من الصحافة الإيرانية: ماذا تخفي المزاعم الإسرائيلية بشأن دور الصين في إعادة بناء الدفاعات الجوية الإيرانية؟
إن أي خطوة صريحة في مجال الدعم العسكري لإيران قد تعرض شبكة علاقات الصين الاقتصادية مع شركاء إقليميين رئيسيين للخطر.

ميدل ايست نيوز: أثار تقرير نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية حول الدور المحتمل للصين في إعادة بناء الدفاعات الجوية الإيرانية بعد حرب الـ12 يوماً موجة واسعة من التحليلات والتكهنات. وفي ظل غياب أدلة قاطعة وتعقيدات شبكة العلاقات المتشابكة لبكين في الشرق الأوسط، لا يمكن فهم هذا الادعاء إلا من خلال دراسة السلوك التقليدي والأنماط الجيوسياسية التي تعتمدها الصين.
وكتبت صحيفة شرق في تقرير لها، أن الصين، التي تُعد أكبر مستورد للنفط في العالم، تتبع منذ سنوات طويلة سياسة قائمة على “الموازنة بين المصالح المتعارضة” في تعاملها مع قضايا المنطقة. فهي من جهة معنية بالحفاظ على تدفق الطاقة من إيران ودول الخليج، ومن جهة أخرى تسعى للإبقاء على مسارات التعاون التكنولوجي والاستثماري مع إسرائيل والغرب.
بناءً على ذلك، فإن أي خطوة صريحة في مجال الدعم العسكري لإيران قد تعرض شبكة علاقات الصين الاقتصادية مع شركاء إقليميين رئيسيين للخطر. لذا، إن كان لبكين دور في إعادة بناء القدرات الدفاعية الإيرانية، فمن المرجح أنه كان محدوداً وغير معلن، ويهدف إلى الحفاظ على التوازن بين الأطراف المختلفة، لا أن يكون دعماً علنياً يثير حساسيات إقليمية ودولية.
سياسة الغموض: أداة للقوة الناعمة
من أبرز أدوات السياسة الخارجية الصينية في هذا السياق ما يُعرف بـ”الغموض الاستراتيجي”، وهو نهج يتيح لبكين تعزيز نفوذها في الملفات الحساسة من دون دفع تكاليف مباشرة. وينطبق ذلك على الملف الإيراني، حيث لا تؤكد الصين المزاعم الإسرائيلية ولا تنفيها بشكل صريح، بل تصدر بيانات دبلوماسية مبهمة تضمن لها مساحة واسعة للمناورة.
هذه السياسة تحقق لبكين عدة مكاسب، أبرزها: تجنب مواجهة علنية مع الولايات المتحدة وتل أبيب، إرسال رسائل غير مباشرة إلى طهران بوجود دعم محتمل، وإبراز نفسها كلاعب قادر على التواصل مع أطراف متعارضة في آن واحد. وبهذا النهج، توسع الصين من نفوذها الجيوسياسي من دون الدخول في التزامات عسكرية أو أمنية مكلفة.
الضغوط الإقليمية والقيود العالمية
أما على مستوى التحديات، فإن أي تعاون دفاعي مع إيران يصطدم بعقبات إقليمية ودولية. فعلاقات الصين الوثيقة مع السعودية والإمارات تشكل أبرز محدد لسلوكها في المنطقة، وأي دعم ظاهر لطهران قد يضعف هذه الشراكات الاقتصادية الكبرى.
وعلى الصعيد العالمي، فإن انخراط بكين في ملفات دفاعية حساسة مع إيران قد يعرضها لعقوبات جديدة أو يضر بسمعتها الدولية في ظل احتدام المنافسة مع الولايات المتحدة. ولهذا، وإن وُجدت شراكات في هذا المجال، فمن المرجح أنها تقتصر على تكنولوجيا مزدوجة الاستخدام أو تبادل محدود للمعلومات، بعيداً عن نقل مباشر لأسلحة متطورة قد تثير أزمة دبلوماسية.
ادعاء أم لعبة إعلامية؟
ويبقى السؤال الجوهري: إلى أي مدى تعكس هذه المزاعم الإسرائيلية واقعاً فعلياً؟ بالعودة إلى سوابق الإعلام الأمني الإسرائيلي، يتضح أن جانباً من هذه التقارير يُستخدم كأداة للضغط النفسي وإثارة المخاوف إزاء تنامي العلاقات بين طهران وبكين، حتى في غياب أدلة ملموسة. ومن جانبها، لا تبدي الصين استعداداً لكشف الحقائق الخفية، ما يترك المجال مفتوحاً أمام استمرار التكهنات.
وفي المحصلة، حتى وإن كانت هناك تحركات صينية في مجال دعم الدفاعات الإيرانية، فمن المرجح أن تكون هذه التحركات محدودة، تدريجية، وذات طابع سري بعيد عن الأضواء.