من الصحافة الإيرانية: خارطة الطريق أمام طهران وإسلام آباد
رغم التحديات التي واجهت العلاقات الثنائية بين إيران وباكستان في السنوات الأخيرة، مثل قضايا الحدود والتهريب واللاجئين، إلا أن البلدين أظهرا قدرة على بناء الثقة في اللحظات الحرجة.

ميدل ايست نيوز: في أعقاب التوترات غير المسبوقة في المنطقة والعدوان العسكري الذي شنّه الكيان الإسرائيلي على أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية في يونيو الماضي، عادت منطقة الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية إلى أجواء تغيّرات جيوسياسية محتملة. وفي هذا السياق، أكدت باكستان، من خلال مواقفها الداعمة لإيران وإدانتها الصريحة للهجمات الإسرائيلية، مجددًا على كونها جارًا يمكن الاعتماد عليه لطهران. وفي ما يمكن وصفه بفترة “ما بعد الحرب التي استمرت 12 يومًا”، تتصاعد التكهّنات حول زيارة مرتقبة للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى إسلام آباد، وهي زيارة قد تمثل نقطة تحوّل في العلاقات بين البلدين.
في وقت التزمت فيه العديد من القوى الدولية الصمت أو أبدت دعمًا ضمنيًا تجاه العدوان الإسرائيلي، جاءت مواقف إسلام آباد مختلفة. فقد أدان وزير الخارجية الباكستاني، محمد إسحاق دار، في مقابلة مع قناة “العربية”، الهجمات الإسرائيلية على إيران، لا سيما تلك التي استهدفت منشآت نووية، واعتبرها تهديدًا يشمل المنطقة بأسرها. وقال: “لقد أدنّا هذه الأعمال منذ البداية. لا يمكن التغاضي عن أخطاء حتى أقرب الأصدقاء. ما هو صواب يبقى صوابًا، وما هو خطأ يظل خطأً، مهما كان مصدره”.
هذا الموقف يعكس تحولًا مهمًا في نهج السياسة الخارجية الباكستانية، إذ سعت إسلام آباد في السنوات الأخيرة إلى التوازن في علاقاتها مع إيران والدول العربية والولايات المتحدة، للحفاظ على دورها كوسيط محايد في أزمات المنطقة. إلا أن دعمها الصريح لإيران في هذه الحرب الأخيرة تجاوز الحياد التقليدي.
وفي المقابلة ذاتها، كشف إسحاق دار عن أن الرئيس الإيراني سيزور باكستان قريبًا، معربًا عن أمله في أن تتم الزيارة في أوائل أغسطس. وأوضح أن رئيس الوزراء شهباز شريف سيستقبل الرئيس بزشكيان رسميًا، مشيرًا إلى أن اختيار باكستان لتكون أول محطة إقليمية للرئيس الإيراني بعد الحرب يحمل رسالة سياسية واضحة، ويعكس دخول العلاقات بين البلدين مرحلة جديدة قائمة على التعاون المتبادل والأمن الإقليمي والتنمية الاقتصادية.
وقد تشكّل هذه الزيارة فرصة لرسم خريطة طريق للتعاون بين البلدين في مجالات مثل أمن الحدود، والطاقة، والتجارة، والتعليم العالي، ومكافحة الإرهاب.
ورغم التحديات التي واجهت العلاقات الثنائية في السنوات الأخيرة، مثل قضايا الحدود، والتهريب، واللاجئين، إلا أن البلدين أظهرا قدرة على بناء الثقة في اللحظات الحرجة. فخلال النزاع الأخير بين الهند وباكستان، دعمت إيران مواقف إسلام آباد بشكل واضح. واليوم، وقفت باكستان بدورها إلى جانب إيران في مواجهة العدوان، مما يؤسس لنمط من “الثقة في أوقات الأزمات”، قد يؤدي إلى تعميق العلاقات وتحويلها من مجرد علاقة جوار إلى شراكة استراتيجية.
ومن الجوانب اللافتة في تصريحات وزير الخارجية الباكستاني، حديثه عن اتصال تلقاه رئيس الوزراء الباكستاني من وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، خلال الهجمات الإسرائيلية، حيث أكّد دار أن بلاده شجعت الأطراف على سلوك طريق الحوار والدبلوماسية، وتواصل هذا النهج. وأوضح أن بلاده استخدمت قنوات اتصالها مع واشنطن، وطهران، وحتى تل أبيب، لتمرير رسائل تهدئة. كما أشار إلى أن مفاوضات جديدة كان من المقرر أن تبدأ بين إيران والولايات المتحدة بوساطة عُمانية في 15 يونيو، إلا أن الهجوم الإسرائيلي في 13 يونيو عرقلها. ومع ذلك، يبقى لباكستان دور محوري في الحفاظ على قنوات الاتصال بين الأطراف، خاصة بفضل علاقاتها مع واشنطن والرياض، مما قد يشكل فرصة دبلوماسية مهمة لطهران.
وتطرّق إسحاق دار إلى المخاطر البيئية والتقنية المحتملة للهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، مؤكدًا أن باكستان، باعتبارها دولة جارة لإيران ولها حدود واسعة معها، لا يمكنها تجاهل هذه التهديدات، موضحًا أن “المخاوف المرتبطة بالإشعاعات النووية تخصّ المنطقة بأسرها”.
ويعكس هذا التصريح فهماً متزايدًا في إسلام آباد للترابط الأمني بينها وبين طهران، إذ إن أمن حدود باكستان مرتبط مباشرة بالاستقرار في شرق إيران، من بلوشستان إلى طرق التهريب والحركة القبلية. وقد تكون زيادة التعاون الحدودي، وتعزيز البنية الأمنية المشتركة، والتنسيق الاستخباراتي من أبرز محاور زيارة بزشكيان المحتملة.
وبالعودة إلى الاتجاهات الراهنة في العلاقات بين البلدين، يتضح أنهما في طور الانتقال من تعاون تكتيكي إلى شراكة استراتيجية طويلة الأمد. فالدعم المتبادل في الحروب الأخيرة، وجهود باكستان الدبلوماسية، والمواقف الأخلاقية التي تبنّتها تجاه العدوان الإسرائيلي، كلها مؤشرات على نضج العلاقات الثنائية. وإذا ما أُنجزت زيارة الرئيس الإيراني إلى باكستان، فقد تساهم في ترسيخ هذا التوجّه وتسريعه.
وفي ظل فهم مشترك للتهديدات والفرص، من المتوقع أن تتجه علاقات طهران وإسلام آباد نحو تعزيز المكانة الإقليمية لكل منهما، بما يخدم الأمن والاستقرار والتنمية في جنوب غرب آسيا بأكمله.
اقرأ أكثر