طالبان تضغط على إيران مائياً وطهران تؤكد تصعيد متابعتها للملف

أقرّ نائب وزير الطاقة الإيراني بعدم التزام حكومة طالبان بتسليم حصة إيران من مياه نهر هلمند، مؤكداً أن «وتيرة متابعتنا لملف حقوق إيران من مياه هلمند ستكون حتماً أكبر في العام المائي الجديد».

ميدل ايست نيوز: مع تفاقم أزمة شحّ المياه في إيران وتزايد ساعات انقطاعها عن المنازل والصناعات والقطاع الزراعي، أقرّ نائب وزير الطاقة الإيراني بعدم التزام حكومة طالبان بتسليم حصة إيران من مياه نهر هلمند، مؤكداً أن «وتيرة متابعتنا لملف حقوق إيران من مياه هلمند ستكون حتماً أكبر في العام المائي الجديد».

وأوضح محمد جوان بخت، أن «مسؤولي أفغانستان لم يلتزموا خلال العام المائي الجاري بمعاهدة هلمند كما ينبغي، إذ تنصّ الاتفاقية على التزام الطرف الأفغاني بتسليم 820 مليون متر مكعب من المياه سنوياً لإيران، بينما لم تتجاوز الكمية الواردة هذا العام عبر نهر هلمند إلى بحيرات “جاه‌ نيمه” أكثر من مئة مليون متر مكعب، وهو فارق كبير عن الحصة المقررة».

وكانت إيران من أوائل الدول التي دخلت في علاقة غير رسمية مع طالبان، إذ سلّمت سفارة أفغانستان في طهران وقنصليتها في مشهد إليهم. غير أن السلطات الإيرانية تجد نفسها اليوم في ذروة أزمة مائية، بينما تمضي طالبان في بناء سدود واسعة النطاق خصوصاً في المناطق الحدودية، ما يجعل عملياً حصة إيران من المياه في مهب الريح.

ودشنت الأسبوع الماضي حكومة طالبان التشغيل الرسمي لسد “باشدان” في ولاية هرات قرب الحدود الإيرانية. هذا السد يتمتع بقدرة تخزين تقارب 54 مليون متر مكعب من المياه، ويؤمّن ريّاً لقرابة 13 ألف هكتار من الأراضي إضافة إلى إنتاج طاقة بقدرة ميغاوينين. عملية ملء السد بدأت قبل نحو عام، ومع اكتمالها باتت المياه التي كانت تصل إلى إيران بشكل طبيعي تُحتجز داخل هذا الخزان. ويحذّر خبراء من أن المشروع سيؤدي إلى تراجع تدفق نهر هَریرود وجفاف مصادر المياه في مشهد.

ولا تقتصر مشاريع طالبان في بناء السدود على باشدان، بل تتواصل في ولاية فراه من خلال تشييد سد “بخش‌ آباد” بقدرة تخزين تتجاوز 1.3 مليار متر مكعب، لريّ أكثر من 68 ألف هكتار من الأراضي وتوليد 72 ميغاوات من الكهرباء. وبحسب آخر التقارير، فقد وصلت أعمال البناء فيه إلى نحو 80 بالمئة، ومع اعتراضه مجرى نهر فراه ستُحرم بحيرة هامون في سيستان وبلوشستان من المياه.

أما سدا “سلما” و”كمال خان” اللذان أنشئا في عهد الحكومة الأفغانية السابقة، فقد أثّرا بدورهما على تدفق نهر هریرود وتقليص حصة إيران.

أزمة كبرى في سيستان وبلوشستان وخراسان

وتكبدت المحافظات الشرقية لإيران، ولا سيما سيستان وبلوشستان وخراسان الجنوبية وخراسان الرضوية، خسائر فادحة جراء السياسات المائية في أفغانستان. فمنذ عقود تواجه منطقة سيستان موجات جفاف، فيما تحوّل نهر هلمند وفراه‌ رود، اللذان كانا يوماً ما من الأنهار الغزيرة، إلى مصدر للأزمات البيئية والعواصف الترابية. وفي مارس 2025، نشرت وكالة أنباء إيرانية صوراً فضائية أظهرت قيام طالبان بتحويل مجرى نهر هلمند نحو مستنقع ملحي يُعرف بـ”كودزره” بدلاً من إطلاقه نحو الحدود الإيرانية.

منذ عام 2021، سعت طهران إلى توثيق علاقاتها الدبلوماسية مع طالبان، لكن الأحداث الجارية تكشف أن هذه السياسة لم تثمر اتفاقيات ملزمة ولم تمنح إيران أدوات رادعة لوقف سياسات السدود الأحادية الجانب. ولهذا حذرت طهران مراراً من أن استغلال طالبان للموارد المائية المشتركة من دون التزام بالمعاهدات ومبادئ حسن الجوار أمر غير مقبول.

وتجد إيران نفسها اليوم إلى جانب جارٍ تحوّل فعلياً إلى خصم خفي في ملف المياه. فالأرض التي كانت في السابق شريان حياة لشرق إيران، تحولت إلى ساحة مواجهة صامتة على المياه، حيث تمتد آثار الأزمة من هرات وفراه إلى مستنقع “كودزره” والسهول الجافة في سيستان.

بدأت حرب المياه بهدوء لكنها عميقة، وإيران تحاول استعادة حصتها المائية التي تُعدّ في زمن الجفاف وقلّة الأمطار بمثابة “حق للحياة”. غير أن استمرار مشاريع السدود على طول الحدود الشرقية يهدّد بخسارة إيران نهائياً لحقها المائي، ويزيد من تعقيد الأزمات البيئية في شرق البلاد.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 + 12 =

زر الذهاب إلى الأعلى