ما هي دلالات تعيين “بيير كوشار” سفيراً جديداً لفرنسا في طهران؟
يُعد كوشار من القلة الذين يتقنون اللغة الفارسية، ما يمكّنه من إجراء حوارات مباشرة مع النخب السياسية والمسؤولين الإيرانيين.

ميدل ايست نيوز: في ظل مرحلة تُعدّ من أعقد مراحل العلاقات بين إيران وأوروبا خلال العقدين الماضيين، بعثت فرنسا برسالة واضحة من خلال تعيين دبلوماسي مخضرم ومتقن للغة الفارسية سفيرًا لها في طهران.
وذكرت وكالة إرنا في تقرير، أن “بيير كوشار” بدأ رسميًا مهامه كسفير جديد لفرنسا لدى إيران يوم الاثنين 28 يوليو، بعد تقديم أوراق اعتماده إلى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان. وأكد كوشار خلال اللقاء أن فرنسا ملتزمة بالحفاظ على مسار الحوار والدبلوماسية وتعزيز الثقة، مشيرًا إلى أن باريس لم تُغلق سفارتها في طهران حتى في أثناء الحرب التي استمرت 12 يومًا.
بيير كوشار، من مواليد 13 يونيو 1962 في مدينة “فوارون” جنوب شرق فرنسا، تلقى تعليمه في أبرز المؤسسات الأكاديمية الفرنسية مثل معهد الدراسات السياسية في باريس (Sciences Po) والمدرسة الوطنية للإدارة (ENA)، وهما المؤسستان اللتان تخرّج فيهما عدد كبير من رؤساء الجمهورية ووزراء الخارجية والمديرين العامين في فرنسا.
انضم كوشار إلى وزارة الخارجية الفرنسية عام 1989 بعد تخرجه، وبدأ مسيرته المهنية في قسم مراقبة التسلح. وقد تدرج في مناصب دبلوماسية حساسة في آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، ما جعله من بين أكثر الدبلوماسيين الفرنسيين خبرة وتخصصًا.
ويُعد كوشار من القلة الذين يتقنون اللغة الفارسية، ما يمكّنه من إجراء حوارات مباشرة مع النخب السياسية والمسؤولين الإيرانيين. كما أنه حاصل على وسام “فارس جوقة الشرف” و”وسام الشرف الوطني الفرنسي”.
مسار صعب في البعثات الدبلوماسية
في منتصف تسعينيات القرن الماضي (1994–1997)، عمل كوشار كأول سكرتير سياسي في السفارة الفرنسية بطهران، خلال مرحلة إعادة الإعمار بعد الحرب الإيرانية – العراقية وبداية الانفتاح السياسي في عهد حكومة هاشمي رفسنجاني وبداية حكومة خاتمي. وشهدت تلك المرحلة استقرارًا نسبيًا في العلاقات بين إيران وفرنسا، مع تركيز بارز على التعاون الثقافي والاقتصادي.
أدت تلك التجربة الميدانية إلى تعمق فهم كوشار لبنية النظام السياسي في إيران، ومؤسساتها الحاكمة، والفضاء الاجتماعي، والحساسيات الأيديولوجية للجمهورية الإسلامية، ما انعكس لاحقًا على توجهات السياسة الإقليمية الفرنسية.
عقب خدمته في طهران، شغل كوشار مناصب عدة منها: مستشار سياسي في طوكيو، ومدير عام إدارة السياسات الأمنية في وزارة الخارجية الفرنسية، والمفتش العام للدبلوماسية الفرنسية، وأخيرًا القنصل العام لفرنسا في القدس.
وفي عام 2021، تم تعيينه سفيرًا لفرنسا في صربيا، حيث تولى إدارة العلاقات بين باريس وبلغراد خلال فترة إعادة تحديد الدور الأوروبي في منطقة البلقان.
جاء تعيين كوشار متزامنًا مع محاولات جديدة من فرنسا وألمانيا وبريطانيا للحفاظ على إطار الاتفاق النووي وتجنب مزيد من التوترات مع إيران. وقد وصل إلى طهران في يوليو وأجرى في الأسابيع الأولى من مهامه لقاءات مع مسؤولين كبار، من بينهم وزير الخارجية الإيراني السابق عباس عراقجي.
في وقت تشهد فيه العلاقات الإيرانية – الأوروبية اضطرابات ناتجة عن الخلافات النووية، والصراعات الجيوسياسية، وتراجع الثقة المتبادلة، يُعتبر تعيين شخصية ذات خلفية دبلوماسية عميقة ومعرفة دقيقة بالشأن الإيراني خطوة ذات مغزى. فبيير كوشار ليس مجرد دبلوماسي رسمي، بل يحمل ذاكرة وخبرة شخصية من إيران، ومعرفة باللغة الفارسية، وإدراكًا لتفاعلات السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية.
تأتي مهمته الجديدة في ظل ظروف مختلفة كليًا عن تلك التي خدم فيها بطهران قبل ثلاثة عقود؛ إذ إن إيران في تسعينيات القرن الماضي ليست كما هي اليوم، بعد سنوات من التوتر مع الغرب والتحولات الإقليمية والدولية.
ويواجه السفير الجديد ملفات معقدة من بينها: المفاوضات الحساسة مع الترويكا الأوروبية عشية مهلة غير رسمية قد تؤدي إلى تفعيل آلية الزناد، والتوترات المتوقعة في حال فشل المفاوضات، وقضية المواطنين الفرنسيين المعتقلين في إيران مثل سيلين كلير وزوجها المتهمين بالتجسس، إلى جانب التوترات الإقليمية واحتمالات التصعيد العسكري من جانب إسرائيل أو الولايات المتحدة ضد إيران.
لا يعد تعيين بيير كوشار سفيرًا لفرنسا لدى إيران مجرد تغيير روتيني في التمثيل الدبلوماسي، بل يُمثل اختيارًا استراتيجيًا من قبل باريس. ففي وقت تراجعت فيه الثقة بين إيران وأوروبا إلى أدنى مستوياتها، قد تمثّل عودته إلى طهران فرصة لإعادة صياغة العلاقة وتخفيف حدة التوتر، شريطة أن تُمنح له المساحة اللازمة للقيام بدور فعّال، والأهم أن تتوفر الإرادة السياسية في باريس لتجنّب التصعيد مع طهران.