من الصحافة الإيرانية: زنغزور وسياسة خارجية متوازنة وعقلانية

تكمن أهمية إنشاء هذا الممر في كونه منطقة عبور رئيسية بين الشرق والغرب، ويضم مخزونًا من مصادر الطاقة، كما يقع قرب روسيا وأوروبا وتركيا وإيران والشرق الأوسط.

ميدل ايست نيوز: أعاد الحدث الذي جرى يوم الجمعة الماضي في واشنطن وضع ممر زنغزور في مركز الاهتمام العالمي. يشير بيان واشنطن إلى أن باكو ويريفان اتفقتا على إقامة السلام والمضي قدمًا في تشكيل تحالف من الشركات الأمريكية لبناء وإدارة هذا الممر، الذي يربط نخجوان بالأراضي البرية عبر أرمينيا ويربط منطقة القوقاز الجنوبي من الغرب بتركيا ومن الشرق بآسيا الوسطى.

تكمن أهمية إنشاء هذا الممر في كونه منطقة عبور رئيسية بين الشرق والغرب، ويضم مخزونًا من مصادر الطاقة، كما يقع قرب روسيا وأوروبا وتركيا وإيران والشرق الأوسط. وتمتاز المنطقة بتنوع سكاني كبير يشمل الأذريين والفُرس والجورجيين والروس والأرمن.

إذا نجحت هذه المبادرات في هذه المنطقة الحيوية، فسيكون ذلك إنجازًا كبيرًا للوسيط، وهو الولايات المتحدة الأمريكية. فالصراع والحرب بين أذربيجان وأرمينيا مستمران منذ 35 عامًا، ما أعاق التنمية المستدامة في البلدين والمنطقة. قبل ذلك، حاولت أوروبا عبر مسار مينسك، بالإضافة إلى روسيا وإيران، الوساطة دون تحقيق نجاح كبير.

وفقًا للمشروع المقترح، والذي يبدو أن أرمينيا هي من بادرت به، ستخصص أرمينيا مسارًا داخل أراضيها لإنشاء هذا الممر، الذي سيظل تابعًا للقوانين الأرمينية وتحت سيادتها الرسمية، لكن البناء والإدارة سيقومان بهما تحالف من الشركات الأمريكية. يهدف هذا الممر، الذي سيسمى “طريق ترامب للسلام والتنمية الدولية” (TRIPP)، إلى إزالة الحصار الإقليمي بين البلدين، لتستفيد من ذلك العديد من الدول من تركيا حتى آسيا الوسطى وما بعدها، ما يعزز السلام الدائم بين باكو ويريفان.

يمثل هذا المشروع تحولًا يجعل الولايات المتحدة القوة العابرة للمنطقة الوحيدة التي تتحكم في ممر فريد في القوقاز الجنوبي، كما يُلغي دور مسار مينسك ويعزز النفوذ الأمريكي في عملية السلام الإقليمية على حساب أوروبا. يأتي ذلك في إطار الادعاءات التي يروج لها البيت الأبيض حول دور ترامب في اتفاقيات وقف إطلاق النار بين كمبوديا وتايلاند، واتفاقيات السلام بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وكذلك بين الهند وباكستان.

تنتشر أيضًا شائعات حول احتمال انضمام باكو إلى ما يسمى “السلام الإبراهيمي”، رغم أن العلاقة المتطورة بين باكو وتل أبيب تجعل هذا الاحتمال أكثر رمزية منه فعليًا. أما بالنسبة لإيران، فإن الأمر يمكن النظر إليه من عدة جوانب. رغم أن التجارة الخارجية الإيرانية قد تفقد عوائد الترانزيت بين أذربيجان ونخجوان عبر أراضيها، فإنها لن تتأثر كثيرًا من ناحية الترانزيت عبر أرمينيا إلى الشمال، لأن ممر زنغزور الذي سيبقى تحت سيادة أرمينيا من غير المرجح أن يغلق منفذ إيران. ومن المحتمل أن تتمكن إيران من إعادة بناء وصولها إلى الشمال عبر إنشاء تقاطع مع ممر TRIPP، مما يحافظ على مسارها التجاري نحو روسيا وأوروبا.

من المهم أن يُبنى الممر على مسافة معقولة من الحدود الإيرانية وسواحل نهر أرس. لكن من الناحية الجيوسياسية، ومن منظور السياسة الخارجية لإيران، يمثل هذا التطور استمرارًا في ابتعاد دول القوقاز عن روسيا وإيران. استقرار الشركات الأمريكية على طول حوالي 40 كيلومترًا من الحدود مع إيران بعرض يتراوح بين واحد وخمسة كيلومترات يشكل تحولًا مهمًا، ومن المؤكد أن إيران ستواجه أكبر التحديات من هذا المنطلق.

بالنظر إلى السياسة الخارجية الإيرانية التي يرى بعض المسؤولين فيها أن “العداء مع أمريكا جوهري”، فإن هذا التطور، وكون الولايات المتحدة مصدرًا لفتح إقليمي، سيكون تطورًا سلبيًا للغاية بالنسبة لها. علاوة على ذلك، قد يجلب هذا الممر فوائد لجميع الأطراف عدا إيران. ومن التحديات الأخرى لهذا الممر أنه سيوفر طريقًا بريًا لتركيا عبر بحر قزوين إلى آسيا الوسطى، وهو تحول تاريخي حاولت إيران عبر نحو 400 عام منعه.

مع ذلك، وبالنظر إلى تغير الظروف مقارنة بفترات الصفويين والقاجاريين، قد لا يشكل هذا التطور مشكلة كبيرة لإيران، شريطة ألا يحمل الممر طابعًا تورانيًا يضر بمصالحها الجيوسياسية. خاصة إذا كانت سياستها الخارجية متزنة ومنطقية، فسيكون التعامل مع هذه التغيرات أسهل.

لذلك، فإن تصريحات مستشار المرشد الأعلى الإيراني، علي أكبر ولايتي، التي قال فيها إن “إيران مع روسيا أو بدونها ستمنع إقامة الممر الأمريكي في القوقاز”، مفهومة فقط من زاوية ما يسمى “العداء الجوهري مع أمريكا”. لكنها غير مفهومة من ناحية كيفية تمكن إيران بمفردها من منع إقامة الممر، خاصة أن أذربيجان وأرمينيا، البلدين المعنيين، توصلا إلى اتفاق مع دولة ثالثة تعد أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، فيما بقيت الدول الأخرى صامتة.

كوروش أحمدي
دبلوماسي إيراني سابق

اقرأ أكثر

من الصحافة الإيرانية: خيارات إيران وبدائل دبلوماسية وقانونية لضمان وصولها إلى أرمينيا

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

17 − إحدى عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى