تفاصيل المجتمع والنظام في إيران، مثل الأخطاء في زيّ الحرس الثوري، أو طريقة إصدار العفو عن السجناء من قبل المرشد الأعلى، أو حتى أسلوب الحوار بين الشخصيات، وهي انتقادات سبق طرحها أيضاً بشأن أفلام مثل “آرغو”، ما يكشف عن تصور مبسّط لمجتمع معقّد ومتعدّد الطبقات.
رغم ذلك، تبقى رسالة “طهران” واضحة: إسرائيل لا تسعى إلى التفوق فقط في ميدان المعركة أو المفاوضات، بل أيضاً في ساحة التأثير الإعلامي والرواية. وبينما يحصد المسلسل جوائز دولية، يظل السؤال قائماً: لماذا لم تتمكن المؤسسات الثقافية في إيران حتى الآن من تقديم عمل بمستوى يضاهي الدعاية الإعلامية الإسرائيلية؟